هاني الصيادي ... الغائب الحاضر بين الواقع والظنون    ترامب يعلن تنفيذ عدوان أمريكي على 3 مواقع نووية في إيران    التلفزيون الايراني يعلن عن هجوم امريكي على منشآت نووية واسرائيل تتحدث عن تنسيق وضربة قوية    روايات الاعلام الايراني والغربي للقصف الأمريكي للمنشآت النووية الايرانية وما جرى قبل الهجوم    ترامب يعلق مجددا على استهداف إيران    الدفاعات الإيرانية تدمر 12 طائرة مسيرة صهيونية في همدان    بتواطؤ حوثي.. مسلحون يحرقون منزلاً في محافظة إب بعد نهبه    الحرس الثوري يطلق الموجة 19 من الطائرات الانتحارية نحو الكيان    استعدادات مكثفة لعام دراسي جديد في ظل قساوة الظروف    الرزامي يهاجم حكومة الرهوي: الركود يضرب الاسواق ومعاناة الناس تتفاقم وانتم جزء من العدوان    ما وراء حرائق الجبال!!    تدشين الدورة الآسيوية لمدربي كرة القدم المستوى "C" بالمكلا    محافظ تعز يبحث مع مسؤول أممي أزمة المياه والحلول الممكنة    حملة لازالة البساطين والعشوائيات في باب اليمن    برعاية طارق صالح.. الإعلان عن المخيم المجاني الثاني لجراحة حول العين في المخاء    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 55,908 شهيدا و 131,138 مصابا    نجم مانشستر سيتي في طريقه للدوري التركي    الرهوي يشيد بجهود وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية    الطوارئ الإيرانية: إصابة 14 من طواقم الإسعاف وتضرر 7 سيارات جراء العدوان الصهيوني    إحباط عملية تفجير غربي إيران واعتقال عنصر مرتبط بالموساد    ليفاندوفسكي يحدد وجهته بعد حقبة برشلونة    وزيرالكهرباء ومحافظ المحويت يناقشان أوضاع مشاريع المياه والصرف الصحي    تشيلسي يقترب من إبرام صفقة مؤجلة    الشغدري يتفقّد مشاريع خدمية في دمت بالضالع    اسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 21 يونيو/حزيران 2025    الترجي التونسي يهدي العرب أول انتصار في كأس العالم للأندية 2025    فساد الاشراف الهندسي وغياب الرقابة الرسمية .. حفر صنعاء تبتلع السيارات    الاتحاد الأوروبي يقدّم منحة مالية لدعم خدمات الصحة الإنجابية في اليمن    على مركب الأبقار… حين يصبح البحر أرحم من اليابسة    من يومياتي في أمريكا .. بين مر وأمر منه    بين حروف الرازحي.. رحلة الى عمق النفس اليمني    قصر شبام.. أهم مباني ومقر الحكم    البحسني يكشف عن مشروع صندوق حضرموت الإنمائي    مقتل عريس في صنعاء بعد أيام من اختطافه    مليشيا درع الوطن تنهب المسافرين بالوديعة    علي ناصر يؤكد دوام تآمره على الجنوب    توقعات أوروبية باستمرار الجفاف باليمن حتى منتصف يوليو    هجوم إيراني فجر السبت والنيران تتصاعد في موقع وسط تل أبيب    نكبة الجنوب بدأت من "جهل السياسيين" ومطامع "علي ناصر" برئاسة اليمن الكبير    بقيادة كين وأوليسيه.. البايرن يحلق إلى ثمن النهائي    الأحوال الجوية تعطل 4 مواجهات مونديالية    حشوام يستقبل الأولمبي اليمني في معسر مأرب    صنعاء .. موظفو اليمنية يكشفون عن فساد في الشركة ويطالبون بتشكيل لجنة تحقيق ومحاسبة جحاف    «أبو الحب» يعيد بسمة إلى الغناء    بين ملحمة "الرجل الحوت" وشذرات "من أول رائحة"    علي ناصر محمد أمدّ الله في عمره ليفضح نفسه بلسانه    الأمم المتحدة تقلّص خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن وسط تراجع كبير في التمويل    ديدان "سامّة" تغزو ولاية أمريكية وتثير ذعر السكان    نجاح أول عملية زرع قلب دون الحاجة إلى شق الصدر أو كسر عظم القص    حين يُسلب المسلم العربي حقه باسم القدر    فعاليتان للإصلاحية المركزية ومركز الحجز الاحتياطي بإب بيوم الولاية    جماعة الإخوان الوجه الحقيقي للفوضى والتطرف.. مقاولو خراب وتشييد مقابر    كيف تواجه الأمة الإسلامية واقعها اليوم (2)    الخطوط الجوية اليمنية... شريان وطن لا يحتمل الخلاف    الصبر مختبر العظمة    شرب الشاي بعد الطعام يهدد صحتك!    الصحة العالمية: اليمن الثانية إقليميا والخامسة عالميا في الإصابة بالكوليرا    وزير الصحة يترأس اجتماعا موسعا ويقر حزمة إجراءات لاحتواء الوضع الوبائ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللعبة العمياء لمشاريع الشوارع (1- 2)
نشر في 26 سبتمبر يوم 14 - 05 - 2009

احتلت ما تسمى (القضية الجنوبية) موقعا بارزا في المشهد السياسي الراهن في البلاد بسبب نزوع بعض القوى المحركة للمجتمع السياسي نحو تصعيد حالة التجاذبات والتناقضات والاستقطابات التي تعكس تنوع واختلاف الأهداف والبرامج والمشاريع والخيارات والمرجعيات الداخلية والخارجية في ظل نظام سياسي يقوم على أسس دستورية تضمن الديمقراطية التعددية والحريات المدنية والتداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة ومباشرة،
يختار فيها المواطنون على قدم المساواة حكامهم وممثليهم في هيئات السلطة التنفيذية والتشريعية والمحلية.
والحال أنّ الخطاب الإعلامي والسياسي لأحزاب اللقاء المشترك تميز طوال الفترة السابقة للانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2003م بتشويه صورة الواقع السياسي وتصعيد المكايدات الحزبية، وممارسة مختلف أشكال الابتزاز، في ظروف كانت البلاد تخوض خلالها مواجهة ضاربة مع الإرهاب الذي استهدف زعزعة الأمن والاستقرار والإضرار بالاقتصاد الوطني وفي مختلف المجالات وتشويه سمعة البلاد وعَلاقاتها الخارجية.
ثمَّة سوابق لمثل هذه النزعات التي سعت في مراحل مضت إلى تأزيم المجال السياسي للدولة والمجتمع المدني، بيد أنّ ما يميز تلك السوابق أنّها ارتبطت بمحطات حاسمة في مسار تطور العملية الديمقراطية التي تشهدها بلادنا، حيث تجسدت هذه النزعات في إصرار بعض القوى السياسية على إنتاج وإعادة إنتاج خطاب سياسي وإعلامي تدميري يبدأ بإثارة المكايدات والمزايدات وتوزيع الاتهامات يميناً وشمالاً، وينتهي بافتعال الأزمات بعد أن يصبح النزوع الى تسويد كل ما هو قائم، سبيلاً إلى المراهنة على المواجهات في الشارع، والتلويح بالمشاريع الانقلابية على الديمقراطية بما هي صنو للوحدة التي ناضل من أجلها شعبنا وحركته الوطنية المعاصرة قبل وبعد قيام الثورة اليمنية (26سبتمبر و14 أكتوبر)، ثم جاء تحقيقها في الثاني والعشرين مايو 1990م تتويجاً لمسيرة كفاحية طويلة كان لمدينة عدن الباسلة شرف الريادة في رفع بيارقها العظيمة، وقد انطلق منها وعلى أيدي أبنائها الميامين شعار «نحو يمن حر ديمقراطي موحد» في خضم الكفاح الوطني ضد النظام الإمامي الاستبدادي والحكم الاستعماري الأنجلو -سلاطيني، كما ارتفع في سمائها علم الوحدة الخالد.. علم الجمهورية اليمنية الموحدة، إيذاناً باستعادة الوجه الشرعي للوطن الواحد.
ومن المفارقات المدهشة أنّ الخطاب السياسي والإعلامي لأحزاب «اللقاء المشترك» قبل انتخابات 2003م كان يتجه نحو تأزيم الوضع السياسي بالتزامن مع عودة آلاف النازحين المدنيين والعسكريين الذين غادروا البلاد مع عائلاتهم بعد حرب صيف 1994م، وكانت تلك العودة الجماعية ثمرة لانفتاح الرئيس علي عبدالله صالح على معارضيه في الداخل والخارج، والمثير للدهشة أنّ أحزاب المعارضة لم تتمكن من فهم وقراءة المغزى العميق لانفتاح الرئيس علي عبدالله صالح على معارضيه في الداخل والخارج، ولم تستوعب بشكل خلاق توجهاته ومبادراته الرامية إلى تجديد الحياة السياسية وتطوير النظام الانتخابي وتعميق الممارسة الديمقراطية قبل الانتخابات البرلمانية لعام 2003م.. وبوسع الذين تابعوا المنحى الخطير والمتطرف للخطاب السياسي والإعلامي المعارض، أن يلاحظوا ميولاً مدمرة للخطاب السياسي والإعلامي المعارض بموازاة ظاهرة العودة الجماعية للنازحين إلى وطنهم قبل الانتخابات البرلمانية لعام 2003م، حيث عادت قيادات أحزاب «اللقاء المشترك» الى حرفة زرع الألغام في طريق المشاريع التي تبحث عن «قواسم مشتركة» وحلول واقعية للمشاكل والمصاعب التي تواجه البلاد.
خيار اللجوء إلى الشوارع
والأخطر من كل ذلك، فقد لوحظ أنّ الخطاب السياسي والإعلامي المعارض قبل انتخابات 2003م اتجه لاقتحام مجالات خطيرة من خلال التنظير لإمكانية وضرورة اضطلاع أحزاب المعارضة وفي مقدمتها الحزب الاشتراكي بمهمة الإعداد لمشروع «الثورة الشعبية البيضاء» على الأوضاع القائمة والعودة إلى «الجماهير» والزعم بأنّ شروط تفجير مثل هذه الثورة قد نضجت على نحو ما جاء في مقابلة شهيرة للشيخ حميد الأحمر عام 2006م، سبقتها مقالات وتصريحات صاخبة تداولتها صحف (اللقاء المشترك) قبل الانتخابات البرلمانية لعام 2003م، ثم تكرر هذا الطرح مرة أخرى قبل وبعدالانتخابات الرئاسية والمحلية لعام 2006م!!.
وبالنظر إلى مخاطر وتحديات الحالة السياسية الراهنة لجهة ارتباطها بما تسمى (القضية الجنوبية)، يتوجب تحليل مضمون الاتجاهات المدمرة للخطاب السياسي والإعلامي المعارض قبل وبعد المحطات الانتخابية التي جرت في البلاد وشاركت فيها كل الأحزاب بدون استثناء، خلال السنوات السابقة وبالذات انتخابات 1993م، وانتخابات 2003م والانتخابات الرئاسية والمحلية الأخيرة في عام 2006م.
وبوسع المحلل الموضوعي لاتجاهات الخطاب السياسي والإعلامي المعارض في جميع تلك المحطات الانتخابية أن يتعرف على «قواسم مشتركة» تجمع القوى السياسية التي تنزع إلى تأزيم المناخ السياسي في البلاد، سواء من حيث إطارها الزمني بما ينطوي عليه من عدم قبول لنتائج العملية الديمقراطية بعد كل محطة انتخابية في الأعوام 1993 و2003 و2006، أم من حيث إطارها السياسي الذي يشير إلى اغترابها عن الواقع، ونزوعها الى القفز عليه، وعجزها عن إعادة قراءته بعد كل فشل يصيبها في المباريات الانتخابية، وإصرارها على اجترار واستعادة قوالب التفكير الجامدة التي تعجز عن صياغة مهام قابلة للتحقيق في مشهد سياسي يتميز بالمراهنة على إمكانية تشغيل مفاعيل الشوارع لإنتاج ثقافة الكراهية والسعي لتدويل بعض القضايا الداخلية باتجاه الانقلاب على الوحدة والديمقراطية.
تدل القراءة الفاحصة لمخرجات خيار أحزاب (اللقاء المشترك) باللجوء الى اللعبة العمياء للحراك السياسي في الشوارع على أنّ ثمة لاعبين آخرين (من الداخل والخارج) وجدوا في هذا الخيار فرصة نادرة لإحياء مشاريع ميتة، أوتمرير مشاريع صغيرة ومشبوهة تحت شعار (القضية الجنوبية) الذي أصبح قاسماً مشتركاً بين قوى متناقضة الأهداف والمصالح والمرجعيات يجمعها هاجس تصفية حسابات تاريخية مع الوحدة اليمنية بما هي وليد شرعي للثورة اليمنية (26سبتمبر- 14 اكتوبر).
اللافت للنظر ان أحزاب (اللقاء المشترك) حصر مهمتها المحورية بعد خروجها إلى الشارع في تبني ما تسمى «القضية الجنوبية» والدعوة إلى حوارٍ سياسي حول هذه القضية والاتفاق على آليات حلها استناداً إلى اتفاقية الوحدة ووثيقة العهد والاتفاق وقراري مجلس الأمن الدولي أثناء الحرب والتزامات السلطة للأمم المتحدة في يوليو 1994م.
في هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أنّ أحزاب ((اللقاء المشترك)) ليست وحدها التي تتاجر بما تسمى ((القضية الجنوبية)) منذ ان أصبحت تتبناها بشكل رسمي وعملي سواء من خلال بيانات الدورات الأخيرة للجنة المركزية أو بيانات أحزاب ((اللقاء المشترك))، وذلك في سياق التسابق المحموم مع ما تسمى قيادة ((الحراك الجنوبي)) على الفوز بالشارع، بل إنّ ثمة أطرافاً يمنية في الخارج لم تخفِ صلاتها بهذه التحركات والمراهنات، وهو ما نجد تفسيراً له في الدور الذي لعبته ولا تزال تلعبه ما تسمى حركة ((تاج)) التي تدعو إلى حق تقرير المصير للجنوب.
بدأ دور حركة (تاج) في الداخل من خلال ما يسمى لقاء التصالح والتسامح الذي احتضنته جمعية أبناء ردفان الخيرية بعدن في اجازة عيد الاضحى مطلع عام 2006م، وغيرها من اللقاءات التي تمت في ردفان والضالع ومودية ولودر خلال الأعوام 2006- 2007م، وتحدث فيها عبر الهاتف أحمد عبدالله الحسني رئيس حركة ((تاج)).. ثمّ تطور هذا الدور بعد انطلاق حركة الاعتصامات والمظاهرات التي نظمتها هيئات المتقاعدين العسكرية، وصولاً إلى تشكيل قيادات وهيئات ميدانية لما يسمى بالحراك الجنوبي الذي يراهن على إحياء العظام الرميم لمشاريع بالية، من خلال دعوات صريحة على إعادة انتاج دولة الجنوب العربي التي أسقطتها ثورة الرابع عشر من أكتوبر الخالدة، أو العودة الى دولة جمهورية اليمن الجنوبية التي نشأت بعد استقلال الشطر الجنوبي ثم تحولت الى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ثم توحدت في 22مايو 1990 مع الجمهورية العربية اليمنية التي تأسست في الشطر الشمالي من الوطن بعد ثورة 26سبتمبر الخالدة 1962م.
وقد بدا واضحاً التوجه لتدويل ما تسمى القضية الجنوبية بعد دخول قادة سياسيين سابقين في الحزب الاشتراكي اليمني في الخارج، على خط هذه التحركات من خلال التصريحات والمقابلات الصحفية التي تتسق مع الخطاب السياسي والإعلامي لما يسمى (الحراك الجنوبي)، ووصل هذا التوجه ذروته سواء من خلال البيان الصادر عن نجل آخر سلاطين أبين الذي أعلن فيه في بداية شهر ابريل الجاري، إنضمامه الى ما يسمى (الحراك الجنوبي)، وناشد فيه المجتمع الدولي بتنفيذ قراري مجلس الأمن الدولي أثناء حرب صيف 1994م، أو من خلال الشعارات التي رفعتها الفعاليات الانفصالية الجديدة باللغة الإنجليزية في ساحة االهاشمي في الشيخ عثمان بمحافظة عدن في العام الماضي، وحرص قياداتها على اللقاء بسفراء الدول المانحة وفي مقدمتهم السفير الأمريكي والسفير البريطاني، بالاضافة الى التصريحات العلنية لقادة هذه الفعاليات الذين يهددون بتدويل مطالبهم الانفصالية، حيث تلتقي هذه التحركات مع مساعي أحزاب (اللقاء المشترك) لتدويل تداعيات حرب صعدة وما تسمى القضية الجنوبية، بالتزامن مع ترويج المزاعم الخاصة بالوجود العلني المتزايد لتنظيم (القاعدة) في اليمن، وتوحيد جناحيه اليمني والسعودي في إطار واحد، وتحت قيادة يمنية، بهدف محاصرة النظام وإضعاف المؤتمر الشعبي العام وحكومته!!
تشير التحركات الأخيرة والمنسقة لفروع الحزب الاشتراكي اليمني وحزب التجمع اليمني للاصلاح في المحافظات الجنوبية الى ان أحزاب (اللقاء المشترك) تريد إيصال رسائل الى أكثر من جهة، مفادها ان الشارع في المحافظات الجنوبية أصبح موحداً حول قضية جهوية واحدة تتبناها أحزاب (اللقاء المشترك) بقيادة حزب التجمع اليمني للإصلاح، لكن هذه الأحزاب لم تقدم حتى الآن أي توضيح مقنع لموقفها من محاولات نشر ثقافة الكراهية بين أبناء الشعب اليمني الواحد، بالتزامن مع تسلل دعاة المطالبة بإحياء مشروع الجنوب العربي الى (شارع المشترك) ونجاحهم في جر تلك الأحزاب الى أحراش ما تسمى (القضية الجنوبية).
ومن نافل القول إنّ مشروع اتحاد الجنوب العربي كان يستهدف نزع الهوية اليمنية عن الجنوب المحتل، وتلفيق هوية بديلة.. وقد بدأ هذا المشروع يلفظ أنفاسه الأخيرة بقيام ثورة 14 أكتوبر التي أنجزت الاستقلال الوطني للجنوب اليمني، وأطلقت الرصاصة الأخيرة على مشروع «الجنوب العربي» بما هو نظام حكم أنجلو -سلاطيني معادٍ للهوية الوطنية اليمنية، ثم أقامت على أنقاضه جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي أعادت الهوية اليمنية إلى جنوب الوطن بعد تحريره من الاستعمار في 30 نوفمبر 1967م، وصولاً إلى قيام الجمهورية اليمنية في 22مايو 1990م، التي أعادت للوطن اليمني المشطور وجهه الشرعي الواحد.
ومامن شك في أن تكتيك «اللجوء إلى الشارع» هو المسؤول الأول عن التداعيات والتحديات الخطيرة التي أصبحت لا تهدد فقط السلم الأهلي والوحدة الوطنية، بل إنّها تمتد لتفتح الأبواب واسعة لدخول تيارات مختلفة من الداخل والخارج، وإحياء مشاريع ميتة دفنتها الحركة الوطنية اليمنية بنضالها وتضحياتها، وبالذات نضال وتضحيات أبناء الجنوب اليمني الذين تصدوا لمشروع «الجنوب العربي» عندما حاول الاستعمار البريطاني تمريره بهدف تطويق شعارات الاستقلال والوحدة اليمنية التي رفعتها الأحزاب والقوى السياسية الوطنية والنقابات العمالية ومنظمات الطلاب والشباب والنساء في منتصف الخمسينات، على إثر ظهور الطبقة العاملة اليمنية كقوة سياسية منظمة في نقابات، وانخراطها في العمل الوطني التحرري، حيث كان الهدف من هذا المشروع يتمحور حول سلب وطمس الهوية اليمنية للجنوب المحتل وتلفيق هوية بديلة ومزيفة بدلاً عنها.
ومما له دلالة أنّ شعارات (القضية الجنوبية) لم تشتمل فقط على القضايا المتعلقة بمعالجة آثار حرب صيف 1994 وتصحيح الممارسات الخاطئة باسم الوحدة وهو ما أكد عليه أيضاً فخامة رئيس الجمهورية في خطابه التاريخي بمناسبة العيد الأربعين للاستقلال الوطني في عدن، لكنها امتدت لتنفتح على شعارات ومشاريع انفصالية ضيقة، تهدد بتمزيق وحدة الوطن وتماسك نسيجه الاجتماعي، وهو ما يمكن الاستدلال عليه بتفاعل بعض اللاعبين السياسيين في حركة الشارع من المحسوبين على الحزب الاشتراكي اليمني مع الشعارات الانفصالية التي تتحدث عن «الجنوب العربي» و«جنوبنا العربي» و«حضرموت التاريخية قبل الوحدة والشرعية» عبر بعض المسيرات والمقالات والمداخلات في بعض وسائل الإعلام المحلية والعربية على طريق التعاطي مع ما تسمى بالقضية الجنوبية التي سيطرت على بيانات الدورات الأخيرة للجنة المركزية للحزب الاشتراكي، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ اصطلاح (القضية الجنوبية) كان عنواناً لثقافة سياسية استعمارية سلاطينية رجعية استهدفت طرح قضية الجنوب المحتل والتعامل معها من منظور جيوسياسي انعزالي يخرج مصير الجنوب اليمني وأهله من هويتهم الوطنية اليمنية، ويبعدهم عن مصيرهم المستند إلى حقائق التاريخ والجغرافيا ووحدة الأرض والإنسان والمصير.
لا يختلف اثنان في أنّ فتنة 1994م والحرب التي رافقتها، ألحقت أضراراً بالحياة السياسية والوحدة الوطنية، لكن ذلك لا ينفي حقيقة أنْ المؤتمر الشعبي العام بقيادة الرئيس علي عبدالله صالح أدرك ضرورة إزالة آثار تلك الحرب وإغلاق ملفاتها بواسطة العديد من القرارات والإجراءات والمبادرات والتوجهات التي استهدفت إزالة معظم الآثار الناجمة عن تلك الحرب ومعالجة ما تبقى منها.. بيد أنّ ثمة أطرافاً في السلطة والمعارضة تحرص على أن يبقى ملف تلك الفتنة مفتوحاً، ومن بينها تلك التي لعبت دوراً كبيراً في تأزيم الحياة السياسية خلال السنوات الأربع السابقة لتلك الحرب منذ قيام الجمهورية اليمنية في 22مايو 1990م، مروراً بالأزمة الناجمة عن نتائج 1993م، وانتهاء بحرب صيف 1994م، وإعلان مشروع الانفصال على نحو ما سبق عرضه عند الإشارة إلى مسؤولية الحزب الاشتراكي اليمني والتجمع اليمني للإصلاح -بوصفهما لاعبين أساسيين في «اللقاء المشترك»- عن التداعيات التي نجمت عن شراكتهما في تأزيم الحياة السياسة قبل الحرب وبعدها وفي الوقت الحاضر, ناهيك عن مسؤولية السلطة في تجاهل ما تراكم من مشكلات بفعل سلوك بعض المتنفذين الذين تصرفوا بعقارات الدولة والأوقاف، وتورطوا بالاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي المخصصة للاستثمارات والتعويضات وذوي الدخل المحدود، لغرض المضاربة بها, كما تتحمل السلطة كامل المسؤولية لسكوتها إزاء الإدارات الفاشلة التي تسببت في ركود و تعثر العديد من المؤسسات الاقتصادية والثقافية والاعلامية الحيوية، وعدم محاسبة الفاسدين الذين كشفت تقارير الجهاز المركزي للمراجعة والمحاسبة تورطهم في نهب المال العام، بالإضافة إلى عدم تصحيح السياسات المركزية المفرطة التي أحدثت شللاً تاماً في عمل ونشاط الموانئ والمطارات وبعض المرافق الحيوية في المحافظات الجنوبية، على الرغم من الإنجازات التنموية غير المسبوقة في مجال تحديث بنيتها التحتية، ما أدى إلى إ هدار هذه الإنجازات بسبب عدم تشغيلها.
بيد أنّ الاعتراف بخطورة التداعيات الناجمة عن الحرب وتهديدها للوحدة والديمقراطية والتأكيد على ضرورة إزالة آثارها السلبية، لا يبرران اللجوء إلى تزييف الوعي والهروب إلى الخلف تارة أو إلى الأمام أحياناً على نحوٍ ما يتم تسويقه عبر الخطاب السياسي والاعلامي لماكنة دعاية والتحريض التي تديرها القوى المأزومة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.