من جديد يأتي التأكيد الخليجي على لسان وزراء الخارجية الذين اجتمعوا يوم أمس في الرياض على أن الوحدة اليمنية لا تمثل عامل استقرار لليمن وحسب بل للمنطقة عموماً، وأن هذا الإنجاز الذي صنعه اليمنيون في ال22 من مايو 1990م وأعادوا به الاعتبار لتاريخهم ووطنهم يعد مكسباً عظيماً شكل مصدر فخر لكل العرب وجميع الشرفاء والأحرار في العالم. ويعكس هذا الحرص الخليجي على وحدة اليمن والذي يأتي امتداداً لما سبق وعبر عنه قادة دول مجلس التعاون في قمتهم التشاورية الأخيرة، وكذا ما سبق وأن أكدت عليه مواقف الدول الشقيقة والصديقة من دعم ومساندة ليمن موحد ومستقر أن الوحدة اليمنية هي خطٌ أحمر وطنياً وخليجياً وعربياً ودولياً، لا يمكن تجاوزه لكونها تمثل بالنسبة للجميع أحد مرتكزات الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي. ولذلك فإن أية محاولات أو ممارسات تبني مراهناتها على النيل أو المساس بهذا المنجز مرفوضة ومستهجنة من قبل الجميع كونها تتعارض وتتصادم مع إرادة أبناء الشعب اليمني وحقائق التاريخ ومعطيات الواقع.. ومع المصلحة العربية والإسلامية وكذا القناعات الدولية ومنطق العقل والصواب. ومع أنه لا خوف ولا قلق على الوحدة اليمنية المصانة والمحمية من أبناء الشعب اليمني من أقصاه إلى أقصاه جاءت هذه المواقف المعبرة عن دعم الأشقاء والأصدقاء لليمن ووحدته واستقراره حاملة معها الكثير من الدلالات التي كان الأحرى بأولئك النفر من الغوغاء والمخربين ومثيري الفتن ومن يقفون خلفهم أو يدفعون بهم إلى إثارة الزوابع الإعلامية عن طريق الترويج للنعرات الشطرية والمناطقية والانفصالية التمعن في المضمون البليغ لتلك المواقف وفهمها والاسترشاد بمعانيها وبما يساعدهم على مراجعة أنفسهم ويرشدهم إلى طريق الصواب ويعيدهم إلى جادة الحق والاستيعاب لحقيقة أن الوحدة اليمنية لم تتحقق بالمصادفة أو عن طريق ضربة حظ بل كانت نتاجا طبيعيا لمسيرة طويلة من النضال قدم فيها أبناء الشعب اليمني الكثير من التضحيات الغالية والسخية من أجل بلوغ ذلك الهدف العظيم. وهو ما يعني أن انجازاً كهذا هو من الثوابت الراسخة التي لا ينبغي لأحد التعاطي معه من منظور سياسي تكتيكي أو استخدامه كوسيلة للابتزاز أو التكسب الحزبي أو التمصلح الذاتي لكونه أسمى وأعظم شأنا من أي مفهوم يخضع لحسابات الربح والخسارة. وعليه فإذا كان أولئك الغوغاء الذين وقعوا تحت طائلة التغرير والتضليل والجهالة وهم ثلة محدودة، عاد البعض منهم إلى وعيه بعد أن اكتشفوا سوء ما يراد بهم فإن ما يثير الاستغراب حقاً أن يقع بعض القياديين الحزبيين في فخ الذاتية المتضخمة والتنظير الأجوف الذي يحل فيه الشطط محل العقل والمنطق المتزن، إلى درجة تختلط على هؤلاء المفاهيم فيصعب عليهم التمييز بين ما هو قابل للنقاش وإبداء الرأي حوله وبين ما يندرج في إطار الثوابت الأصيلة التي لا ينبغي بأي حال من الأحوال إخضاعها لوجهات النظر أو الاجتهادات أو الرؤى الشخصية. ومسألة كهذه يعرفها الصغير قبل الكبير والأعجب في هؤلاء الحزبيين والسياسيين الذين يلهثون وراء الشهرة وحب الظهور في الفضائيات.. أنهم حينما يستشهدون بالديمقراطية الغربية يفوت عليهم أنه لا توجد ديمقراطية في أي بلد من بلدان العالم الحر تعطي الحق لأي من أبنائها في إبداء وجهة نظره حول أي ثابت من ثوابتها وأن من يتمادى أو يتطاول على ذلك يصبح عرضة للملاحقة القانونية والدستورية. وما دام الأمر كذلك، ألم يكن الأجدر بأولئك الذين يعمدون إلى التنظير على شاشات الفضائيات أن يحترموا ثوابت شعبهم ووطنهم وأن يقدموا القدوة في التزامهم بقواعد وأخلاقيات الممارسة الديمقراطية والسياسية؟ خاصة وهم من لا يغيب عنهم أن أبواب الحوار مفتوحة على كل القضايا وليس هناك استثناء إلاّ في ما يخص الثوابت الوطنية. ونعتقد أن من مصلحة الجميع أن لا تتحول التجربة الديمقراطية اليمنية إلى حالة منفلتة يفهمها كل واحد منا على هواه، حيث أن الانسياق في هذا المنحى لن يتولد عنه سوى الفوضى وشريعة الغاب، وإشعال النيران التي سيكتوي بلهبها الجميع وفي مقدمتهم أولئك الحزبيون الذين يشرعِنون لهذه اللعبة الخطيرة. وبالتالي فإن من الواقعية أن تتجه هذه القيادات الحزبية إلى تقديم القدوة والمثال في حشد طاقات المجتمع لعملية البناء والتنمية وتكريس مناخات الأمن والاستقرار وتحقيق الشراكة الوطنية، للنهوض بالوطن، وتأمين المستقبل المنشود لجميع أبنائه بدلاً من الانشغال في التنظير وما ينطوي عليه من انفعالات وهفوات وتشويش يلحق الضرر بمصالح الوطن العليا ومقدراته. ومن يريد أن ينصح عليه أولاً أن يبدأ بنفسه وأن يقبل النصيحة بدون مكابرة. وكما يقال فإن العقل زينة!!.