بصرف النظر عن القضايا التي ستتصدر أجندة الحوار الذي من المقرر أن يستأنف قريباً بين الأحزاب والتنظيمات السياسية، فإن ما ينبغي التركيز عليه وإعطاؤه الأولوية سواء في هذه الجولة من الحوار أو في غيرها، من قبل المصفوفة السياسية والحزبية، هو تعزيز وحدة الصف الوطني وتقوية جسور الثقة وعدم ترك التباينات في وجهات النظر تقود هذه المصفوفة إلى تجاوز منطق الاختلاف في الرؤى والاجتهادات إلى الوقوع في مهاوي الخلاف الذي يتصادم كلياً مع روح الديمقراطية وأخلاقياتها وقيمها السامية. لقد أتاحت الديمقراطية التنافس السياسي الشريف بهدف تقديم الأفضل للوطن والشعب، وفي ذات الوقت فقد جعلت من هذا المرتكز الإطار الجامع الذي تنتظم في إطاره مجريات الشراكة البناءة في تحمل المسئولية الوطنية انطلاقاً من قيام الأغلبية بدورها في تحمل مسئوليات وأعباء الحكم وتنفيذ برنامجها الذي حازت بموجبه على ثقة الناخبين، فيما تمارس الأقلية دورها في المعارضة وتبنّي البدائل والخيارات التي تمكنها من تحقيق حضورها الفاعل في الساحة واقناع الناس بتوجهاتها وكسب أصواتهم في الدورة الانتخابية القادمة. وبهذا يكون التنافس محفزاً على المثابرة في خدمة الوطن وإعلاء شأنه ومنعته وصون ثوابته ومقدراته ومكاسبه وتقوية وحدة نسيجه الاجتماعي، أما إذا ما فُهم ذلك التنافس على أنه ماراثون لجَنْي المكاسب الحزبية والمصالح الذاتية، أو تحول إلى أداة للخصومة والتنابز واختلاق الأزمات وإثارة الزوابع التي تلحق الضرر والأذى بالمصالح العامة للمجتمع، فإنه يصبح معولاً للهدم والتفتيت إن لم يغدُ وسيلة مدمرة للحياة السياسية والتلاحم الوطني. ولذلك فإن من الأهمية أن تتجه أطراف العملية السياسية والحزبية هذه المرة إلى الحوار متسلحة بالوعي والفهم المدرك لطبيعة تحديات المرحلة والإيمان الخالص بحقيقة أن الجميع معني على السواء بتهيئة المناخات الملائمة التي من شأنها إنجاح الحوار وتوحيد الطاقات لمجابهة تلك التحديات والتغلب على مصاعبها وما قد ينتج عنها من آثار سلبية.. وبعبارة أوضح فإن المطلوب أن يكون الحوار مُنطلقاً من قناعة راسخة بأن وحدة الصف الوطني هي الوسيلة العملية لتأمين حاضر ومستقبل اليمن والضمان الحقيقي لنهوض الوطن وتحقيق طموحات أبنائه، ونعتقد أنه إذا ما تحلى الجميع بهذه القناعة فلن تجد تلك الأحزاب والتنظيمات السياسية ما يحول دون وصولها إلى توافق خلاق إزاء مختلف القضايا. وأمام المصفوفة الحزبية على الساحة الوطنية رصيد كبير من التجارب التي بوسعها أن تستفيد منها ومن دروسها بما يساعدها على فهم استحقاقات المرحلة الراهنة والاستيعاب التام لحقيقة أن الوطن هو وطن الجميع وأن موجبات المواطنة تفرض على الأحزاب التي انساقت نحو التمترس في المناطق الرمادية واتجهت إلى إمساك العصا من المنتصف بل وتقديم الغطاء للممارسات الخارجة عن النظام والقانون، مراجعة مواقفها بدلاً من محاولة التبرير لأعمال التخريب ومثيري الشغب، والتزام جانب الصمت حيال تلك العناصر المأزومة والمأجورة التي عمدت إلى الترويج للنعرات المناطقية والشطرية والعنصرية وإثارة الفوضى بغية زعزعة الأمن والاستقرار وبذر الفتن والأحقاد والضغائن بين أبناء الوطن الواحد خدمة لأهداف مشبوهة ومخططات دنيئة تحركها دوائر استعمارية تناصب اليمن العداء.. إذ إن مجرد صمت هذه الأحزاب يعني تخليها عن مسئولياتها في التصدي لمثل تلك الممارسات المنحرفة التي تستهدف الثوابت الوطنية والتطاول على المبادئ العظيمة التي قدم في سبيلها أبناء الشعب اليمني التضحيات السخية والغالية انتصاراً لحقهم في التحرر والاستقلال والوحدة والنماء والتقدم. وليس من الصواب أن يلجأ البعض إلى مثل تلك المواقف الرمادية أكان ذلك رغبة في مناكفة الحزب الحاكم أو بهدف الوصول إلى مكسب سياسي أو حزبي أو ذاتي أو اعتقاداً بأنه سيكون البديل، باعتبار أن البديل لن يكون سوى الفوضى والسقوط في هاوية سحيقة، وبالتالي فلا بد وأن يعلم الجميع ان القضايا الوطنية لا يجوز بأي حال من الأحوال التعاطي معها من منظور مصلحي أو عبر إمساك العصا من المنتصف لأن إمساك العصا بهذه الطريقة يجعلها عديمة الفائدة إن لم تنزلق بصاحبها في أقرب حفرة.. وعلى من يظن أن بإمكانه التقلب بين المواقف الإدراك أن الوطن وثوابته هي خطوط حمراء لا مجال فيها للحياد أو المواقف الرمادية والأساليب المخادعة، وأن من يكن مع الوطن يكن الوطن معه، ومن يُحب وطنه ويكن وفياً له فإن الوطن سيبادله الوفاء بالوفاء والحب بالحب. وبكل تأكيد فإن الجلوس على طاولة الحوار يمثل فرصة للمراجعة وتغليب العقل وصولاً إلى جمع الكلمة وتوحيد الصف وجعل مصلحة الوطن أولاً.. ومن شذّ شذّ في النار.