التحدي الحقيقي في هذه المرحلة - كما قال رئيس مجلس الوزراء الدكتور علي محمد مجور الأسبوع الماضي في كلمته التعقيبية في البرلمان ، يتمثل في التطبيق الصارم والحازم للنظام والقانون على فكل عابث أو مستهتر أو مخرب يسعى أو يحاول النيل والمساس بالثوابت الوطنية ووحدة المجتمع والسلم الاجتماعي والتمادي في انتهاك الخطوط الحمراء إما عن طريق الأعمال الغوغائية والتخريبية ، واستغلال المناخات الديمقراطية لممارسة الشغب والتحريض على العنف والفوضى ، أو عبر تلك السلوكيات المنحرفة التي تكرس للترويج للنعرات المناطقية والشطرية والعنصرية وثقافة الكراهية والبغضاء وإشعال نار الفتنة بين أبناء الوطن الواحد. وتغدو مثل هذه الخطوة أكثر من ضرورية في مواجهة الدعاوى الباطلة التي عمد من خلالها بعض الحزبيين والسياسيين إلى الخلط المقصود بين ما يندرج في إطار الحقوق الديمقراطية والتعبير عن الرأي بصورة سلمية يكفلها الدستور والقانون، وبين ما يدخل تحت طائلة الجرائم التي يعاقب عليها القانون. وبصرف النظر عن دوافع من اتجهوا إلى خلق حالة من التشويش في وعي الناس إزاء الفرق الشاسع بين الأمرين فإن الثابت والمؤكد أن هؤلاء السياسيين والحزبيين لا يجهلون البتة أنه ليس من قواعد الممارسة الديمقراطية رفع السلاح في وجه سلطات الدولة ، واقتراف جرائم القتل وإزهاق أرواح الأبرياء من المواطنين وجنود الأمن ، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة وقطع الطرق الآمنة ، كما أنه ليس من بين الأسس التي يستقيم ويستند عليها النهج الديمقراطي ما يسمح بالتعدي والتطاول على الثوابت الوطنية ورفع الأعلام الشطرية ، وترديد الشعارات المسيئة للسلم الأهلي ووحدة المجتمع ، وإثارة القلاقل وتعكير صفو السكينة العامة. وسواء أراد هؤلاء شرعنة الفوضى أو إظهار الديمقراطية كعملية منفلتة من الضوابط ، فإن تطبيق الأنظمة والقوانين في هذه المسألة أو في غيرها هو السبيل الذي لا بديل عنه لوضع حد لكل الظواهر العابثة، وحفظ حقوق المجتمع وإغلاق الباب أمام التحركات المشبوهة وترسيخ الأبعاد الأخلاقية والقيمية للنهج الديمقراطي وإخراجه من دائرة الاستهداف الاستغلالي الذي يرمي إلى الانحراف بنقاء حرية الرأي والتعبير وإفراغها من محتواها. والمؤسف حقا أن من دأبوا على تعميم ذلك الخلط بين الممارسة السلمية للديمقراطية وبين الأعمال التخريبية ، وربط مواقفهم من الحوار بهذا التسطيح، لم يتورعوا أيضا عن إشاعة هذا المسلك ودفع الكثير من الإصدارات الصحفية إلى مستنقعهم الآسن ليقع الكثير من القائمين على هذه الإصدارات تحت تأثير الإغواء إلى درجة أن بعضهم صار لا يميز بين الجائز والمحظور ، وبين النقد الهادف والبناء والإثارة التي تتجرأ على استباحة قانون الصحافة والمطبوعات ، إن لم يتجاوز ذلك إلى استباحة أخلاقيات المهنة والمرتكزات الناظمة لحرية الرأي والتعبير. وبلا شك فإن من يمارسون هذه اللعبة الخطيرة من القيادات الحزبية لا يستهدفون الحزب الحاكم ، بل إنهم يجهزون على الديمقراطية ومسلكياتها وتقاليدها وجوهرها الأصيل ، دون إدراك من هؤلاء أن دفاعهم وتبريرهم لمثيري الشغب وعناصر التخريب ومرتكبي جرائم القتل ومشعلي الفتن عبر استثارة نعرات الماضي إنما يوفرون بذلك الغطاء لأولئك الغوغائيين الذين يتحركون ضمن مخطط تآمري موجه ضد اليمن ووحدته وأمنه واستقراره. ولا نعتقد أن هذه القيادات الحزبية تجهل حقيقة أن من يحرك أدوات التخريب من وراء الستار إنما يهدف من ذلك إلى الإضرار باليمن شرقه وغربه شماله وجنوبه ، ناسه وأجياله ، وهو سيناريو تبرز بعض مشاهده ماثلة للعيان في ما يجري في الصومال والعراق والسودان وعدد آخر من الساحات العربية التي تموج بالقلاقل والمؤامرات والتداعيات والاضطرابات ، بعد أن وجد من يغذي في داخلها المتناقضات والخلافات بين أبنائها ، وفي ذلك ما يكفي للاتعاظ به والاستفادة من دروسه وجعله رافدا لتفعيل عوامل التوافق وتعزيز الجبهة الداخلية والتلاحم الوطني. وإذا ما اتفقنا على أن التخريب والتحريض على العنف والتآمر على الوحدة والتمرد على سلطة القانون ، أعمال شيطانية ، وأن من يدافع عنها أو يقترفها هو إبليس رجيم فإننا لا بد وأن نتفق أيضا على أن الشياطين لا يمكن التصدي لهم بالنوايا الحسنة ولكن بتميمة القانون وإخضاعهم له، وفي ذلك حماية للشباب الذين يجرهم أولئك الشياطين إلى مهاوي الإجرام بعد غسل أدمغتهم بالأفكار الهدامة ، ليتحولوا إلى معاول هدم بدلا من أن يكونوا أدوات بناء لوطنهم ولصنع حاضرهم ومستقبلهم. وما يعول على القيادات الحزبية هو أن تستشعر مسؤولياتها وأن تعي أن العمل الحزبي لا يعني الخصومة أو الوجاهة وإنما هو مدرسة لإشاعة ثقافة التلاحم والتكاتف والولاء الوطني وحب الوطن، وهي معانٍ لا تتحقق بالكلمات بل بالسلوك وصدق العمل واحترام الأنظمة والقوانين وتغليب المصلحة الوطنية على ما دونها من المصالح الضيقة والأنانية. ونقول لهؤلاء اتقوا الله في وطنكم ولا تجعلوه عرضة لعبث قوى الإرهاب والانفصال والتخريب والفلول الحاقدة والموتورة والمأزومة.