لنختلف في الرؤى، لنتعدد في الانتماء السياسي، لنتباين في نظرتنا للماضي والمستقبل.. ولنتنوع في المذاهب والتيارات، ولكن لنحرص جميعاً على التحلي بمكارم اخلاق الاختلاف وآداب القول وفن مقابلة الكلمة بالكلمة حين نمسك بالقلم، او الميكرفون.. او نخاطب بعضنا بعضا.. وأن يكون التهذيب هو المتحكم في خطابنا وتحاورنا وتفنيد حجج الغير والرد على ما يستحق الرد عليه، وأن كانت مسبة أو شتيمة.. أقول- وبلا مبالغة او مثالية زائدة: لنكن مهذبين حتى في الرد على الشتيمة.. فإن الرد المؤدب على من يستفزك او يسبك او يسيء اليك بطريقة ما، يعتبر من مكارم الأخلاق، وانه قد يزيل ضغينة ويمحو عداوة.. بل قد يخلق مودة ومحبة بين الجانبين. إذا ما كان هناك مثل يمني يقول: «ما محبة الا بعد عداوه» فإن أشهر علاقة وقصة حب في التاريخ العربي سببها أو ولدها رد على شتيمة مهذبة.. وهذا هو الشاهد. في قبيلة بني عذرة.. كان جميل بن عبدالله العذري يسقي ابله في وادٍ يسمى وادي بغيض، فمرت احدى فتيات القبيلة وتدعى بثينة بنت حيان، وبجانبها صديقة لها وعند مرورهن بجانب الإبل فزعت ونفرت مما اغاض جميل على إبله، فسبها فردت عليه وسبته كما فعل ولكن جميل اعجب بطريقة ردها واختيارها لالفاظها في رد السباب وأرخ لذلك بقوله: وأول ما قاد المحبة بيننابوادي بغيض يا «بثين» سباب فقلنا لها قولاً فردت بمثله لكل حديث يا بثين جواب هكذا يكون للفظ المهذب اثره الطيب وأن كان سباباً او كما نقول شتيمة، خاصة عند من يعرف القول واختيار الفاظه ومعانيها.. فمن يسيء اليك بالقول فترد عليه بمايستحق ولكن بترفع عن الاسفاف وما يجرح ولا يؤنب، فانك قد تثير لديه من المشاعر الإنسانية ما يجعله يفكر ملياً في رد فعلك عليه.. وقد يعجب به أو يفتح باباً للصداقة والمحبة. ان حسن الرد مثل حسن القول.. من الاخلاق أن يكون مهذباً مترفعاً حتى يقابله رد فعل متعقل أي بحكمة العقل وليس استفزاز المشاعر. حسن الرد ايضاً يتطلب الهدوء في الاستجابة للمثير، وفي طريقة الرد.. والتعبير الجسدي، ان نظرة ذات معنى -على سبيل المثال- الى سائق يستفزك بمخالفاته أو تهوره أو طيشه.. تكفي لعتابه واشعاره بخطأ تدعوه لمعالجته، او تصرف غير لائق ينبغي ان يبتعد عنه متحلياً بآداب الطريق وأخلاقها. مجرد مثال نشير به إلى ماهو سياسي او فكري او ديني.. ولكل ما تستدعي حياتنا ان نتحاور فيه، ونطرح وجهات نظرنا المختلفة بلباقة وتهذيب. ان من الفنون المتعارف عليها، فن الحديث.. كيف ترد، كيف تعبر عن ردود فعلك حتى بملامحك والاشارة. ومن اللافت للنظر أن كثيراً منا -كيمنيين- لا يلتفت الى هذا الفن حتى وإن تعلمناه لضرورة مهنية، كفن الالقاء عند المذيع او الممثل المسرحي، او السينمائي والتلفزيوني، غالباً ما تجد الصراخ او ارتفاع الصوت بصورة غير مقبولة هو المسيطر على الكثير من سياسيينا ومحللينا عندما يتناظرون او تستضيفهم القنوات الفضائية، او عند الممثل على خشبة المسرح او الشاشة الفضية علماً ان السيطرة على ذلك شيء ممكن كما يحدث في الاعمال الدرامية والتمثيليات الاذاعية في البرنامج العام. للكلام فنونه، ليس من اجل جذب انتباه من نتحدث اليه وحسب، بل ومن أجل ايصال الحجة والرسالة المطلوب ايصالها الى المستهدف فقد يفقد صاحب الحجة باعتماد الأسلوب الخاطئ لايصالها.