ليس بغريب على جماهير الشعب اليمني أن تكون السباقة وصاحبة المبادرة الأولى في تسجيل المواقف المشرفة والمنتصرة للوطن وتورثه ومبادئه ووحدته وأمنه واستقراره، فتلك من الخصال المعروفة عن هذا الشعب، الذي لم تنحرف به بوصلته عن الطريق القويم الذي اختطه لنفسه في مسيرته الحضارية الجديدة، ولم يساوم في أية لحظة من تاريخه على ثوابته وقيمه وتوجهاته وأهدافه حتى في أحلك الظروف والمحن والمآسي التي تعرض لها. ومع كل ذلك فإن ما نراه اليوم من تلاحم واصطفاف شعبي خلف أبطال القوات المسلحة والأمن، الذين يسطرون أروع صور الفداء والتضحية في مواجهة عناصر الإرهاب والتخريب الخارجة على النظام والقانون والتصدي للفتنة التي أشعلتها في محافظة صعدة وحرف سفيان، إنما يدل على حالة من الوعي والنضوج الفكري والذهني المستوعب استباقياً وعلى نحو عميق دوافع هذه الفتنة وما ترمي إليه وتستهدفه، وما يسعى إليه من قاموا بإشعالها ووقفوا خلفها وأمدوا عصابتها الإجرامية والإرهابية بوسائل الدعم والعتاد، وما يضمره هؤلاء من نوايا شريرة تجاه اليمن وشعبه. ونجد تعبيرات هذه الصورة من التلاحم والاصطفاف في تلك الهبّة التي جسدتها قوافل الدعم المتدفقة من مختلف مدن ومناطق وقرى الوطن اليمني على مخيمات النازحين ومعسكرات أبطال القوات المسلحة والأمن المرابطين في ميادين الشرف، والتي برهن بها أبناء هذا الشعب بمختلف شرائحه وفئاته وانتماءاته السياسية والفكرية على أن إرادة الإجماع الوطني هي الثابت الأصيل الذي لا يمكن له أن يتأثر بالتقاطعات السياسية والتباينات الحزبية، التي ينبغي أن تتلاشى وتختفي أمام أي عارض يتهدد الوطن ومكاسب ثورته "26 سبتمبر و14أكتوبر" ومنجزات وحدته وأمنه واستقراره وسلمه الاجتماعي، باعتبار أن الولاء للوطن أسمى من أي ولاء حزبي وسياسي ومناطقي وجهوي، فالوطن هو البيت الذي يتسع لجميع أبنائه سلطة أو معارضة، أحزاباً وأفراداً.. مواطنين أو مسؤولين.. مثقفين أو فلاحين. فالكل يستظل تحت سقف هذا الوطن، وأي ضرر يحيق به سيسقط على رؤوس الجميع دون استثناء. ولذلك فقد كان من الطبيعي جداً أن يسارع كل أبناء الشعب اليمني في الوقوف خلف مؤسستهم العسكرية والأمنية، التي حملت على عاتقها مسؤولية اجتثاث تلك الفتنة الخبيثة وإسقاط رهانات عناصرها التخريبية والإرهابية، التي تمردت على النظام والقانون وتجردت من كل القيم الوطنية والدينية، وانساقت وراء نزواتها الشيطانية، لتعيث في الأرض فساداً، مستبيحة دماء الأبرياء من المواطنين وأعراضهم وممتلكاتهم، مدفوعة بأوهامها السقيمة أنها ومن خلال ذلك السلوك العدواني ستتمكن من إعادة عقارب الساعة إلى الوراء واسترجاع أزمنة الماضي الإمامي الكهنوتي المتخلف وحقب الاستعمار وعهود التشطير والشمولية. وكان من الطبيعي أيضاً أن نجد الشعب اليمني يصب جام غضبه وسخطه ولعناته على من اتخذوا طريقاً شاذاً ومغايراً لمعطيات العصر الجديد، والتحولات الوطنية الكبرى على الأصعدة التنموية والاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية، والتي استطاع هذا الشعب أن يظهر من خلالها مكنوناته الإبداعية وهو يخوض معركة البناء والتحديث والنهوض، وأن يقدم الأدلة القاطعة على عمقه الحضاري عبر تجربته الديمقراطية التي اختارها بمحض إرادته ولم يملها عليه أحد. ومن هذا المنطلق يغدو من الواضح أن المواطن اليمني لم يعد قصير النظر في تحليله وتقييمه للأمور، كما أنه ليس بعيداً عما يعتمل في ساحته الوطنية، بل إنه من يرقب ما يصدر من سلوكيات من قبل بعض الخارجين على النظام والقانون ويعمل على التصدي لها وأية مخاطر قد تحدق بالوطن خاصة بعد أن أفرزت فتنة عناصر التخريب والإرهاب في محافظة صعدة وحرف سفيان، والأعمال الإجرامية للخارجين على النظام والقانون في بعض مديريات المحافظات الجنوبية الطيب من الخبيث، ليصبح هذا الشعب على بينة ممن يريدون له الخير ومن يريدون له الشر والبؤس والشقاء. ومن خلال هذا التقييم يبرز المعدن الأصيل لأولئك الأبطال الذين يذودون عن كرامة الوطن وسيادته ومكاسبه وأمنه واستقراره. ويسطرون بدمائهم الزكية وتضحياتهم العظيمة معاني الحياة النابضة بقيم الخير والنماء. وهؤلاء الأفذاذ من أبطال القوات المسلحة والأمن هم من يستحقون الإكبار والإعزاز فهم أعز الرجال وأوفى الأوفياء وأصدق الصادقين وأخلص المخلصين، فهم من ينشدون النور والضياء لوطنهم وشعبهم باذلين الروح والدم من أجل إعادة الهدوء في محافظة صعدة والمناطق التي أراد أولئك المارقون والضالون والمرتزقة والمأجورون أن تصبح ساحة للدمار والموت، ليتسنى لهم الانتقام من هذا الوطن وتحويله إلى أرض محروقة، يسكرون على أطلاله بعد أن يكونوا قد أحالوه إلى خراب تسكنه الغربان الناعقة. تلك هي أمنياتهم البائسة وغاياتهم الدنيئة، ولكن هيهات.. هيهات أن تتحق طالما وقد أنجبت هذه الأرض الطيبة رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه..!! وسيبقى هذا الشعب ينشد صباح مساء: ليس منا أبداً من فرقا ليس منا أبداً من مزقا ليس منا أبداً من يسكب النار في أزهارنا .. كي تحرقا.