في مقال سابق أشرنا الى أهمية استفادة اليمن من التجربة الألمانية الوحدوية كون الظروف التي ساعدت في تشطير البلدين تكاد تكون متشابهة.. وكذلك في اعادة توحيدهما، وكيف نجح الأصدقاء الألمان بما اتبعوه من طرق واساليب ممتازة في معالجة الكثير من المشاكل التي خلفها التشطير وهو ما جعل الوحدة الوطنية الالمانية تترسخ فألتئم ذلك الشرخ الذي أحدثه التشطير بين ابناء المجتمع الواحد.. وذلك بعكسنا في اليمن حيث ما نزال نواجه الكثير من المشاكل والتعقيدات بسبب أولئك الذين يفكرون في مصالحهم الذاتية على حساب المصلحة الوطنية العليا، فيسيئون بذلك الى الوحدة اليمنية وتحميلها كل التبعات السلبية. ولم يتوقف البعض عند هذا الحد فحسب وإنما طالبوا بفك الارتباط بين الشمال والجنوب بهدف العودة باليمن الى أيام التشطير.. وراحوا يحرضون على القلاقل وزعزعة الأمن والاستقرار ونشر ثقافة الكراهية وصولاً إلى تحقيق أهدافهم الشريرة والتأثير على النسيج الوحدوي اليمني.. صحيح قد يحتج البعض بنجاح ألمانيا في حل مشاكلها بقوتها الاقتصادية وخبرة مسؤوليها في التعامل مع القضايا بحكمة كون ألمانيا بلد حضاري متقدم وهذا لا يختلف حوله أثنان.. لكن هناك أمور أخرى ليس لها علاقة بالعامل المادي وهي في مجملها أمور إدارية مثل تنفيذ النظام والقانون ومحاسبة المخطئين وتقديم من ثبتت إدانته للقضاء ليقول كلمته فيه. فالأصدقاء الألمان حين بنوا دولتهم الوحدوية في نفس العام التي تحقق فيه الوحدة اليمنية على انقاض التشطير فتحوا كل الملفات وحاسبوا كل المخطئين سواء كانوا من الشيوعيين الذين شاركوا في الحكم فيما كان يعرف بألمانيا الشرقية أو حتى فيما كان يعرف بألمانيا الاتحادية وبذلك استطاعوا أن يبنوا دولة وحدوية ثابتة الاركان لا تستطيع العواصف السياسية أن تحركها مهما بلغت شدتها لأنهم كانوا ينظرون الى المستقبل البعيد وليس إلى تحت أقدامهم. وعندما نقارن وضعنا في اليمن بوضع أصدقائنا في ألمانيا سنجد أننا اتبعنا سياسة التسامح وان كانت مثل هذه السياسة قد تفيد في حالات معينة.. لكن مشكلتنا اننا جعلنا منها سياسة ثابتة!! وعندما ساء الوضع الاقتصادي وتضرر أصحاب المصالح إنقلبوا على الدولة وعلى الوحدة وخاصة أولئك الذين لجأوا الى ممارسة الضغوط على الدولة لابتزازها وحين لم يجدوا تجاوباً سلكوا الاتجاه المعاكس ليضربوا الوطن من اليد التي توجعه.. فصاروا يرفعون شعارات معادية للوحدة وللثورة والنظام الجمهوري الخالد الذي ترسخت أركانه في ملحمة السبعين يوماً تلك الملحمة التي انتهت بانتصاره في 8 فبراير عام 1968م من القرن الماضي. لكن مع الاسف الشديد فالخطاب الاعلامي في كثير من الاحيان يحاول هز هذه الاركان عندما يسلط الضوء على خزعبلات اعداء الثورة والوحدة ويحذر من عودة الامامة والتشطير وهو ما يوحي للجيل الجديد الذي تربى في كنفي الثورة والوحدة بأن هؤلاء الاعداء قادرين على عمل شيء يمس بالثورة والوحدة. ان جيل الثورة بلغ من العمر ما يقارب الخمسين عاماً ولا يعرف شيئاً غير الثورة والنظام الجمهوري وتبعه جيل الوحدة الذي تجاوز مرحلة الرشد ولا يعرف غير الوحدة والأمل معقود على هذا الجيل في الدفاع عن الوضع الذي يعيشه في حالة تعرضه للاخطار.. فلماذا هذا الخوف والقلق الذي نزرعه في نفوس هذا الجيل وهو يشكل غالبية سكان اليمن بدل ان نزرع الثقة في نفسه ونقول له: انه شب عن الطوق ويعرف مصلحة وطنه جيداً وندعوه الى العمل بما يمكنه من المشاركة الفعالة في بناء بلده والتصدي لاعدائه. لكن ان نزرع في نفس هذا الجيل الاحباط ونخوفه من المجهول فهو لا يعني إلا شيئاً واحداً وهو اننا نروج بوعي وبغير وعي لمخططات الاعداء ونعطي الفرصة للطابور الخامس لينخر من الداخل.. بقي ان نقول: ان الثورة والوحدة والنظام الجمهوري لا خوف عليهم ابداً، ولن ينال منهم الاعداء مهما تآمروا واستعانوا بالخارج لأن الارادة الوطنية المخلصة هي الاقوى دائماً وهي الصخرة الصلبة التي تتحطم عليها كل المؤامرات ولا نعتقد ان اعداء اليمن وثورته ووحدته يجهلون ذلك وقد جربوا كثيراً في الماضي، ويكفيهم الدروس والعبر التي تم تلقينها لهم خلال ما يقارب نصف قرن مضى، حيث تجرعوا خلال تلك الفترة كل الهزائم.. ويكفي ان الشعب اليمني يعرف عدوه جيداً وهو مستعد لمقارعته وهزيمته حينما يحاول الاطلالة برأسه!!