طبيعي ان ينهار النظام الأقليمي العربي في غير مكان من العراق، الى فلسطين، الى جنوب السودان مروراً بالطبع بالصومال وصولا الى شمال افريقيا حيث المحاولات مستمرة كي تكون هناك بؤرة توتر اسمها الصحراء، تستخدم قاعدة لاستنزاف المغرب. لماذا يبدو طبيعيا وصول الوضع العربي الى ما وصل اليه؟ الجواب في غاية البساطة.. انه يتمثل في غياب القدرة العربية على اتخاذ موقف من أي موضوع ساخن كان، مهما كان هذا الموضوع مصيرياً، ما نشهده حالياً يأتي نتيجة سلسلة من التنازلات العربية لمصلحة فوضى السلاح ناجمة اساساً عن حال العجز المترسخة داخل المؤسسات الحاكمة. حال العجز هذه المقرونة بالخوف، حتى لا نقول: الجبن، باتت جزءا لا يتجزأ من تكوين هذه المؤسسات في معظم الدول العربية. ولذلك كان الطريق السهل، بل الأكثر سهولة، امام الأنظمة العربية رفض اتخاذ موقف من اي قضية عندما كان هناك تهديد معروفة مصادره للتركيبة الداخلية لاحدى الدول العربية. انها بكل بساطة عملية هروب مستمرة الى الأمام تختصرها كلمة واحدة، انها كلمة المزايدة.. تستخدم المزايدة تحت شعارات مضخمة من نوع "حماية المقاومة" او "حق تقرير المصير للشعوب" من اجل تدمير المؤسسات داخل هذه الدولة العربية او تلك، فيما العرب يتفرجون او يتهربون من المسؤولية عن طريق اقتراحات او مصالحات اقل ما يمكن ان توصف به انها لم تجلب سوى الكوارث. في البدء كان لبنان، ما يتعرض له الوطن الصغير منذ العام 1969، تاريخ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم الذي فرضه العرب عليه فرضاً، يشكل مثلاً صارخاً على العجز العربي وغياب القدرة على استشفاف المستقبل واستيعاب النتائج التي يمكن ان تترتب على اجبار حكومة شرعية في احدى الدول العربية على التوصل الى اتفاق مع فريق مسلح، خسر العرب الحرب في العام 1967 بسبب اتكالهم على الشعارات. اعتقدوا ان الشعارات كفيلة بتحرير فلسطين.. كانت النتيجة ترجمة هذا العجز بالتغاضي عن دخول مسلحين فلسطينيين وغير فلسطيينين وارسال اسلحة عبر الأراضي السورية الى الأراضي اللبنانية، بدل ادانة ما كان يتعرض له لبنان حماية للأمن العربي عموماً جاء اتفاق القاهرة ليكرس وجود جبهة عربية وحيدة مفتوحة مع اسرائيل، صار جنوب لبنان بمثابة "ساحة" للمزايدات العربية. صار ذريعة للذين يريدون القول: ان العرب لم يهزموا في العام 1967 وانهم ما زالوا يقاومون اسرائيل... على حساب لبنان واللبنانيين. لم يفهم العرب وقتذاك ان واجبهم كان يقضي بحماية لبنان بدل فرض اتفاق القاهرة عليه. كان واجبهم يقضي، صراحة، باتخاذ موقف علني من محاولات القضاء على مؤسسات الدولة اللبنانية عن طريق ارسال مسلحين واسلحة الى الأراضي اللبنانية.. كان واجبهم يقضي بأدانة كل من يرسل قطعة سلاح الى لبنان بدل العمل على ايجاد تفاهم بين مسلحين من جهة والحكومة اللبنانية من جهة اخرى وفرض اتفاق ظالم عليها. من تهاون في العام 1969م امام ما كان يتعرض له لبنان، لا بد ان يتهاون لاحقاً مع كل المحاولات الهادفة الى تفتيت المنطقة العربية بما يصب في مصلحة اسرائيل التي كان لديها في كل وقت من الأوقات مصلحة في ابقاء جبهة جنوب لبنان مفتوحة.. من تهاون مع السلاح في العام 1969، لا بد ان يتهاون حالياً مع ما يدور في اليمن حيث يستخدم السلاح لفرض التوصل الى اتفاق بين الحكومة ومتمردين مدعومين من ايران.. من تهاون مع السلاح في العام 1969، لا يزال يتهاون مع تدفق السلاح الإيراني على لبنان ومصر خدمة لاسرائيل. من تهاون مع السلاح الفلسطيني في لبنان والأردن في العام 1969، لن يجد غضاضة في الوقوف موقف المتفرج من الأوضاع في قطاع غزة كي ويبرر لاسرائيل كل ذلك الإرهاب الذي تمارسه في حق الشعب الفلسطيني. انه ارهاب الدولة المتمثل بالأصرار على الإحتلال والعمل على تكريسه عبر الإستيطان. من حسن الحظ ان لبنان لا يزال يقاوم. انه يقاوم ما يسمى "سلاح المقاومة" الذي لا يستهدف سوى اخضاع الوطن الصغير وتكريسه "ساحة" للمحور الإيراني- السوري ورأس حربة له، حربة موجهة الى كل ما هو عربي في المنطقة. نعم لبنان يقاوم. لا يزال يقاوم منذ أربعين عاماً. هل في استطاعة العرب الآخرين المقاومة. هل هناك زعيم عربي واحد باستثناء الملك عبدالله الثاني يتجرأ على القول للعرب ما يجب قوله عن الخطر الإيراني؟ فعل العاهل الأردني ذلك في العام 2004م وكان على حق في تسمية الأشياء بأسمائها. لم يرد احد الاستماع الى تحذيره. امس لبنان واليوم العراق والبحرين، التي تتعرض لحملة ظالمة.. اليوم فلسطين واليمن والسودان والصومال... والعرب يتفرجون. المغرب وحده تجرأ على قطع العلاقات مع ايران بسبب موقفها من البحرين. هل مسموح للعرب البقاء متفرجين وممارسة ما يمكن اعتباره مع مرور الزمن هوايتهم المفضلة، على طريقة "شاهد ما شفش حاجة؟!