من المبادئ العظيمة للدين الاسلامي الحنيف محاسبة النفس كواجب شرعي والدليل قوله تعالى:«ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» لكن مع الاسف الشديد في عالمنا العربي الذي يمثل جوهر الاسلام وعموده الفقري كون الدين انطلق من جزيرة العرب على يد هادي البشرية النبي محمد عليه افضل الصلاة والسلام لا يأخذون مأخذ الجد هذا التوجيه الالهي وهو ما يذكرنا بتلك الجملة المشهورة المنسوبة لاحد حكام بني أمية في أواخر القرن الهجري الأول ومفادها من قال لي: «اتق الله قطعت رأسه» ورفع سيفه للتهديد به. وما يحدث اليوم في عالمنا العربي وفي كثير من الدول الاسلامية التي يفترض ان تكون قدوة للغير لا يخرج عن هذا المفهوم.. ولذلك فإن ما تعانيه الشعوب من مشاكل وتعقيدات وحروب وخروج عن النظام والقانون ورفع السلاح في وجه الدولة ليس إلا نتيجة لغياب العدل والمساواة وعدم الاهتمام بقضايا الشعوب الوطنية وخاصة تلك التي تمس حياتهم المعيشية بشكل مباشر. في صدر الاسلام كان الحاكم يحاسب نفسه خشية من ان يحدث تقصيراً منه فيحاسب امام الله وقول سيدنا عمر بن الخطاب الخليفة الثاني رضي الله عنه خير شاهد فقد كان يقول لو تعثرت دابة لحاسبني الله يوم القيامة لأنني لم أعبد لها الطريق.. ولم يستنكف سيدنا ابو بكر الصديق الخليفة الاول ان يقول «لو وجدتم فيَّ اعوجاجاً فقوموني» فأجاب عليه احدهم لو وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناك بسيوفنا» بل لقد حوسب عمربن الخطاب على ثوبه لأنه طويل.. وهو لم يتوان في اقامة الحد على ابنه عندما اخطأ ولم يقل انه ابن الخليفة.. كذلك استدعاء الخليفة ابن الخطاب عمرو ابن العاص والي مصر الى المدينة ليقتص القبطي من ابنه الذي ضربه وقال كلمته المشهورة حين رفض القبطي ضرب عمرو بن العاص بحجة انه ليس الذي ضربه وانما ابنه فقال: «ما ضربك هذا إلا بسلطان هذا» بل وأين نحن من قول الرسول الاعظم عليه أفضل الصلاة والسلام «ما ضر من قبلكم انه اذا سرق فيهم الشريف تركوه واذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد..والله لو سرقت فاطمة بنت محمد بيضة لقطعت يدها» اوكما قال: اذاً عندما يتوافر العدل في كل زمان ومكان حتى لو كانت الدول كافرة فإن الامن والامان يسود وتستقيم الانظمة والدول مصداقاً للقول المأثور «العدل اساس الملك» فهل في زماننا اليوم من الحكام من يطبق العدل والمساواة من اجل ان يسود حكمهم ويستمر..أم ان الظلم الجائر الذي تمارسه الكثير من الانظمة على شعوبها سيتسبب في خلق المزيد من الانشقاقات والتشرذم والحاق الضرر والضعف بالانظمة والشعوب على حد سواء؟! وهو الامر الذي يستدعي اعادة النظر في كل التصرفات وقراءة الواقع قراءة جيدة على اسس سليمة وصحيحة تمكن الحاكم والمحكوم من السير على هداها والحؤول دون انعكاس التأثيرات السلبية على واقع الحياة المعاش وتجنب استغلال الحساسيات الطائفية والمذهبية والتعصب للرأي غير الصائب. ومن يتأمل ما تعيشه الأمتين العربية والاسلامية وبالذات هذه الايام وكيف اصبحت مصدراً للعديد من المشاكل والازمات جعلت العالم كله يتكالب عليها سيجد ان السبب هو الابتعاد عن تعاليم الدين الاسلامي السمحة ورغبة تحكم البعض في رقاب البعض الآخر حيث اصبح الجميع يتقاتلون فيما بينهم على قضايا لا تستحق من الانسان المسلم ان يتحدث حولها فكيف بمن يقاتل دونها، وهذا لاشك مرده الى الجهل وللأسف ان ذلك يحدث في وقت استطاعت فيه الشعوب المتقدمة ان تغزو الفضاء وتحقق ثورة علمية هائلة حولت كل هذا العالم الواسع الى قرية صغيرة يتواصل ببعضه في جزء من الثانية مع أنهم يحكمون في سياساتهم القوانين الوضعية وهي من صنع البشر. اما نحن الذين نمتلك القانون الالهي ولدينا القرآن الكريم الذي علمنا الله فيه ما لم نعلم وجعلنا امة وسطاً خير ما اخرجت للناس فإننا لم نستطع أن نحافظ حتى على ادنى المعايير الانسانية للتعامل بها واحترام بعضنا البعض.. وإنما عدنا بتفكيرنا واعمالنا الى العصر الجاهلي وضربنا بالقرآن وتعاليمه السامية عرض الحائط وكأننا لسنا امة الاسلام التي حكمت العالم قروناً طويلة وتعلم الآخرين من علومها وحضارتها تلك العلوم التي استفاد منها الأوربيون وطبقوها على واقعهم فأرتقوا بها وصنعوا المعجزات ولا يعلم الا الله الى اين ستنتهي عاقبة الامور!؟