التحالف يعلن تنفيذ ضربة محدودة على معدات عسكرية وصلت ميناء المكلا    نائب وزير الثقافة يزور الفنان محمد مقبل والمنشد محمد الحلبي    الصحة: العدوان استهدف 542 منشأة صحية وحرم 20 مليون يمني من الرعاية الطبية    عاجل: الإخوان والقاعدة وراء الهجوم الإرهابي في حضرموت نتج عنه سقوط جنوبيين    الصحفي والأكاديمي القدير الدكتور عبد الملك الدناني    سفر الروح    بيان صادر عن الشبكة المدنية حول التقارير والادعاءات المتعلقة بالأوضاع في محافظتي حضرموت والمهرة    حكومة التغيير: سنتخذ كافة الإجراءات بما فيها "عسكرية" للدفاع عن الصومال    إنتر ميلان يتخطى أتالانتا ويتصدر الدوري الإيطالي    استجابة لدعوة انتقالي لحج: احتشاد نسوي ومسيرة شعبية كبرى لحرائر مديرية تبن للمطالبة بإعلان دولة الجنوب العربي    صنعاء.. الحكومة تدرس مشروع برنامج استبدال سيارات المحروقات بالسيارات الكهربائية    صنعاء: الاعلان عن موعد بدء صرف مرتبات نوفمبر 2025    قيادي في الانتقالي: لا نمانع من انتشار قوات أخرى في وادي وصحراء حضرموت    وقفة قبلية مسلحة في بني حشيش تنديدًا بالإساءة للقرآن الكريم    الاعلام العبري يسلط الضوء على بيان "السيد القائد" بشأن الصومال    بعد إحالة شكواه للحفظ والأرشفة.. الطبيب الخزان يعلن مغادرته البلاد ويعتذر لمن انتقدهم    فريق السد مأرب يفلت من شبح الهبوط وأهلي تعز يزاحم على صدارة تجمع أبين    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في وزارتي الشؤون الاجتماعية والعمل والخدمة المدنية والتأمينات    أذربيجان تؤكد دعمها لوحدة اليمن وسيادته وسلامة أراضيه    النفط يرتفع في التعاملات المبكرة وبرنت يسجل 61.21 دولار للبرميل    التحالف الإسلامي ينظم دورة حول القانون الدولي الإنساني وعلاقته بمحاربة الإرهاب    لملس يناقش أوضاع المياه والصرف الصحي ويطّلع على سير العمل في المشروع الاستراتيجي لخزان الضخ    إيران والسعودية تتباحثان حول اليمن ولبنان وتعزيز التعاون الإقليمي    لقاء تشاوري بوزارة الاقتصاد حول تعديل قانون مهنة تدقيق ومراجعة الحسابات    صنعاء تحتضن أول بطولة لكرة القدم لمبتوري الأطراف من جرحى الحرب    لوحات طلابية تجسد فلسطين واليمن في المعرض التشكيلي الرابع    بن حبريش يختزل حضرموت: "ما أريكم إلا ما أرى".. نزعة فرعنة تشق الصف الحضرمي    الصين تدعو إلى التمسك بسيادة اليمن ووحدة وسلامة أراضيه    تحذير أمريكي: تحولات شرق اليمن تهدد التهدئة وتفتح الباب لصراع إقليمي    الأرصاد يتوقع حدوث الصقيع على أجزاء محدودة من المرتفعات    إدارة أمن عدن تكشف حقيقة قضية الفتاة أبرار رضوان وتفند شائعات الاختطاف    قراءة تحليلية لنص "من بوحي لهيفاء" ل"أحمد سيف حاشد"    صنعاء.. البنك المركزي يوقف التعامل مع خمس كيانات مصرفية    بسبب جنى الأرباح.. هبوط جماعي لأسعار المعادن    المنتخبات المتأهلة إلى ثمن نهائي كأس الأمم الأفريقية 2025    وزارة الصحة: العدوان استهدف 542 منشأة صحية وحرم 20 مليون يمني من الرعاية الطبية    الإفراج عن 108 سجناء من الحديدة بمناسبة جمعة رجب    حمداً لله على السلامة    خلال تدشينه مشروع التحول الإلكتروني لصندوق التقاعد الأمني .. اللواء المرتضى: المتقاعدون يستحقون الاهتمام فقد أفنوا سنوات طويلة في خدمة الوطن    إيمان الهوية وهوية الإيمان    هل يهزم ابن زايد بن سلمان ويتسبب بقسمة تركة الرجل المريض؟    تكريم البروفيسور محمد الشرجبي في ختام المؤتمر العالمي الرابع عشر لجراحة التجميل بموسكو    مرض الفشل الكلوي (34)    الطبيب الخزان يشكو ما تعرض له في مبنى قضائي بصنعاء للنائب العام    حين يكون الإيمان هوية يكون اليمن نموذجا    الهوية والوعي في مواجهة الاستكبار    المكلا حضرموت ينفرد بصدارة المجموعة الثالثة بدوري الدرجة الثانية لكرة القدم    فلسطين الوطن البشارة    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية في «كأس أمم إفريقيا»    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    اتحاد حضرموت بحافظ على صدارة المجموعة الثانية بدوري الدرجة الثانية    العطاس: نخب اليمن واللطميات المبالغ فيها بشأن حضرموت"    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصطلحات غائمة..السلفية السنة الشيعة
نشر في شبوه برس يوم 16 - 08 - 2013


زيد بن علي الوزير *
(1)
أخطار المصطلحات الغائمة
تدور في هذه الأيام خلافات عاصفة إن استمرت فسوف تمزق اليمن إلى مذاهب متناحرة، وتمنع وحدته الأخوية والجغرافية، سواء أكانت مركزية أم اتحادية أو حتى كونفيدرالية، فالتمذهب من أخطر العوامل فتكا بتمزيق نسيج المجتمع الواحد.
هناك عوامل أخرى تمزق هذا النسيج، ولكنها عوامل مؤقتة كرد فعل على ظلم ساحق، وحيف ماحق، واستبداد متحكم ولكن العامل الديني- وقد اصبح التمذهب دينا- سيصبح عاملا مستمرا.
وقد سبق لي أن أصدرت كتابا عن مأساة التمذهب وكتبت عن "أحزاب بدون تمذهب" من اجل ألا تتمذهب بلادنا فيذهب ريحها وتستحيل عصفا مأكولا، وقد ظن البعض- وبعض الظن اثم- أني أقصد بمقالي الأخير بالذات مذهبا معينا، او تيارا ما، ولست من الضحالة الفكرية أن أدور في هذا المحور، فالقضية أبعد من هذا وذاك، وأعمق من هذا وذاك، وأخطر من هذا وذاك.
لقد أصبحت هذه القضية سلوكا مغلوطا نتيحة مصطلح يتحكم في حياتها ويضبط إيقاعها.
من هنا بالضبط أنوي أن أكتب عن بعض المصطلحات الغائمة لما لها من تأثير في صياغة سلوك مجتمع ما.
ذلك أن المصطلحات هي التي تضبط ايقاع مجتمعها على محتواها، وتصيغه وفق صورتها.
عندما كانت مصطلحات الطاعة والصبر والشورى لها محتوياتها الحقيقية تولد مجتمع أمة حاكمة، كانت معنى الطاعة عندها: إمتثال مطلق لمبادئ الأمة وثوابتها، وكان الصبر: الثبات على الخطوة المتقدمة وإن لم تتقدم، و كانت الشورى: المشاركة في اتخاذ القرار، ووفق هذه المعاني انبثقت أمة حاكمة مارست حقوقها في العهد الراشدي، ولم يكن الخليفة إلا واحدا من هذه الأمة، يسمع لها ويطيع، لاتسمع له هي وتطيع إلا إذا كان ملتزما بثوابتها، رفض الناس أن يسمعوا ل "عمر بن الخطاب" قبل أن يشرح لهم سبب تميزه عنهم بلبس قميص زائد.
وقد يعتبر البعض في هذا الموقف صلابة متطرفة في التضييق على الحاكم، ولكن لنتذكر أن بداية الانحرافات خرق صغير يكاد لا يدرك فيتوسع حتى يتسع الخرق على الراقع، ولكن الأمة اليقظة ترى في الخرق المستور شلال ضلال سيتدفق، فتعمل على سده.
وعندما قال "عمر" العظيم: إن رأيتم فيً اعوجاجا فقوموني انبرى له صحابي فقال على ملأ من الناس: والله لورأينا فيك إعوجاجا لقومناك بسيفونا، فحمد الله "عمر" على من سيفوم اعوجاجه إن وجد بسيفه.
كان ذلك الصوت المدوي، لذلك الصحابي الجليل، في ذلك المسجد المهيب، وإقرار الخليفة والحاضرين له انما كان أول تشريع سياسي واجتماعي وديني للخروج على الظالم .
ولما رأى "أبو ذر" أن مصطلح "الإكناز" بدأ يميل لصالح طبقة من الناس وتدمير طائفة اخرى جهر بالحق وقاوم الانحراف، والحق أن هذه النصوص المتفق عليها توضح بما لا يبقي شكا ان الأمة كانت هي المسؤولة وكانت هي المراقبة وكانت هي التي تنتخب وكانت باختصار صاحبة السيف المسلول على رقاب من ينحرف عن المنهج.
لكن المجتمع بدأ وفق تعديلات للمصطلحات يتخلق من جديد على صورة أخرى؛أصبحت الشورى مجرد استشارة ذليلة، بل نصيحة هامسة، ولم يعد الصبر الثبات على الحفاظ علىة المبدأ من أجل تطبيقه، وانما أصبح الصبر على المظالم وعلى الذلة وعلى الخنوع، ولم تعدالطاعة لله ولمبادئ رسوله، وإنما طاعة ظالم جسور ليس فيه من صفات العدل ولا مقومات الخير سوى أنه يتظاهر بإقامة الصلاة، وأي ظالم مطلق الصلاحيات لا يستخدم إقامة الصلاة قيدا للأمة ومنعا لأي خروج عليه، وعندما سادت هذه المتغيرات تبدل المجتمع وطُردت الأمة من المشاركة في الحكم ضمن الرقابة على الحكام، واصبحت تقاد ولا تقود،تعيش- بدلا من الحاكم- تحت السيف المسلول لا لتقويم أمير المؤمنين الخليفة الراشد "عمر بن الخطاب" رضوان الله عليه وأمثاله، وإنما لتقويم الأمة إذا تمردت على الخضوع ومردت على المذلة ونفرت من الطاعة العمياء.
عندما استكمل التكوين الجديد خلقه، لم يمنع الصحابي الجليل الحسين بن علي من ان يحمل سيفه للدفاع عن المظلومين، لكنه سقط في كربلاء مضرجا بمفاهيم مجتمع تبدل.
إذن كان الخروج على الظلم مبدءا إسلاميا.
وقد أثبت هذه الحقيقة الحافظ "إبن حجر العسقلاني" (ت 852ه/1448م) عندما قال: (إن الرأي في الخروج على الأئمة بالسيف لدفع الجور مذهب للسلف قديم) .
لكن غيّبه تقريبا "علماء السلطة"- تحت خطاب جديد هو "إعتزال الفتنة والصبر على السلطة الجائرة، واحتاج الأمر إلى عدة قرون ليعيد "ابن حجر" اكتشاف مذهب السلف القديم.
وتوضيحا آخر ساعد على تبديل المصطلحات بسرعة، لابد أن نأتي إلى ذكره، هو: تديين المصطلحات، فقد تم انتقال الخلافة المدنية (إمارة المؤمنين) إلى الخلافة الإلهية (خلافة الله) كانت نقلة نوعية من طراز متخلِف، لأنها منحت الخليفة المتغلب بصفته خليفة الله حق التشريع، ولأنه أصبح ظل الله فقد أصبح له حق تمرير مايشاء بأمر الله.
واستغل "فقهاء السلطة" حديث (العلماء ورثة الأنبياء) لمنحهم صفة من القداسة تمكنهم من استثمارها لخدمة السلطان والسلطة، وليس لخدمة ورث الانبياء، ولا لحماية ثوابت الأنبياء، بل ليتخذوا منه ممرا دينيا إلى تحقيق ماتبغيه السلطة من منكر.
(2)
السلفية
بعد هذه المقدمة أريد أن أخلص في هذا الأحاديث إلى مصطلحات يدور الناس حولها ويتناحرون عليها ويمزقون انفسهم من أجلها وهم كما يبدو لا يعرفون حقيقتها، ولكنهم يتضاربون على مفاهيم اوجدوها وقضايا خلقوها لا تمت إلى حقائق المصطلحات بصلة.
السلفية لغة مشتقة سلف يَسْلُفُ: مضى، والقوم السلاف: المتقدمون، وسَلَفُ الرجلِ: آباؤه المتقدمون، والجمع: أسلافٌ وسُلاّف ولذلك يقال خير خلف لخير سلف، لكن أصطلح فقهيا على أن السلف هم الصحابة والتابعون. وهؤلاء هم الذين يجب أن يُتقيد بهم ويُلتزم بأفعالهم وأقوالهم، ويطلقون على انفسهم السلفيين،لأنهم -كما يعتقدون- اتباع السلف الصالح فهم وحدهم على هدى والأخرون على ضلال.
هذا الفهم قائم على خطأ تماما، أما لماذا؟ فلأن السلف الصالح لم يكونوا على رأي واحد، ومدرسة واحدة بل كانوا باقات متعددة، كانت لهم اجتهاداتهم الخاصة ومدارسهم المتميزة وحتى القرآن الكريم كان الناس متفاوتين في تلاوته كما يجب (اشتهر بتلاوته قراء مشهورون منذ الصدر الأول، وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدون وزيد بن ثابت وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وأبو موسى الأشعري وغيرهم من جلة الصحابة، ثم خلفهم جيلين من التابعين في كل بلد اسلامي واخذوا يعدون بالعشرات واخذ كل قارئ منهم تلاميذ يلازمونه ويأخذون عنه قراءته بأدق صورة ممكنة، وفي الوقت نفسه أخذ قراء مؤثَّقون يروون قراءات عن ابن مسعود إمام أهل الكوفة أو عن علي بن أبي طالب أو غيرهما من جلة الصحابة، فتكاثرت القراءات حتى لنجد أبا عبيدة بن القاسم يؤلف كتابا يحتوي على أكثر من عشرين قراءة قبل أن تستقر القراءات على سبع هي: ( قراءات نافع في المدينة وعبد الله بن كثير في مكة وعاصم وحمزة والكسائي في الكوفة وابي عمرو بن العلاء في البصرة وعبد الله بن عامر في دمشق) فاختلاف تلاوة الصحابة-أي السلف- أدت بفضل السلف إلى أن تصبح القراءات علما.
والأهم من ذلك أن القراءات وان كانت اختلافها شكليا حول المد والإدغام الخ إلا أن اصحابها لم يصبهم رذاذ اتهام نتيجة اختلافهم بل تلقيت بالقبول، اي بقبول التعددية.
وإذا ماتجاوزنا اختلاف التلاوة إلى ساحة أخرى نجد أنه كان للصحابة مدارس متعددة وكان لهم اجتهادات متباينة، وكان «الصحابة» يجتهدون في عهد رسول الله وبعد عهد رسول الله ويستخرجون للقضايا المستجدة الأحكام من {القرآن الكريم} و«السنة المطهرة» على قدر فهمهم، ولم ينكر النبي الأعظم عليهم شيئا إذا ما اجتهدوا، بل كان يقف منهم موقف المرشد فيقر اجتهاداتهم ان كانت صوابا، ويصححها إن لم تكن كذلك، فإن أصابوا فهو يقرهم على ما اجتهدوا فيه كما فعل مع «علي بن أبي طالب» عليه السلام عندما أهَّلَّ بما أهلَّ به رسول الله، وكما عمل مع «عمرو بن العاص" عندما تيمم للجنابة خشية الضرر؛ فلامه بعض الصحابة على ذلك، ولما وصلوا إلى رسول الله دعم اجتهاد«عمرو بن العاص» وكان «عمر بن الخطاب» رضي الله عنه (يفتي الناس في حياة رسول الله، ورويت عنه أحكام كثيرة في مشاكل المسائل)، وكان «معاذ بن جبل»- إمام الرأي الأول قد تركه رسول الله ورائه ب«مكة» عام الفتح ليعلمهم دينهم، وكان (من أفضل شباب الأنصار علما وحلما... وكان يعد من أعلم الصحابة بالحلال والحرام) ولما بعث إلى اليمن أقر الرسول ما سيجتهده إن لم يجد نصا من «الكتاب» ولا «السنة». وكذلك اجتهد «زيد بن ثابت» الذي (كان ضليعا في فهم تعاليم الإسلام وله القدرة الفائقة على استخراج الأحكام من الكتاب والسنة ومن الرأي إذا لم يكن كتاب وسنة) وكان «عبد الله بن مسعود» كما يقول احمد أمين يفتي برأيه (استنباطا من الكتاب أو السنة أو برأيه إذا لم يرد فيها كتاب ولا سنة) ويذكر الدكتور " أحمد أمين": نقطة مهمة هي أن كثيرا من كبار الصحابة منهم عمر وعبد الله وزيد بن ثابت كانوا يستفتون بعضهم من بعض وكان علي وأبي بن كعب وأبو موسى الأشعري يستفتي بعضهم من بعض، ويعلق على هذا الأمر قائلا: أن (هذا الخبر يدلنا على انه كان للصحابة العلماء مناخ للتفكير، كل جماعة لها منحى يألف بعضهم بعضا ويؤيد بعضهم بعضا؛ فكان عبد الله بن مسعود من منحى عمر، وأظهر مناحيه الاعتداد بالرأي حيث لا نص كما رأيت.
وهذا المنحى يظهر في ابن مسعود واضحا ايضا؛ فقد قال أبو عمر الشيباني :" كنت أجلس إلى ابن مسعود حولا لا يقول قال رسول الله، فإذا قالها استقلته الرعدة..) . وإذا كان ل "زيد" و ل" ابن مسعود" الحق في ان يستنبطا لنفسيهما أفلا يحق للعالم المعاصر أن يستنبط ويطرح جديدا يواكب العصر ومستجداته، وهو بآرائه الجديدة لم يبتعد عن تلك السلفية، بل إنه يمثل امتدادا وتطورا لها.
*
إذاً, كانت السلفية الصحابية، قراءات مختلفة، ومدارس متنوعة، واجتهادات شتى.
كانت السلفية اذاً مدارس متنوعة، وكانت هذه المدارس هي الينابيع التي استقت منها المذاهب فقهها، وقد اوضحت في كتابي عندما يسود الجفاف –مأساة التمذهب" هذه النقطة بوضوح فليرجع إليه من يحب التوسع.
ومع تنوعها واختلافات اجتهاداتها فلم تفسد للأخوة المؤمنة قضية، وكانت تمارس واجباتها بقوة وكان شعورها بالمسؤولية الشعبية في اختيار الحاكم ومراقبته قويا، وفي ظل هذا الشعور والمراقبة تم تغييب صورة الفرد، وإبراز وجه الجماعة. ولولا هذا التنوع لما تطور الفقه ولما اتسع الفكر.
وكلما يمكن القول في ذلك المجتمع النقي أنه كان الخميرة الفقهية التي أطلعت المذاهب الإسلامية المتسامحة، ومن المسلم به أن الفقه"وحده غير قادر أن ينشئ حضارة، ولكن القرآن بدعوته بوجوب استخدام الفكر في الخلق والأرض وما تحت الثرى وما فوق الثرى قد اوجد الطاقات اللازمة للبدء برحلة الحصارة الإسلاميىة، وصحيخ كل الصحة مقولة: في البدء كان القرآن فهو الذي أوجد حركة عقلية رائعة في ظلال "علم الكلام" بعلومه التطبيقة من "طب" و"فلك" وجغرافيا" و "جبر" و "ميكانيك" الخ أنشأت الحضارة الإسلامية فيما بعد مرحلة السلف، ولولا تلك الخميرة المباركة لما كان هذا الإنتاج الخصيب، ومن هنا لا يمكن أن تلتمس الحضارة الإسلامية في الجانب الفقهي كما هو في القرآن والسنة لأن الفقه اقرب إلى ضبط سلوك المجتمع الأخلاقي ومن هذه النقطة فقد يحسب مشاركا في الإعداد لنشوء الحضارة ، والشيء المؤكد أنه لا يمكن أن تلتمس الحضارة في الجانب السياسي بعد ان انحرفت مفاهيمها واختلفت نطبيقاتها وتحولت من نظام أممة إلىى سياسة فرد، وإنما تلتمس في "القرآن الكريم" ودعوته إلى العلوم الطبيعية قل {سيروا في الأرض}، و {في انفسكم أفلا تبصرون} و {سنريهم أياتنا في الأفاق}- ولم يقل أريناهم.
لقد فجر القرآن الكريم الطاقات الانسانيه الكامنة فانطلقت في حركة متجددة لتقود العالم آنذاك وهكذا نرى أن السلف كان المنطلق. كان البداية. ولم يكن الغاية.
إلى هذه السلفية ينتمي كل المسلمين، واحتكار السلفية لفئة واحدة باطل من الاساس كما رأينا.
فلماذا الاختلاف إذن؟.
إن الجهل بحقيقة السلف جعل البعض يعتقد أن السلفية غطاء مقفل على فقه معين، وأن هذا الفقه هو الصواب وما غيره باطل.
ولم تعرف أنها بهذا تتجمد وتجمد، وتقف عاجزة حتما عن فهم معنى الآية الكريمة{سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يبين لهم أنه الحق} ولو لم يسيروا في الآفاق لما أصبح للنجوم والكواكب علما ممتازا، ولما عرفت أبعاد الأرض واعماق النفس، ولظلوا قابعين في تخوم الصحابة النقي ومضارب التابعين، ولم يتطور الإبتداع ولبقي الأقتفاء والإتباع.
ثم يظهر أن احتكار السلفية لفئة واحدة، كان نتيجة فهم خاطئ لواقع السلفية ولما كانت عليه من انفتاح، وعجزت عن استيعاب ذلك كله وانحصرت في المذهب الواحد، والرأي الواحد، والمذهب الواحد، في الزمن الواحد، ومن هذه الوحدات انبثق عنها الأوحد، وما سواه ففي ضلال مبين.
ونصل الآن إلى مقطع آخر علينا تبينه بحسب الجهد وهو أن هذه السلفية السلبية تناقض بالفعل«السلفية الإصلية»وتعمل جاهدة على تخريب تلك القواعد، فهي بدعوتها للخضوع للظالم والطاعة العمياء له مهما ظلم وفجر وعبث وعاث وطغى واستكبر وتكبر ما دام يقيم الصلاة، تناقض من الأساس قاعدة الأمر بالمعروف، والتقويم بالسيف أي بلغة اليوم الثورة.
أليس من السهل إقامة الصلاة رياءا، مقابل هذا التسلط العريض الطويل. لقد وصف الله سبحانه المصلين الذين يراؤون ويمنعون الماعون أي الذين لا يقومون بالعدل السياسي والاقتصادي.
فهناك اذن صلاة رياء تتيح للظلم البقاء الطويل، ومضر بك البقاء الطويل كما يقول الشاعر.
ثم إنه موقف يخالف رأي السلف كله عندما وقف مع ذلك الصحابي الجليل في ذلك المسجد المهيب في ذلك الجمع الحاشد في مواجهة واحد من أعدل وأخلص وأتقى وأنقى الخلفاء الراشدين.
ثم أليس أن الطاعة العمياء تناقض المبدأ الأساس مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟.
لقد عمل عمر بمقاصد الأيات فالغى عطاء المؤلفة قلوبهم، ومنع حد قطع السارق في ايام الجوع.
اليس هذا اجتهاد منه؟ والاجتهاد حل لمواجهة ما يستغلق.
وكان امير المؤمنين "عمر" مبتدعا، ولم يكن متبعا،فاجتهد وهم بالدعوة إلى كان عليه السلف الصالح يخالفون "عمر" ويخالفون الصحابة فما موقف "السلفية السلبية" من أمير المؤمنين "عمر"؟ وما موقفهم من "أبي ذر" ومن "الحسين" وهم من المهاجرين أي من قلب السلف؟ .
ثم هم يخالفون قول الله (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير) إن ربط البداية بالنهاية: بدء الخلق بالنشأة الأخرى، ليس سوى أمر إلهي باستمرارية البحث وعدم التوقف في حدود مقفلة، لأن العقل الإنساني لو استكشف حقائق الكون المخفية دفعة واحدة في زمن السلف لكان مجتمعه قد أحاط بكل شيء خبرا، وإلا لبقي في كل عصر ينتج نسخا مكررة، ولكنه لم يكن كذلك، فبقي يبحث في الآفاق وفي النفس عن آيات الله حتى يتبين لهم الحق. ولم يتقيد بمكان ولا زمان.
يتضح مما قدمنا أن السلفية السلبية تخالف السلفية الأصلية وتقف منها على النقيض وإلا أين ستضع الصحابة ذو المدارس المتنوعة والمجتمع الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والناذر نفسه لتقويم الإعوجاج باللسان وبالسنان لدفع ظلم ماحق.
إن الدعوة إلى الانغلاق على ما كان عليه السلف الصالح فقط ووفق ما يعتقدون ما كان عليه السلف الصالح يعني طي أمجاد الحضارة الإسلامية بكل ما فيها من علوم تطبيقية وفلسفية، واقتصادية، والإقتصار على تمديد سروال، وتقصير قميص، وتطويل لحية.
وكفى الله المؤمنين شر الإبداع.....


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.