أثبتت التجارب عبر التاريخ أن الدول والشعوب لا تقاس بمساحاته الجغرافية الواسعة ولا بالعدد الكبير لسكانها ولا حتى بثرواتها وإنما بما تحققه هذه الشعوب من انجازات تعود عليها بالنفع والفائدة وما تقوم به قياداتها من أدوار مؤثرة ليس على الصعيد الوطني فحسب كأن تكتفي بتحقيق الأمن والاستقرار لشعوبها وتأمين لهم سبل العيش الرغيد والدفاع عن قضاياهم ومصالحهم الوطنية، وانما تتجاوز ذلك الى محيط أوسع يحتاج الى تبني اطر تقوم على فكرة تعدد أبعاد المشاركة وتعدد الثقافات وهذا شرط اساسي لاستمرار وتفعيل التعاون مع الآخر في المجالات المختلفة. وهناك العديد من الامثلة التي تؤكد هذه الحقيقة.. فاليابان واحدة من الدول الصناعية التي لا تمتلك المواد الخام وتعتمد على استيرادها من الخارج .. ولكنها بفضل تركيزها على تعليم الانسان وتشغيل عقله استطاعت بصناعتها ان تغزو امريكا في عقر دارها وتجعل من الشعب الياباني قوة اقتصادية كبرى اصبحت تتحكم في كثير من مفاتيح الاقتصاد العالمي. وذلك بعكس الدول العربية وخاصة تلك التي تمتلك الثروات النفطية الهائلة ولكنها لم تستطع تبني خطط اقتصادية طموحة للتنمية وتعتمد على استراتيجية الاحلال محل الواردات وانما ظلت حتى اللحظة تعتمد على كل شيء يأتي من الخارج في وقت يفترض ان تكون هذه الدول العربية الغنية فيه قد قطعت شوطاً كبيراً في مجال التصنيع ووصلت الى درجة من المنافسة في الاسواق العالمية تؤهلها من تحقيق معدل متقدم من النمو الاقتصادي ولكن نتيجة للسياسات الخاطئة التي تتبعها لم تصل بعد الى هذه المرحلة الامر الذي جعلها معزولة صناعياً. اضافة الى ما ينعكس عليها من سلبية الاوضاع السياسية والاقتصادية في المنطقة نتيجة التقلبات في العلاقات العربية الثنائية والجماعية فزادها هذا الوضع ضعفاً على ضعف.. كما إن عدم وجود اداة للتخطيط أو حتى تنسيق للاولويات وتحديد الاهداف واساليب العمل قد أدى بلا شك الى حدوث تراكمات وتكرار في مسيرة العمل التنموي في هذه الدول العربية الغنية إلا ان هناك ما يستحق الاشادة التي يمكن ذكرها كمملكة البحرين التي استطاعت ان تلفت انظار المراقبين والمهتمين بالشآن الاقتصادي وان تجعل من البحرين مركزاً مالياً عالمياً في منطقة الشرق الاوسط وذلك من خلال اتباعها لحزمة من السياسات المالية والاقتصادية السليمة تستحق الاشادة وعلى ضوء ذلك نأمل من البلدان العربية الاخرى وخاصة الدول النفطية ان تحذو حذو البحرين في تجربتها المالية من خلال توجيه ولو جزء من فوائضها النفطية لقطاعات الصناعات المختلفة. صحيح ان البحرين اعتنقت الحرية الاقتصادية بسبب حاجتها لتنويع الاقتصاد بعيداً عن تمديدات النفط المحدودة بخلاف دول الخليج العربية المجاورة للبحرين التي تمتلك ثروات نفطية هائلة وانطلاقاً من هذه السياسة فقد قامت بالتوسع في الصناعات الثقيلة والمصرفية والسياحة بحيث اصبحت البحرين تشكل المحور المصرفي الرئيسي في الخليج ومركزاً للتمويل الاسلامي. والبحرين هي أول دولة خليجية وقعت اتفاقية تجارية ثنائية حرة مع الولاياتالمتحدةالامريكية وقامت بتنفيذ برامج خصخصة هائلة لتصفية بعض ممتلكات القطاع العام كالبنوك والخدمات المالية والاتصالات والتي اصبحت تحت سيطرة القطاع الخاص وتشتهر البحرين بصناعة الالمنيوم الاكبر من نوعها في العالم بانتاجها السنوي وارتباط ذلك بالمصانع ذات العلاقة وتصليح وبناء السفن.. كما يعتبر الاقتصاد البحريني الاسرع تقدماً في العالم العربي والاكثر حرية في منطقة الشرق الاوسط اما على المستوى العالمي فيحتل المرتبة الخامسة والعشرين. وفي عهد ملك البحرين الحالي حمد بن عيسى آل خليفة شهدت البحرين تغييرات كبيرة منها عودة الحياة البرلمانية التي توقفت عام 1975م واعطيت المرأة حق التصويت وبشهادات منظمات دولية فإن الفترة الحالية التي تعيشها البحرين هي فترة تحول تاريخية بالنسبة لحقوق الانسان وتعتبر الحركة الثقافية فيها من أكثر الحركات الثقافية نشاطاً في الخليج العربي وهو ما جعل البحرين فعلاً دُرة الخليج وان كانت صغيرة بمساحتها وسكانها ولكنها كبيرة بمكانتها الثقافية والحضارية والمالية في محيطها العربي وعلى النطاق الدولي.