قبل ثماني سنوات وبالتحديد في شهر مارس من العام 2002م أقر الزعماء العرب في بيروت مبادرة السلام العربية التي وصفت حينها وما زالت بأنها أفضل ما قدم لحكومة الكيان الصهيوني.. وكان يعتقد بأن القادة الصهاينة سيقابلونها بالتصفيق والتهليل.. لكن الذي حدث أن رئيس وزراء ما يسمى بإسرائيل يومها آريل شارون علق على هذه المبادرة قائلاً: «إنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به» ثم أمر قواته في نفس يوم اقرارها وإعلانها لتجتاح الضفة الغربية ومحاصرة المرحوم الرئيس ياسر عرفات.. ورغم ما تلا ذلك من استهتار بها من قبل القادة الصهاينة فقد ظل العرب على مدى السنوات الثماني الماضية يتمسكون بها ويقدمونها الى المحافل الدولية كأساس لحل الصراع العربي الإسرائيلي. وحين تعالت بعض الأصوات العربية مؤخراً مطالبة بسحب المبادرة العربية للسلام والتراجع عنها خاصة بعد سماع بعض الشائعات حول طرحها للتصويت في مؤتمر القمة العربية القادم الذي سيعقد نهاية الشهر الجاري في طرابلس الغرب بليبيا سارعت ما يسمى بلجنة المبادرة العربية المكونة من عدد من وزراء الخارجية العرب للاجتماع في مقر الجامعة العربية بالقاهرة فاتخذت قراراً يقضي بإعطاء الضوء الأخضر للسلطة الفلسطينية للتفاوض غير المباشر مع حكومة نتنياهو لمدة أربعة أشهر على أساس هذه المبادرة.. لكن كما هي عادة قادة الكيان الصهيوني فقد كان ردهم عنيفاً على هذا القرار العربي مثل ذلك الرد الذي شهده العرب بعد اقرار المبادرة في مارس من العام 2002م بفارق أن الرد هذه المرة كان يستهدف المسجد الأقصى نفسه.. فلم تكد تمر ساعات على موافقة لجنة المبادرة العربية بالتفاوض غير المباشر مع حكومة الكيان الصهيوني حتى أمر رئيس حكومة هذا الكيان غير الشرعي قواته باقتحام باحة المسجد الأقصى وإطلاق النار على المصلين وقتل واصابة العشرات منهم كما أمر ببناء الف وستمائة مستوطنة في الضفة الغربية وهو في الواقع تحدٍ سافر ليس للعرب وحدهم والاستهتار بهم وانما للأمة الإسلامية بأسرها كون المسجد الأقصى ملك لها جميعاً باعتباره أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وقد اكتفى العرب بالتعامل مع هذا الحدث المؤلم والمحزن بإبرازه إعلامياً وتغطية مشاهده الحية على الهواء مباشرة عبر اثير الفضائيات التي يمتلكونها وهي تعد بالعشرات ان لم نقل بالمئات.. ودون أن تهتز لهم شعرة واحدة وكأن الأمر لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد. وحتى يغطوا على ما تقوم به حكومة الكيان الصهيوني من جرائم يندى لها الجبين فقد حاول الإعلام العربي أن يركز على تلك الترحيبات التي صدرت على استحياء من قبل الإدارة الأمريكية وحلفائها الداعمين للكيان الصهيوني وهي ترحيبات تشيد بقرار لجنة المبادرة العربية وكيف انها استطاعت ان تخرج بهذا القرار الجريء الذي يساعد على حد تعبير التصريحات الأمريكية والغربية على التقارب بين العرب وقادة الكيان الصهيوني، معتبرين ذلك خطوة على الطريق الصحيح من قبل العرب غير مبالين او منددين بما ترتكبه حكومة نتيناهو من جرائم ومذابح ضد أبناء الشعب الفلسطيني وانتهاكها بشكل سافر وصريح للمقدسات الدينية وهو ما يؤكد أن اليهود ليس لهم عهد ولا ذمة على مر التاريخ ويكفينا شهادة القرآن الكريم فيهم. اذاً فاللوم لا يقع على اليهود والصهاينة، لأن ما يقومون به من نكث للعهود والاتفاقيات هو من صميم تصرفاتهم القبيحة.. وإنما اللوم يقع على عاتق العرب والمسلمين الذين تخدعهم الكلمات المعسولة ويعتقدون خطأ أن كلما قربوا خطوة نحو الإعتراف بدولة الكيان الصهيوني كأمر واقع سيسعى اليهم القادة الصهاينة خطوات رغم تجاربهم الكثيرة معهم وما وجدوه منهم من مكر وخداع. وإذا ما استمر العرب على هذا النحو في تغافلهم واظهار حسن نواياهم الساذجة فإنهم بلاشك سوف يخسرون كل شيء، ليس في فلسطين وحدها وإنما في كل الوطن العربي الذي يعتقد اليهود انهم ما جاءوا إليه لينشئوا دولتهم على جزء من أرضه إلا تحقيقاً لوعد الهي وسوف تمتد في المستقبل من الفرات الى النيل كما تشير اليه خارطة دولتهم المزعومة المعلقة على حائط الكنيست الذي ذهب اليه الرئيس المرحوم أنورالسادات ليعلن من داخله انتهاء مرحلة الحروب مع دولة إسرائيل وتحقيق السلام العادل الذي يكفل لأبناء الأرض الفلسطينية حقوقهم المسلوبة وبدلاً أن يتحقق هذا السلام المزعوم وعودة الحق الضائع إلى أصحابه طمع اليهود في العرب اكثر وأخذوا كل شيء أرادوه دون ان يعطوا شيئاً ومع ذلك مازال حكامنا العرب يسترجون منهم خيراً.. فأين هذا الخير؟! خاصة بعد ان أعطى لهم العرب الضوء الأخضر لانتهاك المسجد الاقصى وكل المقدسات الدينية في القدس الشريف وليزدادوا بذلك صلفاً على صلف!!