منذ تأسست جمهورية الصين الشعبية على يد مؤسسها الزعيم الراحل ماوتسي تونغ في أواخر الأربعينات من القرن الماضي والقضية الفلسطينية تحتل أهمية كبرى بالنسبة للصين الشعبية وقادتها .. ولم يقتصر الدعم الصيني للفلسطينيين مادياً ومعنوياً ومناصرة حقوقهم المتمثلة في استرجاع أرضهم من الكيان الصهيوني الغاصب .. وإنما وصل الدعم الصيني حد السماح بتدريب المقاومين الفلسطينيين عسكرياً داخل الأراضي الصينية . لكن بعد وفاة الزعيم الراحل ماوتسي تونغ في منتصف السبعينات من القرن الماضي وتسلم الحكم من بعده لقيادة جديدة انتهجت الصين سياسة أكثر انفتاحاً على العالم غلبت فيها مصالحها وابتعدت كثيراً عن السلوك السياسي الذي كان يجلب لها العداء مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية بشكل عام لتصبح أكثر قرباً منهم .. فتحققت المصالحة مع أمريكا ومع روسيا ومع كل الدول الأوروبية التي كانت الصين الشعبية تختلف معهم ايديولوجيا وسياسياً .. ونتيجة للتركيز الشديد خاصة في الفترة الأخيرة على المصالح الصينية وانتهاج سياسة الإنفتاح حتى مع دولة الكيان الصهيوني التي لم تكن الصين تعترف بها في عهد الزعيم الراحل ماوتسي تونغ والزعيم شوان لاي فتضررت مصالح الفلسطينيين وخسرت قضيتهم دعم دولة كبرى وعضو دائم في الأمم المتحدة لها كلمتها المسموعة عالمياً . ورغم ما يجمع الصين من علاقات تعاون اقتصادي مع الدول العربية وخاصة الغنية منها المصدرة للنفط حيث تستورد منها نسبة كبيرة من احتياجاتها النفطية وتصدر الى اسواقها بضائع بمليارات الدولارات فإن القيادة الصينية فاجأت العرب اثناء اجتماع مسؤوليها مؤخراً مع وزراء الخارجية العرب بعدم اعترافها بالقدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية المفترضة ورفضت التوقيع على ذلك . وهذا في حد ذاته يعتبر تغيراً كبيراً في السياسة الصينية ازاء القضية الفلسطينية التي كانت تشكل اكبر داعم لها وفي نفس الوقت انحيازاً الى جانب الكيان الصهيوني وهو مالم نعهده من القيادة الصينية خلال العقود الماضية وان كان العتب ليس على السياسية الصينية الجديدة التي يحاول القادة الصينيين تسخيرها لخدمة مصالح الصين وبناء علاقات متوازنة مع الجميع بما في ذلك تلك الدول التي كانت تختلف معها ايديولوجيا وسياسياً خلال العقود الماضية وإنما العتب بالدرجة الأولى وكذلك اللوم الشديد يجب ان يوجه للعرب أنفسهم لأنهم لا يحسنون اللعب بأوراقهم القوية التي يمتلكونها بأيديهم والتي يمكن ان تسبب عوامل ضغط لإنتزاع ما يمكن انتزاعه من مواقف لصالحهم من قبل الدول الأخرى وكذلك لا يحسنون توظيفها للتقريب بينهم وبين الآخر . ونتيجة لهذا الضعف العربي الذي زاد الانظمة العربية وهناً على وهن يبدو ان القضية الفلسطينية تسير في اتجاه معاكس تماماً لذلك النهج الذي اتبعه العرب وأكدوا فيه على أهمية حلّ القضية الفلسطينية من خلال اقامة دولة مستقلة قابلة للحياة الى جانب دولة الكيان الصهيوني تنفيذاً لقرارات الشرعية الدولية والوعود التي قطعتها على نفسها الإدارات الأمريكية المتعاقبة ابتداءً من إدارة بوش الأب ومروراً بإدار كلنتون وبوش الإبن وانتهاءً بالإدارة الحالية التي يرأسها باراك حسين أوباما . لكن ربما لأن الحكام العرب الحاليين يفتقرون الى الخبرة السياسية وعدم الدراية بخفايا الأمور وكيف تدار في الكواليس فقد اكتفوا فقط بإبداء حسن النية من خلال تقديم المزيد من التنازلات فضلاً عن نصب أنفسهم وكلاء عن الفلسطنيين اصحاب القضية الأساسيين وصاورا يتحدثون بإسمهم وإرغامهم على القبول بمفاوضات غيرمباشرة مع قادة الكيان الصهيوني مصيرها الفشل، اذعاناً لما تفرضه عليهم الإدارة الأمريكية من ضغوط وهذا الضعف الذي يجعلهم يتنازلون عن كل شيء ويخسرون كل أوراقهم الرابحة هو الذي جعل الصين الشعبية تغير موقفها وترفض الإعتراف بالقدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية بعد ان كانت داعماً أساسياً لقضية فلسطين وتسمح للفلسطينيين المقاومين بالتدريب عسكرياً على اراضيها وهو مالم تسمح به أية دولة عربية لا سابقاً ولا لاحقاً .