اسمحوا لي أن آخذكم إلى مطار صنعاء، إلى صالة المغادرة بالتحديد، فصالة المغادرة في المطار الحالي عبارة عن متنفس فيه الشجر وفيه العشب وفيه الأسفلت والبلاط، باختصار شديد لم يعد موجوداً من صالة المغادرة إلا لافتة مستطيلة تعتلي بابها وأكشاك عديدة أشبه ب «البسطات»، ولكن في شكل متأنق ومرخّص له، وإذا كان لديك مسافر ترغب في توديعه فعليك أن تتأقلم مع النظام الدولي الجديد الذي يدشّن في بوابة صالة المغادرة بمطار صنعاء، فالدخول ممنوع إلا للمسافرين، ودخول المودّعين لم يعد أمراً متاحاً كما كان في الماضي، «وسقى اللَّه أيام زمان». ذات يوم حدثت حادثة لم تتثبت خيوطها بالتفصيل، لكنها أدت إلى نتيجة مقيتة هي منع الدخول إلى صالة المغادرة إلا للمسافرين، وأرجو أن يكون حديثي مفهوماً، حيث أقصد صالة المغادرة الخارجية، أي أول بوابة يلج منها المسافر إلى مبنى المطار، وحيث أن منع الدخول له شق أمني، فلا يوجد أحد يمانع اتخاذ الإجراء الأمني المناسب لحماية المطار، ولكن في المقابل لا يوجد أحد يقبل أن يتحول أحد المعابر المهمة من وإلى البلاد، وأحد الأماكن التي يلحظ فيها الزائر والسائح القادم من الخارج كل شيء، ومن ذلك مشاهدة المودّعين والمستقبلين واقفين تحت الشمس في الساحة، لا سقف يظلّهم ولا جدر يسترهم، منتظرين، وكأننا في بلد في الأدغال مطاراته ترابية، لا أحد يقبل أن يتحول هذا المكان إلى محطة لازدراء الآخرين لنا وتسجيل الصورة السلبية لمنظر بعيد عن الحضارية بُعد عين الشمس وسِن القمر. لا أحد يقبل بتاتاً أن يخضع منفذ رئيسي ومهم لأمزجة البعض في السماح بدخول مَنْ يشاءون وكيفما يشاءون، فيما تضرب الآخرين عبارة «ارجع ممنوع الاقتراب»، والمشهد يبدأ من تجاوز حاجز السيارات، فالسيارات الفارهة والأخرى ذات المعرفة الشخصية - فقط - لا تكون ملزمة بدخول موقف المطار، وتستطيع أن تمشي فوق الشارع الإسفلتي المحاذي لبوابتي المغادرة والوصول، وأنف صاحبها شامخ، وكأنه فتح اسطنبول أو اجتاز البحار السبعة ووصل إلى كنز ملك الجان. ذلك يحدث ومثله الدخول من بوابة المغادرة للتوديع أو بوابة الوصول للاستقبال، وإذا كان الأخ العزيز حامد أحمد فرج، رئيس الهيئة المسؤولة عن المطارات، لا يصدّقني، فأدعوه إلى التأسي بالخليفة هارون العباسي والتخفي في زي شعبي والوقوف بضع ساعات هناك للتحقق من هذا الكلام وتلك الأفعال التي تسيء إلى منظرنا، بل وإلى حق يكفل المساواة للمواطنين، وإذا كان هذا الحق لا يُكفل عند بوابة مطار، فهي كارثة، فإما خبز للجميع أو منع صارم يسري على الجميع. وإذا كان هذا الحال مطبّقاً والمطار الحالي لا يزال مصنّفاً مطاراً دولياً، فكيف سيكون الحال عندما يتحول إلى مطار داخلي بعد أن يقيل اللَّه سبحانه وتعالى مشروع المطار الجديد من عثرته وتنتهي أعماله ويفتح أمام حركة الطيران الدولي؟! أما بالنسبة للجوانب الأمنية، فالقاصي والداني يعلم أن هناك مائة طريقة وطريقة تقنية علمية وموجودة يمكن استعمالها وتطبيقها في مجال الأمن الوقائي الخاص بالمطار ومرافقه، ومن المخزي أن تقف على البوابات مجموعة لا تعرف أبسط قواعد اللياقة في التعامل مع المسافر ومع المودّع ومع المُستقبِل، وهي مجموعة تصلح أكثر لعمليات المداهمات أكثر مما تصلح للوقوف على البوابات. وبالمناسبة، فلجناح التشريفات في مبنى المطار والخاص بشخصيات رسمية في مستويات معينة، ألف قصة وقصة لها علاقة ببرستيج البعض وموقعه أو نفوذه أو حجم تجارته، الذي لا يعقل أن يجلسه بين عامة المسافرين في صالات المغادرة الداخلية ولا داعي لإيلام رؤوسكم بحكايا التشريفات ووساطات الانتظار فيها. إشارة : زمان كان يسمح لعموم الناس بالصعود إلى الدور الثاني لمبنى المطار ومشاهدة هبوط وإقلاع الطائرات، زمان كان يوجد احترام لرغبات الناس وإرضاء لفضولهم، وحيث أن الزمان تغير فهذا الأمر قد تغير، ولو كنا في بلد آخر لأخذ التغير شكلاً إيجابياً، أتخيل كان سيسمح للناس بالمشاهدة مقابل دفع رسوم بسيطة مقابل هذه النزهة السياحية.