كثيراً ما حرصت الدولة والجهات المختصة على تهدئة الأوضاع سعياً منها إلى تفويت الفرصة على من يدفعون بالوطن في اتجاه الفتنة والحرب الأهلية التي إذا ما اشتعلت فإنها ستأكل الأخضر واليابس. وحينما تتصرف مؤسسات الدولة بهذا المستوى من التعقل فإنها تنطلق من التزام قيمي وأخلاقي ووطني وديني بالحفاظ على كل قطرة دم قد تسال من مواطن يمني بصرف النظر عن توجهاته السياسية ومواقفه، فالجميع بالنسبة لها سواء كانوا من الموالاة أو من المعارضة هم يمنيون وأبناء وطن واحد، ودماؤهم يجب أن تصان لكونها دماء يمنية. وقد كان من المؤمل أن يستوعب النافخون في كير الأزمة والمتاجرون بآلام ومعاناة المواطنين ودمائهم دلالات هذا التعقل وأن يقرأوا مفرداته قراءة متبصرة وناضجة حتى يدركوا أن كراسي السلطة التي يلهثون من أجل الاستحواذ عليها بطرق غير مشروعة وبوسائل غير ديمقراطية وغير دستورية ليست أسمى من فجيعة طفل يقومون بترويعه في لحظة من ليل أو نهار، بل أن هذه الكراسي التي يريدون امتطاءها عبر نشر الفوضى وسفك الدماء وإقلاق السكينة العامة وزعزعة الأمن والاستقرار وممارسة العقاب الجماعي على أبناء هذا الوطن من خلال ضرب أبراج الكهرباء وتفجير أنابيب النفط وغير ذلك من المنغصات لا تقتضي كل هذا الجنون والهستيريا، خاصة وأن بإمكان أولئك الطامعين في الوصول إلى السلطة بلوغ أهدافهم عن طريق صناديق الانتخابات والوسائل السلمية بدلا من تجريع المواطنين ذلك الكم من المعاناة التي يكابدونها منذ أكثر من تسعة أشهر عجاف. ولأن أولئك النافخين في كير الأزمة قد فشلوا أو عجزوا عن قراءة دلالات توجه أجهزة الدولة وإصرارها على تهدئة الأوضاع وعدم الانجرار وراء حمى التصعيد التي صارت من سمات هؤلاء الذين صاروا أسرى لمطامعهم وأهوائهم ورغباتهم التي أفقدتهم الصواب إلى درجة أصبحوا فيها لا يميزون بين الحق والباطل والممكن وغير الممكن والجائز وغير الجائز والصحيح والخطأ، ونتيجة لكل هذا فلا غرابة إن وجدنا بعض هؤلاء أوجلهم لم يفهموا ما تبديه الدولة من حرص في هذا الجانب ومع ذلك فإن ما نتمناه هو أن ينهمك هؤلاء ليس في الركض وراء التصعيد وإنما في ترسيخ رسالة السلام والتهدئة التي أعلنت عنها اللجنة المفوضة من فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية والمكلفة من المناضل الأخ الفريق الركن عبدربه منصور هادي نائب رئيس الجمهورية بوقف إطلاق النار وإنهاء المظاهر المسلحة في العاصمة صنعاء. فقد أهابت هذه اللجنة يوم أمس بكل الأطراف الالتزام بالتهدئة وتثبيت وقف إطلاق النار، وذلك بهدف التهيئة لقيام اللجنة بأعمالها في إزالة المظاهر المسلحة وتأمين العاصمة صنعاء والحفاظ على السكينة العامة وأرواح وممتلكات المواطنين من خلال رفع النقاط والحواجز، والمتاريس وإخلاء المباني والعمارات والمدارس والمنشآت العامة من أي تواجد مسلح وعودة الأوضاع إلى طبيعتها في العاصمة. والحقيقة أنه يعز على كل يمني أن تحيق بصنعاء أي شائبة من الشوائب وأن يصر البعض على إقلاق الأمن في هذه المدينة العصامية التي فتحت ذراعيها لكل اليمنيين لتغدو الحضن الدافئ الذي يشعر فيه الجميع بالسكينة والأمن والأمان، ولا ينبغي أو يجوز بأي حال من الأحوال أن يعمد طرف من الأطراف إلى نزع أي من تلك الصفات الجميلة لصنعاء التي خصها الله بها من بين مدن وعواصم العالم، ويأبى الله إلا أن تظل صنعاء عاصمة السلام والجمال رغم أنف النافخين في كير الأزمة وتجار الحروب الذين يريدون لصنعاء أن تتحول إلى مدينة تئن بالوجع والحزن والألم.