تتوالى بوادر انفراج الأزمة بين طرفي النزاع -المؤتمر الشعبي العام وحلفائه وأحزاب اللقاء المشترك وشركائها- بوتيرة عالية، تنفيذاً لما ورد في المبادرة الخليجية وآليتها المزمّنة، واللتين تم التوقيع عليهما في الرياض يوم الأربعاء الماضي. حيث صدر يوم أمس القرار الرئاسي بتكليف مرشح المعارضة الأخ محمد سالم باسندوة بتشكيل حكومة وفاق وطني بعد يوم واحد من صدور قرار مماثل بدعوة الناخبين الى الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية المبكرة المقررة يوم 21 فبراير القادم. وبالتزامن مع هذه الإجراءات المحورية جاءت أيضاً دعوة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية إلى التسامح والعفو عن كل من ارتكب حماقات خلال أشهر الأزمة باستثناء من تورطوا في جرائم جنائية وحادثة جامع النهدين بدار الرئاسة. وتدل كل هذه المؤشرات على النوايا الصادقة للانتقال من مرحلة الخصام والخصومة إلى واقع جديد من التوافق والتصالح، والدخول في مرحلة جديدة لا غالب فيها ولا مغلوب ولا منتصر ولا مهزوم، بل أن الجميع فيها رابح وكاسب بخروج الوطن من عنق الزجاجة وتجاوزه لذلك المصير المؤلم والصعب، الذي كان سيودي به ويدفعه إلى مهاوي الضياع، وليس هناك أهم وأسمى من أن ينتصر الوطن، ومن أن تتراجع نوازع الحقد والانتقام، لتسود بدلاً عنها قيم التسامح والتصالح والشراكة. ومع ذلك فإن الواجب ألا نّغفل عن تجار الأزمات والحروب ومثيري الفتن، الذين لن يروق لهم التوافق والتصالح وعودة المياه إلى مجاريها واستتباب الأمن والاستقرار في الوطن. حيث وأن هؤلاء الأبالسة لن يدخروا وسيلة ولن يقوتوا فرصة من أجل تسميم بوادر الانفراج التي أخذت تكسب الأجواء الصفاء شيئاً فشيئاً، وقد اعتدنا هؤلاء الشياطين دوماً يغذون الفتن ويتاجرون بدماء اليمنيين، عن طريق إثارة الخلافات والدس وإشعال الحرائق، إمَّا بهدف التكسب والتمصلح والحصول على بعض المنافع الدنيوية الزائلة، أو رغبة منهم في الوصول إلى بعض الغايات التي لا يمكن أن تتحقق لهم إلاّ في ظل أجواء التأزم والاحتراب والتوتر والفتن. والواجب أن نحذر هؤلاء الأبالسة والشياطين سواء تدثروا بلبوس الرهبان أو برداء الناصحين، فمن يسعى إلى زرع الشقاق وعرقلة مسارات التصالح والتسامح وتعطيل الجهود المبذولة للخروج من الأزمة الراهنة، لا يمكن أن يكون أميناً أو ناصحاً أو حتى صادقاً ومخلصاً مع أحدٍ، بل أن هذا الصنف من الناس هم من استوطنت الانتهازية في نفوسهم إلى درجة صاروا معها غير قادرين على تغيير سلوكهم أو أن يكونوا في الصف الوطني الذي يرى أن مصلحته تكمن في مصلحة الوطن أولاً، واستتباب الأمن والاستقرار في ربوع هذا الوطن، واختفاء كل الممارسات الضارة بالسكينة العامة والسلم الأهلي. وبالقدر الذي علينا أن نحذر من هؤلاء الانتهازيين فإنه يتعين أن نعمل جميعاً على تكريس الثقة في علاقات المنظومة السياسية والحزبية، على قاعدة التسامح والتصالح والفهم الواعي بأن الوطن يتسع لجميع أبنائه، والجميع مسؤول عن صيانة هذا الوطن وحمايته والدفاع عن سيادته ووحدته وإنجازاته ومكاسبه سواء بسواء، وبما يتسنى لهذه المصفوفة القيام بدورها تجاه السواد الأعظم من أبناء هذا الشعب، والتجاوب مع تطلعاتهم وآمالهم وفي الصدارة منهم قطاع الشباب باعتبارهم نصف الحاضر وكل المستقبل، الذين نعول عليهم أن يشكلوا قوة التغيير نحو الأفضل والرقي بالوطن والنهوض به في مختلف المجالات لما يتميز به هذا القطاع من فكر ثاقب وطموح مشروع. وما دامت عجلة الشراكة قد أخذت في الدوران فإنها بإذن الله ستمضي نحو أهدافها المحددة متجاوزة كل العراقيل والعوائق والمصاعب رغم أنف كل المتربصين والمتآمرين ورهاناتهم الخاسرة.