منذ اليوم الأول للتوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية بالعاصمة السعودية "الرياض" نبهنا الأطراف السياسية الموقعة على هذا الاتفاق إلى أن الإنجاز التاريخي الذي حققته لن تكون طريقه مفروشة بالورود، بل أنه سيواجه الكثير من المصاعب والتحديات، كما لفتنا أنظار شركاء العمل السياسي إلى أن هناك من سيترصد لذلك الاتفاق، وسيعمل بكل ما أوتي من قوة، لتعكير الأجواء وبث الشكوك، والتشكيك في النوايا الحسنة لهذه الأطراف، وزعزعة الثقة بهدف إجهاض الاتفاق وإفشاله، لأن هناك بالفعل من لا يرغب في خروج اليمن من النفق المظلم للأزمة الراهنة، لأن مصالحه لا تتحقق إلاّ في ظل الأزمات والتوترات ونشوب الحرائق. والمؤسف أن ما نبهنا إليه برزت مؤشراته في الأحداث المؤلمة التي شهدتها مدينة تعز، والتي لاشك وأنها لا تخدم أيّاً من طرفي الاتفاق، وإذا كان هناك مستفيد فليس سوى من لا يروق لهم استقرار الأوضاع وخروج اليمن من عنق الزجاجة.
وقطعاً لدابر هذا المخطط سارع نائب رئيس الجمهورية المناضل عبدربه منصور هادي في إصدار توجيهاته بوقف إطلاق النار وتشكيل لجنة للإشراف على سحب قوات الجيش والمليشيات المسلحة من مدينة تعز، وإعادة الهدوء والطمأنينة إليها.
وعليه فإذا كان ما جرى لم يكن مفاجئاً بعد احتقان دام أكثر من عشرة أشهر، فإن الدرس الأول المطلوب أخذه من الأحداث التي جرت في تعز هو أن هناك من سيظل يتربص بالاتفاق الذي توصلت إليه الأطراف السياسية - المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه واللقاء المشترك وشركاؤه- لتبقى الأوضاع هشة ومهددة بالانتكاسة في أية لحظة، ولن يتوقف هذا الطابور الانتهازي عن زرع بذور الفتنة والخلافات والشقاق والتباينات بين تلك المكونات السياسية، بغية دفع البلاد والعباد إلى متاهات سبق وأن عانينا منها في الأشهر العشرة الماضية وذقنا منها الأمرين.
وللحيلولة دون تكرار ما حدث في تعز يتعين على طرفي المعادلة السياسية، اللذين وقعا على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وتعهدا بالتجاوب مع كل ما حملته من التزامات، أن يدركا جيداً أنَّ الشعب اليمني يراقب تصرفات كل طرف، وأن ما يهمه الأفعال وليس الأقوال، وأنه لن يتسامح مع أي طرف يخل بالتزاماته تحت أي مبرر كان.
ويخطئ من يعتقد أن بوسعه خلط الأوراق أو الهروب من التزاماته واتباع أساليب المراوغة والمراوحة والتعامل بوجهين وبمفهومين، خاصة وأن المبادرة الخليجية قد وفرت لليمنيين فرصة فريدة للتصالح والتسامح ونبذ العنف وتجاوز حمى الصراعات والثأر السياسي والانتقال إلى مرحلة جديدة تقوم على الشراكة البنّاءة في تحمل المسؤوليات وتجنيب اليمن الفوضى والفتن المدمرة.
وما أحوج اليمنيين اليوم إلى التحلي بالحكمة التي عرفوا بها على الدوام. وما نقصده هنا هو المعنى الحقيقي للحكمة والذي عرفه ابن أبي نجيح بأنه "الإصابة في القول وفي الفعل" وقال عنه ابن القيم "الحكمة هي فعل ما ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي".
وفي حديث خاتم المرسلين عليه أفضل الصلاة والتسليم: "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها".
ومن الحكمة أن نضع أيدينا في أيدي بعض ونفتح صفحة جديدة لمرحلة جديدة تسودها الثقة والمحبة والتعاون والشراكة، فإذا اختلفنا أو اتفقنا فبشجاعة الفرسان وشهامة المؤمنين الأتقياء ونخوة العرب الأقحاح، لأن ما يجمعنا هو اليمن التي لا نساوي شيئاً بدونها.