التصعيد المسلح العنيف الذي شهدته مدينة تعز خلال اليومين الماضيين لاشك وأنه يطرح أكثر من تساؤل وأكثر من علامة استفهام، حول من هو المستفيد من وراء هذا التصعيد، الذي يأتي عقب التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، واتفاق الأطراف على المخارج التي وفرتها المبادرة والآلية واقتناعها بأن تلك المخارج هي الأنجع والأفضل لظروف اليمن. ولمصلحة من ما حدث وجرى في تعز من هتك للسكينة العامة وقتل وتدمير؟.. ومن دفع بكل تلك الأعداد الكبيرة من المسلحين إلى داخل هذه المدينة المسالمة والوديعة والحالمة دوماً بغد أفضل ومستقبل مزدهر؟.. ومَنْ مَوَّل عملية تفجير الأوضاع في هذه المدينة وإدخال الاتفاق الذي توصل إليه شركاء العمل السياسي في امتحان عسير انطلاقاً من زرع الشكوك بين طرفي المعادلة السياسية ودفع كل منهما إلى اتهام الآخر بالمسؤولية عما حدث ويحدث في تعز؟.. وبعيداً عن التسطيح، من حق المواطنين معرفة الحقيقة عن المتسبب والفاعل الحقيقي لما جرى في تعز.. ونعتقد أن الوصول الى هذه الحقيقة يقتضي تحلي الأطراف السياسية بالشجاعة وقول الحق حتى ولو كان ذلك على نفسها، وبدون ذلك فلا بديل عن أن يقوم من رعوا الاتفاق السياسي من الأشقاء والأصدقاء بالتحري بأنفسهم وكشف الوقائع وإدانة من يقفون وراءها أيّاً كانوا. وبطبيعة الحال فإن من مصلحة الأطراف السياسية الموقعة على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، والتي ستتشكل منها حكومة الوفاق الوطني، أن تحرص على تعزيز الثقة في مابينها، وأن تعمل معاً على التصدي لكل التجاوزات والانحرافات والممارسات الرامية إلى إفساد اتفاقها وقيام شراكة حقيقية بينها، حتى تتمكن من الإمساك بزمام الأمور وإسقاط أية مراهنات تسعى الى صرف المسار عن الطريق القويم ودفع الوطن الى منزلقات خطيرة ستكون كارثية على الجميع. وبوسع حكومة الوفاق أن تشكل الانموذج الذي يمكن الاقتداء به، إذا ما عملت بروح الفريق الواحد ونأت بنفسها عن التجاذبات السياسية والسجالات الحزبية، وكرست كل جهودها من أجل خدمة قضايا المواطنين والتخفيف من معاناتهم. وسيبقى ما جرى في تعز تحت المجهر إلى أن تظهر الحقيقة كاملة ويدان من ارتكبوا تلك الجرائم البشعة بحق هذه المدينة وطابعها الحضاري حتى لا يتكرر ارتكاب الخطايا، ويجد كل متهور متسعاً للهروب والتنصل مما اقترفه من عبث بحق الوطن وأبنائه. فإعادة الأوضاع إلى طبيعتها تقتضي تكريس سيادة النظام والقانون وتطبيق العدالة ضد كل من تسول له نفسه زعزعة الأمن والاستقرار والتعدي على حرمة دماء المواطنين وإقلاق سكينتهم العامة. ولابد هنا من أن تقتنع الأطراف السياسية بأن المرحلة الراهنة تختلف عن المراحل الماضية، فهي اليوم صارت شريكة في المسؤولية والبناء، ولم تعد في مربع المعارضة، وعليها التعاطي مع هذه الشراكة بواقعية وحكمة وصبر وأناة، والابتعاد عن الأساليب الكيدية والعناد والمكابرة، والإصرار على ما ظلت تنادي به في الماضي وهو الحصول على كل شيء أو هدم كل شيء. وإذا ما ترسخت هذه الشراكة بصدق سيصعب على أي طرف عرقلة توجهات البناء وإعاقة تنفيذ خارطة الطريق التي تضمنتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، بل أننا لن نرى من يتمادى في الهدم والاعتداء على الناس والمرافق العامة، لأنه لن يجد من يوفر له المظلة لممارسة مثل ذلك العبث، ونشر الفوضى والعنف كما حدث في تعز ليحول الآمال إلى خيبات ودموع ودماء. إن الاتفاق الذي وقعت عليه الأطراف السياسية في الرياض يمر بامتحان صعب، ويتعين على هذه الأطراف أن ترتفع إلى مستوى ذلك الاتفاق، وألاّ تجعل الأهواء الحزبية تعيدها إلى المربع الأول، فالشعب لن يسامح مع من يتلاعب بحاضره ومستقبل أجياله.