لم يعد الرئيس الاسبق للولايات المتحدة جيمي كارتر راضياً عما يحدث في بلاده، وهو لا يخفي ان العقد الاول من القرن الواحد والعشرين قد جعل هذه الدولة العظمى تتغلب على مبادئها الاساسية رأساً على عقب ودفعها الى ان تنحدر في سياستها وفي اقتصادها وفي التنكر لابسط الالتزامات السياسية والمبادئ الاخلاقية العامة، التي آمنت بها وهو في مقال بعنوان «الولاياتالمتحدة لم تعد جنة للحريات وحقوق الانسان» نشرته صحيفة الشرق الاوسط اللندنية يطرح مخاوفه بوضوح محدداً معالم الانحدار وتتابعه وما سوف يؤدي اليه من عواقب وخيمة ليس على الإدارة التي تحكم في البيت الابيض وانما على الشعب الامريكي بأكمله، حيث لم يعد هذا الشعب يشعر بالاطمئنان واضحى يرى في كل تصرف وممارسة لهذه الإدارة خروجاً على القيم التي التزم بها القادة السابقون حتى اولئك الذين ارتكبوا اخطاء فادحة لكنها لا تقاس بما يحدث الآن وخاصة منذ مرحلة بوش الابن ومن قبله بوش الاب اللذين فرضت عليهم مصالحها الخاصة تجاهل مصالح الدولة الامريكية. ان جيمي كارتر في مقاله المشار اليه، كما في احاديثه وتصريحاته يضع النقاط على الحروف ويشير الى الانحراف التام في السياسات المتبعة للإدارة الامريكية في الداخل والخارج على حد سواء ومما جاء في ذلك المقال :«ورغم ان الولاياتالمتحدة قد ارتكبت اخطاء في الماضي فإن انتشار انتهاكات حقوق الانسان التي ارتكبتها خلال العقد الماضي شكل تغييراً جذرياً من الماضي، فقد قادت الولاياتالمتحدة إقرار الإعلان العالمي لحقوق الانسان في عام 8491م ليكون اساس الحرية والعدل والسلام في العالم ،وكان هذا التزاماً صريحاً وواضحاً على المستوى الدولي، بعدم السماح مرة اخرى بأن تستعمل القوة عطاءً لقمع الناس او ظلمهم، كما رسخ مبدأ المساواة في الحقوق التي يتمتع بها جميع البشر من الحق في الحياة، والحرية والامن الشخصي، والمساواة في الحماية امام القانون وعدم التعرض للتعذيب او الاعتقال التعسفي او النفي الاجباري». وللتأكيد على ان الولاياتالمتحدة بدأت في السنوات الاخيرة ومنذ بداية القرن الواحد والعشرين خاصة تنحرف عن المسار وتتجاهل هذا الاعلان العالمي، للتأكيد على ذلك يضيف جيمي كارتر قائلاً:« فقد تم مؤخراً سن تشريعات تمنح الرئيس الحق في اعتقال اي شخص الى اجل غير مسمى في حالة الاشتباه في انتمائه الى تنظيمات ارهابية او قوات مرتبطة بها وهي سلطة واسعة ومبهمة من الممكن ان يساء استعمالها دون وقاية حقيقية من المحاكم او من الكونجرس، وهذا القانون يمثل انتهاكاً لحرية التعبير ومبدأ اعتبار الانسان بريئاً حتى تثبت ادانته، وهما حقان آخران من الحقوق التي اقرها إعلان حقوق الانسان». وبغض النظر عن ان الرئيس الامريكي السابق لا يضيف جديداً في هذا القول إلا انه كشاهد من قلب الدولة الكبرى التي شرعت في انتهاك الاعلان العالمي لحقوق الانسان والتخلي عنه في تحد للرأي العام الدولي ولكل ما تدعيه من ان ما تقوم به ما هو إلا انتصار لتلك الحقوق كما ان جيمي كارتر ليس الوحيد الذي يسجل في هذه الشهادة مثل هذا الانتقاد العلني والصارخ، فقد شكل او خلق هذا الانحراف من الدولة العظمى ما يشبه الرأي العام داخل الولايات ودفع بكثير من المفكرين وكبار الكتاب الى القول بأن بلادهم لم تعد النموذج الذي كانوا يتمنونه، والذي كان على بقية دول العالم ان تقتدي به فقد اغرتها القوة بأن تتحول الى امبراطورية تعيد الى الاذهان عيوب الامبراطوريات الاستعمارية الغاربة القديم منها والحديث وفي زمن لم تعد فيه شعوب العالم المتشبعة بقيم الحرية والديمقراطية تستسيغ او تقبل مثل هذه العودة المتأخرة والمنافية لقيم العصر وانجازاته في عالم السياسة.