أغبط مسؤولي الهيئة العامة لمكافحة الفساد على ما يعيشونه من النعمة إلاّ في واحدة.. وهي عندما يسألهم الصحفيون أحياناً بخبث وأحياناً بالحدس البريء ما الذي صنعته هيئة الفساد للحد من الفساد حيث يضطرون دائماً لتصحيح اسم الهيئة بالقول هيئة مكافحة الفساد وليس هيئة الفساد. والحق أن في الهيئة العامة لمكافحة الفساد أسماء محترمة لكن مشكلتها الدائمة هي أنها أضعف من أن تتصدى للفساد إلاّ في حدود القبض على «البردعة» وترك الحمار.. وذات يوم «حامي غباره» وفيما كنت رئيس تحرير صحيفة اسبوعية رياضية لا استطيع أن أصرف لنفسي خمسة آلاف ريال إلاّ بطريقة الرفع إلى الأعلى فاجأتني الهيئة العامة لمكافحة الفساد برسالة تطلب مني إقراراً بالذمة المالية.. وقد قمت بتعبئة الاستمارة وكانت المفاجأة أنني لا أمتلك أموالاً وعمارات وأراضي بأسماء الأبناء وأمهم.. حينها قلت لعضوه الهيئة الخلوق الإنسان محمد المطري.. طيب وما هو موقفكم ممن عمل مع الحكومة ثلاثين عاماً ثم اكتشف أنه لا يملك شيئاً يملأ به ورقة الكشف عن الذمة المالية فرد قائلاً.. لا شيء.. قلت له: مثل هذا يستحق أن تجلدوه في التحرير إذ كيف سمح لنفسه أن ينجب كل هؤلاء الأولاد ولم يترك لهم شيئاً..؟ ما الذي كان يفعله غير الاستفادة من انطفاء الكهرباء للوفاء بمهمته المقدسة في التكاثر.. وضحك المطري وضحك فوزي القحم.. والفساد الذي أصبح آفة المجتمعات في واحد من تعريفاته هو إساءة استعمال السلطة العامة لتحقيق مكاسب شخصية.. غير أنه عندنا علامة حذق وشطارة.. فألف سد في اليمن أحمر عين.. «ورجّال» وهو في حارته جدير بالتقليد والمحاكاة.. وكثيراً ما يقول الأب عن ابنه الفاسد بأنه «ذيب وابن عقبه» على عكس أخيه «المقعّي» الذي ما أن يطرده مؤجر حتى يقذف بقلافده من الطاقة.. والأكثر ادهاشاً من السبع المدهش نفسه أننا أكثر بلدان العالم انتاجاً للهيئات والأجهزة المسؤولة عن مكافحة الفساد لكن هذه الهيئات سرعان ما تبدأ في تلاوة مبررات الوضع العام والخصوصية اليمنية.. والقضاء والقدر حتى مجلس النواب يشغلنا بخلافاته الجهوية عن دوره الرقابي ولا يتفق إلاّ على مخصصات أعضائه. وذات مقيل في منزل الأستاذ عبدالسلام العنسي سألت المرحوم أحمد الإرياني رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة حينها عن دور الجهاز في شكم غول الفساد فقال.. انتم تخطئون في الصحافة عندما تطالبوننا بتفعيل دور الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة .. وتابع.. الجهاز مفعل.. لكنه مقيد بحكم القانون نفسه.. تخيلوا جهاز رقابة ومحاسبة «مقيد» ولا يقوم بأكثر من كتابة التقرير والمغادرة إلى حال سبيله .. وغير بعيد ما نسمعه دائماً من مسؤولي هيئة مكافحة الفساد من عبارات عجيبة مثل أن الفساد آفة عالمية وأن مسؤولية محاربته مسؤولية المجتمع.. وصحيح أنه آفة عالمية لكن العالم يحاربه حتى أن من تحوم حوله تهتم فساد في اليابان يسارع إلى صعود «الاسانسير» وهناك.. من الدور السابع بعد المائة يرجم بنفسه خوفاً من العقوبة ورعباً من الفضيحة.. ولقد ابتليت بلادنا بفاسدين أشكالاً وأحجاماً ودرجات.. فاسدينن بوقاحة وعيون حمراء.. وفاسدي مناقصات وعمولات وغش في المواصفات وفاسدين بالسر وإخفاء الحقائق ورفض الشفافية والاحتماء بجماعات فاسدة واعتبار المال العام صرفاً وإيراداً أسراراً حربية لا يجوز أن يطلع عليها أحد رغم أننا في زمن مخلوع لم يعد فيه المخرج يقول للمثلة ماذا ستلبسين في الفيلم أو المسلسل وإنما يقول لها ماذا ستخلعين.. مع ذلك.. ورغم أننا في زمن احتضار النزاهة وإشراف بعض مكارم الأخلاق على الهلاك إلاّ أن دواليب الحياة تدور حيث سيأتي يوم تخرج فيه قرود الفساد تحت شمس الشتاء وتحت أمطار الصيف.