من صفحة أستاذنا وشيخنا الدكتور عبدالعزيز المقالح بصحيفة «26سبتمبر» كان يطل علينا أسبوعياً بسماحته التي تعبر عنها عينان تَرَيان كل زاوية في عموم الوطن وما في صدور أبنائه من آلام وآمال، ويأس وتفاؤل، وغضب ومحبه.. كان يطل علينا الشاعر المبدع إسماعيل الوريث (بفوح الياسمين) الذي يملأ قلوبنا انتعاشاً، وسماءنا عبيراً وعِشقاً وكأنه يريد تعويضنا عن تواريه في منزله وعزوفه عما رأى فيه صغائر الدنيا، في زحام التكالب عليها.. مات صاحبي وتِربيْ وشقيقي الروحي- كما وصفه الصديق الدكتور محمد أحمد جرهم وهو يعزيني بفقد إسماعيل- ومات زميلي في النشأة الأولى بمدينة ذمار، وفي الإمساك بالقلم وقرع باب القصيدة في سن الطفولة المتأخرة (السادسة عشرة) وفي العمل النقابي الأدبي، والانتماء الحزبي الذي عرفنا سوياً اننا لا نصلح له.. مات من شاطرني توارث صداقة وزمالة الأدباء قبل الارتباط الأسري عبر علاقة المصاهرة.. وشريكي في الغناء لسنوات في ليالي الانتظار الطويل لحلم الوحدة الذي أرى أن من عوامل توقف قلب إسماعيل، انتكاسة تعرض لها ذلكم الحلم، كما توقف قلب شيخنا الأستاذ عُمر الجاوي بعد حرب صيف 1994م ويوسف الشحاري ومحمد الربادي.. مات من رأسته ورأسني وزاملني في وقت واحد، حيث كنت رئيساً لاتحاد الأدباء فرع صنعاء- لثلاث دورات- وهو عضو فيه، وشغل موقع الأمين العام للاتحاد وأنا نائب له.. وكنا سوياً أعضاء في المجلس التنفيذي للاتحاد.. الذي كان قلعتنا وحصننا الشامخ، وتشاركنا القرار فيما نخدمه خارجياً ويمنياً.. وشراء مقر للاتحاد وفرع صنعاء من المبالغ الموفرة وبناء صالة وقاعة محاضرات بتبرعات من الأساتذة أحمد جابر عفيف ومحسن العيني والدكتور محمد القوسي.. تشاركنا في الحِلِّ وفي الترحال، في مهمات ومهرجانات أدبية داخلية وخارجية، وتشاركنا عام الميلاد، ولم نتشارك عام الوفاة-ومن يدري فما زالت في عامنا هذا بقية- وهذا ما قلته لنفسي مساء الأمس وأنا أنظر إلى صور ذكريات جمعتنا في مدينة عدن قبل قيام الوحدة، وفي مهرجانات المريد في العراق وفي باريس ونحن في طريقنا إلى المملكة المغربية لحضور المؤتمر العام لاتحاد الأدباء العرب الرابع ومهرجان الشعر العربي ال15 عام 1995م.. رأيت صورة تجمع المرحوم الأستاذ عبدالرحمن الأهدل والزميل المرحوم الأستاذ إسماعيل الوريث، وأنا، هكذا كان الترتيب من اليمين إلى اليسار، وقلت لنفسي ها هي يد القدر تمتد إلينا حسب الترتيب في الصورة؛ عبدالرحمن، ثم إسماعيل، فمتى سألحق بهم..؟ وأتذكر أن الشعور نفسه قد انتابني بعد وفاة صديقي القاص زيد مطيع دماج عندما وجدت في (البومي) صورة تجمعني به والزميل الناقد فؤاد علي عبدالعزيز في العاصمة القطرية- الدوحة في الأسبوع الثقافي اليمني في قطر عام 1982م، كان ترتيبنا في الصورة من اليمين فؤاد، ثم زيد، ثم عباس، وكان فؤاد قد توفي وتلاه زيد، فقلت لنفسي هل جاء الدور على عباس..؟ إنها أعمار بيد الله لا ننكر هذا أبداً، وإن كان الشاعر يقول: «والموت نقَّادٌ على كَفِّهِ .:. جواهر يختار منها الجياد» بقي سؤال مفاده: هل مات صديقي وزميلي إسماعيل بدنو أجله أم هو خرم الأجل لا بالقتل المباشر، ولكن بالإهمال، وعدم الاهتمام بمعانات المبدعين، ومن عضة الدهر إلى إطباق الأمراض..؟ ليعذرني العزيز إسماعيل.. فقد ماتت كلماتي لهول الصدمة والفاجعة، وقبلي قال الشاعر الكبير الأستاذ عبدالله عبدالوهاب نعمان (الفضول) حين استشهد شقيق روحه الأستاذ محمد أحمد نعمان «صاحبي مات، فماتت كلماتي».