عندما تحدث رئيس الوزراء الاسباني السابق خوسيه ماريا اثنار عن خطر تمويل الارهاب وأكد وجوب بحث الدول الاسلامية والغربية عن طرق لقطع هذا التمويل من اجل القضاء على التنظيمات الارهابية، وُصف كلامه بالهذيان الهادف الى تحويل الانظار عن اساس المشكلة. لكن تبين ان الشبكات والخلايا الارهابية، تستعمل اساليب معقدة للتمويل، وهي عرضة للانهيار والتحول الى دكاكين ارهابية صغيرة، في حال تمكنت الدول من فك لغز تلك الاساليب وقطع التمويل. وتأكد ما قاله اثنار قبل سنتين بعد الاعتداءات الاولى التي ضربت اوروبا عبر تفجيرات قطارات مدريد (2004) والتحقيقات التي تلتها وأكدت تواصل المجموعات المتطرفة بين بعضها بعضاً واتباعها طرق التمويل نفسها تقريباً في انحاء القارة، ثم جاءت اعتداءات لندن ومحاولات تفجير كشفتها اجهزة الامن، خُطط بعضها من داخل السجون، وقال مفوض العدل والداخلية الاوروبي ان المخططات تعد بالمئات. ويطرح ذلك جدياً موضوع الحريات واستغلال المتطرفين الانظمة الديموقراطية وتساهلها واحترام دول الغرب تقاليد وعادات نحو 15 مليون مسلم يعيشون في اوروبا. وتبين ان «الجهاديين» او «الارهابيين الدوليين» يختبئون وراء الاكثرية المسلمة المسالمة وينفذون مخططاتهم الارهابية التي لا تمت للدين بأي صلة. وعلى رغم ان المجتمعات الاوروبية تعرف ذلك، فانها اصبحت تعيش حالاً نفسية دفعتها الى طرح تساؤلات حول الاندماج والتعايش خصوصاً بعدما تبين فشل النموذجين البريطاني حيث يشكل المسلمون نسبة 2.7 في المئة من السكان والفرنسي (8 في المئة). وفي حين تؤكد الاحصاءات ان شبح ارهاب «الجهاديين» يطارد نسبة كبيرة من الاوروبيين، خصوصاً في ايطاليا والمانيا وفرنسا واسبانيا، يسرع مسؤولو الامن والداخلية بعد كل اعتقالات جديدة الى طمأنة المواطنين وتأكيد عدم العثور على اي ادلة تشير الى مخطط ارهابي كان سيحصل. ربما كان ذلك صحيحاً، لكن دوافع الاعتقالات في معظم الاحيان هي قطع سبل تمويل خلايا تخطط لاعتداءات، اذ ان اكثرية المعتقلين في الآونة الاخيرة يمتهنون تجارة المخدرات والتزوير والسرقة والنشل، رغم انتمائهم الى مجموعات وجنسيات مختلفة خرجت اخيراً عن التقليدية منها(المغربية والجزائرية والسورية والمصرية والعراقية والباكستانية) لتطاول مواطنين من صربيا وغانا واثيوبيا وبيلاروسيا واذربيجان وحتى اوروبيين غربيين، ما يشير الى ان اوروبا تواجه تهديد «الارهاب الجهادي» من داخلها وتسير بخطى ثابتة بالتعاون مع دول اسلامية مهمة مثل السعودية والمغرب والجزائر وتركيا وباكستان في اتجاه القضاء على مصادر تمويله ووقف عمليات تجنيده للشباب وتدمير جهازه اللوجستي وتفكيك شبكاته لتضيع خلاياه وتفقد وجهتها وسط مجتمعات اسلامية واوروبية تنبذها وتخشاها وترفض وجودها وتدين اعمالها وتأبى الاستسلام لمشيئتها. وتعتقد الشرطة في اوروبا ان المتهم المطلوب بتفجيرات مدريد محمد الفلاح نفذ عملية انتحارية في العراق، وان اثنين من الذين اعتقلوا خلال الشهر الجاري كانا سيلتحقان بأبي مصعب الزرقاوي في العراق. اما ايطاليا فتعيش حال خوف لا مثيل له. وتقول حساباتها انه اذا كان الجهاديون يقصدون ضرب حلفاء الرئيس الاميركي جورج بوش، فيأتي دورها بعد اسبانيا وبريطانيا. وتشير دراساتها الى وجود 13246 مركز خطر على ارضها (ايطالية و اطلسية و اميركية ودولية) وضعت لحراستها 18061 شرطياً و 2500 جندي في 60 محافظة مختلفة. كما جنّدت 19245 موظفاً لمراقبة 13 الف صفحة على شبكة الانترنت مشكوك بأمرها، بعدما علمت ان اجهزة الشرطة في دول اوروبية اخرى عثرت على مئات الصفحات وآلاف العناوين الالكترونية التي يستعملها «جهاديون» لنقل المعلومات ويتبادلون من خلالها المعلومات حول المتفجرات ويمتدحون فيها العمليات الانتحارية. وتعتقد شرطة الدول الاوروبية ان زعيم تنظيم «القاعدة» اسامة بن لادن تخلى عن مراكز التدريب التابعة له في افغانستان للسلفيين الجزائريين. وكشفت الشرطة تحرك مجموعات سلفية مثل «التكفير والهجرة» السرية المغلقة جدا والتي تعتبرها الاستخبارات الفرنسية الاكثر تشدداً بين الراديكاليين والتي انشأت في اسبانيا ستة مساجد من اصل 600 للتبشير وتجنيد الشباب. كما اوقفت لندن بناء على طلب مدريد احد قادة المجموعة، السوري معتز الملاح شقيق مهند ( احد زعماء «نادي البغض» بحسب التسمية الامنية)، ثم كشفت اجهزة اوروبا مكان وجود مجموعات تتغير تسمياتها في دولها او تعمل لمصلحة اخرى بأسماء مختلفة للتضليل والتمويه. وباتت مقتنعة أن تنظيم «القاعدة» اصبح بمثابة «ماركة» يستعملها الارهاب. وتحققت هذه السلطات من وجود امتدادات وتواصل وتشابك مالي ولوجيستي لاعتداءات مدريدولندن وبقية محاولات تنفيذ اعتداءات مع ما تطلق عليه تسمية «لندنستان وميلانوستان و باريسستان ومدريدستان وهامبورغستان»، في اشارة الى المجموعات «الجهادية» العاملة في هذه المدن. وركزت تحقيقاتها على التمويل، ما قادها الى ناشطين في حركات مثل «الجماعة السلفية للقتال والتبشير» الجزائرية او جماعة «المقاتلين المغاربة» او «عصبة الانصار «وغيرها التي تستعمل ماركة «القاعدة» حسبما تبين من الاعتقالات الاخيرة التي تسببت خلال شهر مضى بتوقيف نحو خمسين شخصاً في بلدان اوروبية عدة ارتبطوا ببعضهم بعضاً بشكل مباشر او غير مباشر. وعلى رغم ان المحققين يلاحقون الاموال التي تجمعها خلايا من «صغار المجرمين» لتمويل عمليات «كبار الارهابييين»، الا ان الحصول على هذه الارصدة وتحريكها لا يحصل دائماً بشكل غير شرعي. ويؤكد صندوق النقد الدولي ان النشاطات الارهابية تحرك نسبة 10 في المئة من ثروات العالم، اذ تاجر تنظيم «القاعدة منذ عام 1993 بحجر الالماس، واحتفظ بحجارته «لليوم الاسود». وتتعاطف بعض المصارف مع المجموعات الجهادية وتعمل شركات عادية على تسهيل اعمالها. ويأتي تمويل آخر من طريق البورصة او مؤسسات خيرية وهمية تعمل لحساب الارهابيين. اما تجارة المخدرات فتسير في طريق تجارة السلاح وتبييض الاموال نفسه في سبيل تسهيل الارهاب. ومن وسائل التمويل ايضا ما يمر عبر حوالات كما يجري مع اموال السرقة والنشل والتزوير والتي اعترف وزير الداخلية الاسباني خوسيه انتونيو ان كشفها امر معقد للغاية، اضافة الى نقل الاموال وتسليمها شخصياً الى مجموعات في الجزائر وسواها من الدول حسبما كشف بعد اعتقال افراد المجموعات السلفية في اوروبا اخيراً. ولكن اذا صح ما يقوله السياسي الاسباني غوستافو دي اريستيغي في كتابه «الجهاد في اسبانيا وملاحقة فكرة استعادة الاندلس له» من ان حرب العراق ووضع فلسطين اكذوبة وعذر لا يبرران الارهاب، وان هذه المجموعات تحن الى الاندلس واعادة أسلمته فتستعمل الحرية الدينية والمهاجرين ووسائل شرعية اخرى لتحقيق اهدافها، فلماذا يمتد الارهاب الى جغرافية اوروبا؟ ربما لاشباع غرائز اشخاص مرضى ومأجورين لا يعرفون الا لغة القتل، و لا يستطيعون العيش من دون زرع الخوف والالم والعنف. صحيفة الحياة