فعل التزوير فعله في تسميم أجواء ما بعد الانتخابات في العراق. اليوم باتوا يقولون بعدما رفضوا الاعتراف بحصول هذا التزوير، ان هناك اتجاهاً لإلغاء نتائج عدد من الصناديق. ويضيفون ان هذا لا يغير النتائج في شكل جوهري. حسن، ألا يجدر تحديد من زوّر وإدانته، ألا تجدر معرفة لماذا زور طالما أنه واثق بقوته وانتصاره؟ الأخطر ان اتصالات لطبخ الائتلاف الحكومي مضت من دون التوقف عند مسألة التزوير، وهي تتجه الى تجديد الصيغة التي كانت قائمة في الحكومة الحالية مع شيء من التلوين السني. كان يفترض ان تكون تجربة حكومة ابراهيم الجعفري قد علّمت الأطراف العراقية شيئاً، إلا ان طبيعة الاتصالات الشيعية - الكردية والافكار المتبادلة والصفقات التطبيقية لها تظهر ان هذين الطرفين لم يخرجا من عقلية الفئوية للدخول في عقلية الدولة. إذا كان هناك بحث عن حكومة وحدة وطنية فإن الطريق اليها قد ضل العنوان منذ البداية. فالائتلاف الحكومي الشيعي - الكردي برهن سابقاً على ما يستطيعه وما يعبر عنه وما يهدف اليه. ستبقى القاعدة هي المحاصصة، وسيبقى المبدأ هو ان الدولة الناشئة لا بد ان تكون دولة حلفاء الاحتلال، الذين «انتصروا» بواسطته وبنوا نفوذهم على قوته العسكرية. وبعد ان يحتل ممثلو هذا التحالف الثنائي المقاعد التي يستحسنونها سيرون ما بإمكانهم ان يمنحوا الآخرين، لزوم إكمال الديكور. حتى الآن لم يبد ان هناك احتمالاً آخر، بغض النظر عما يتداول في الكواليس، فهذه هي القاعدة في اي مكان يعتبر فيه طرف ان الدولة دولته وان الغالبية غالبيته، لكننا في العراق، وفي نظام لا يزال يتشكل ويبحث عن هوية، يعاني من أقليته التي كانت حاكمة وتخوض مقاومة للوضع الراهن. ثم ان «المنتصرين» يبعدون كل يوم أكثر فأكثر عن احتمالات الصيغة الفريدة الخلاقة التي يحتمها قيام نظام مقبول من جميع مكونات المجتمع. فالطائفة التي حرمت سابقاً من حقها في السلطة، جاءت الى هذه السلطة في ظروف لم تعد الطائفة تكفي وحدها، بل ان تجربة الطائفة السابقة (حتى لو لم تكن ذات غالبية) لم تكن بدورها ناجحة وبراقة. على العكس، إذا كان هناك شيء يفترض تعلمه من تجربة الحكم السابق فهو ان أي نظام جديد مقبول لا بد ان يقوم على مبدأ الحقوق والتنمية للجميع، وبالتالي فالسلطة والأمن للجميع، وأخيراً الدولة دولة للجميع. لا شك ان في الإمكان فرض دولة الطائفة، لكن هذه لن تكون أكثر من تكرار لما سبقها. وقد رأينا ممارسات مشينة تؤكد تقليد الدولة الجديدة لتلك التي سقطت واندثرت. فمن الواضح ان الحكام الجدد لم يهجسوا إلا بالمصالح التي تهمهم كفئات، أحزاباً أو تنظيمات كانت في المعارضة. وعلى رغم جدول الاعمال الموضوع للبلد - انتخابات، حكومة انتقالية، دستور، انتخابات، حكومة - فإنهم لا يبدون مستعدين أو حتى وارد ان يهجسوا ب «دولة وبلد للجميع». هذه هي الحقيقة الصعبة التي اكتشفها الأميركيون وباتوا متوجسين من المقلب الذي وقعوا فيه، الى الحد الذي يضطر الرئيس الاميركي الى استدعاء خبرة وزراء الخارجية والدفاع الحاليين والسابقين سعياً الى استنباط «وحدة صف» وتفكير مشترك في ما يمكن عمله لاصلاح الخطأ من دون الاستغناء عن «الانتصار» في العراق. وسط كل ذلك، يبدو ان الجميع نسي استحقاقاً كان شُرع فيه قبيل الانتخابات: المصالحة الوطنية. الا يزال لمؤتمر المصالحة موعد حقيقي في شباط (فبراير)، هل تظهر الحكومة الجديدة قبل هذا المؤتمر، كيف تؤلف الحكومة من دون ان تكون هناك مصالحة، وكيف تجري المصالحة قبل ان يعدّل الدستور؟ اسئلة تشغل الكثير من الدوائر خارج العراق، إلا أنها لا تشغل الحكام الجدد في بغداد. للأسف، فالمستفيد الوحيد من البلبلة والإهمال والتعصب هو «الارهاب» والارهاب المضاد، تنظيم «القاعدة» وتنظيم الميليشيات. يخشى ان تكون الانتخابات قد ضربت مشروع المصالحة، إلا إذا أفلح التدخل الاميركي في جعل الحكومة الجديدة نواة لاستكمال السعي الى تلك المصالحة. صحيفة الحياة