صعقت أنباء فوز حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الانتخابات البرلمانية على أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية وأذهلت جزءا كبيرا من المجتمع العالمي. ولم ينذر أي شيء لا استطلاعات الرأي العام ولا معطيات الباحثين بأن "حماس" وبالأحرى الكتلة الانتخابية التي أنشأتها تحت اسم "التغيير والإصلاح" ستحصد لا مجرد أغلبية الأصوات بل أكثر من خمسين بالمائة منها وستحصل بالتالي على الحق في تشكيل الحكومة. ويعتبر عدد من الخبراء المستشرقين الروس أن فوز حركة حماس في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية خلط الأوراق في ميزان القوى القائم في المنطقة. بيد أنهم لا يميلون على وجه العموم إلى المغالاة في تصوير الوضع الناشئ على "نحو دراماتيكي". ويمكن أن نوافق على رأي أحد الخبراء الروس الذي وصف نتائج الاقتراع هناك بأنها تمثل "نموذجا احتجاجيا كلاسيكيا". فالعديد من الفلسطينيين الذين خيب حكم منظمة فتح الانفرادي عمليا خلال عشرات السنين كل آمالهم أثرت عليهم حركة حماس التي رفعت شعارات الإصلاحات والتغييرات نحو الأفضل. ولا يجوز نسيان حقيقة أن معظم الذين توجهوا إلى مراكز الاقتراع هم من جيل الفلسطينيين الذي ولد وتربى في ظل الاحتلال الإسرائيلي وأن أغلبيتهم شباب يعجبون، كما هو المعروف، بالشعارات الراديكالية الرنانة. وفي الوقت نفسه يدعو خبير الشؤون الإسلامية البروفسور يفيم رضوان من سانت بطرسبورغ لعدم المبالغة في مدى انتشار النزعات المتطرفة الراديكالية وسط المجتمع الفلسطيني. ويعتبر الباحث أن هذه التطورات تقف وراءها تصريحات شديدة اللهجة معادية لإسرائيل رددتها كل المنظمات الفلسطينية عبر السنوات الطوال. وقال إن هذه التصريحات سوف تشتد على الأرجح في المستقبل القريب بفعل نشوة انتصار حماس في الانتخابات. ولكن على مدى أبعد وإذا ترأست حماس الحكومة الوطنية الفلسطينية أو انضمت إليها فسوف تضطر الى مراعاة واقعيات الحياة والتعامل مع الإسرائيليين ضمن حدود الشرعية الدولية. وسوف يتطلب ذلك تغيرا ملموسا في وجهات نظر قيادة حركة حماس وسياستها على الصعيد الدولي. ثم أن السياسة اليوم تتشابك بصورة وثيقة مع الاقتصاد. وبدون إدراك هذه الحقيقة قد تحرم هذه المنظمة نفسها من المساعدات الكبيرة الآتية من المجتمع الدولي وبالدرجة الأولى من الاتحاد الأوروبي.