فوز حركة حماس في الانتخابات أحدث دوياً قوياً على الساحة السياسية العالمية، واخذ الساسة والمحللون يتداولون الاحتمالات والآخرون يضعون الشروط والجميع بدأ يعيد حساباته في ضوء الحدث. والجميع الآن بانتظار حماس وحكومتها المرتقبة. تنامت حركة حماس وأخذت حيزها الطبيعي بين الشعب الفلسطيني الذي وجد فيها ضالته خصوصاً وأن الحركة وضعت في حسابها تحقيق أهداف أخرى تتماشى مع أهدافها الاستراتيجية. وهذه تتلخص بمجالين الأول هو خدمة الشعب الفلسطيني من خلال بناء المستشفيات ومساعدة المجتمع الفلسطيني المنكوب فهذه الحركة أسعفت شعبها بما تستطيعه من مد يد المساعدة له من خلال مداواة جروحه رغم قلة مواردها مما كسبت عطف الشعب. والاتجاه الثاني هو استمرار العمل العسكري ضدا إسرائيل، وعلى هذا اعتمدت حماس بناء قاعدتها الجماهيرية، وكان نتاج هذين الاتجاهين ان الحركة ومنذ 2003 أصبحت أكثر جماهيرية في فلسطين وبذات الوقت اكبر حركة إرهابية في نظر اسرائيل. اتجهت حماس إلى التخطيط لبناء قاعدة جماهيرية وهذا يحتم عليها التخفيف من تشددها ذي الطابع العسكري والاستعانة بجناحها السياسي وتفعيله بين الجماهير والانفتاح نحو الخارج، وفعلا وصلت حماس إلى غاياتها ودخلت انتخابات 2006 . ولم يكن احد من المراقبين أو الساسة يتوقع فوز حماس في الانتخابات... ويقدر لحماس الفوز بأغلبية المقاعد البرلمانية وأصبح معه من حق حماس ان تشكل الحكومة ووفقا للشرعية الدولية. وهنا لابد لنا أن نسجل ونشيد بموقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقادة فتح وأعضاء السلطة الفلسطينية لمواقفهم الايجابية من الانتخابات واحترامهم لإرادة واختيارات الشعب الفلسطيني في هذه الانتخابات وأثبتوا أنهم قادة مؤمنون بالديمقراطية كما يتحتم هنا الإشادة أيضاً بمواقف دول المنطقة لمساهمتها في نجاح هذه الانتخابات وعدم التدخل أو التأثير بها. حماس... كسبت المعركة وهي اقل تشددا مما كانت عليه من قبل ويمكن لأوروبا وأميركا وإسرائيل ان يستثمروا توجهات الحركة الجديدة خصوصا ان الحركة أعلنت انها باتجاه جمع سلاح المقاومة وضم جميع الفصائل الفلسطينية في جيش موحد وهذه بحد ذاتها نقطة ايجابية في صالح المنطقة والمجتمع الدولي. وحركة حماس ليست هي الحركة الأولى التي ستتحول من العمل العسكري إلى منظمة سياسية لها فكر وتتسلم سلطة وتضم سلاحها إلى جيش يكون مهامه بناء الدولة فقد سبقتها تجارب عديدة في العالم وأقربها الميليشيات الإسرائيلية . والتي بعد إعلان دولة إسرائيل انضمت مع بعضها لتشكيل جيش إسرائيل وكذلك هذا ما حصل مع الجيش الجمهوري الايرلندي السري الذي تحول إلى الحياة السياسية. إذن المطلوب هنا ان لا تمارس إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا والمجتمع الدولي بصورة عامة الضغط ضد حماس لحملها على رد فعل يحسب ضدها عالميا ونحن على يقين ان قادة حماس واعون لهذه العملية وحاسبون لها حساباً. بل ان على جميع دول العالم الأخذ بيد حماس ومساعدتها على برنامجها الانتخابي الذي بدأته عبر لائحة (التغيير والاصلاح) فهي قادمة بقوة لحماية الشعب الفلسطيني وتحقيق أهدافه وهي وكما اعلنت انها مستعدة للدخول في هدنة طويلة مع إسرائيل . وهذا مؤشر ايجابي آخر يساعد على احلال السلام العالمي، ومن الممكن ان تتحول حماس الى سلطة فلسطينية أكثر استقرارا وفائدة لشعبها وللمنطقة، خصوصاً ان حماس أعلنت ان المساعدات التي تقدم للشعب الفلسطيني لن تستخدم في المقاومة المسلحة ضد إسرائيل. وكما هو مطلوب من اسرائيل والمجتمع الدولي عدم الضغط على حماس والاتجاه إلى توتر العلاقات ففي المقابل فان على حماس ان تعلم أنها عندما دخلت الانتخابات بهدف الوصول الى السلطة معناه ان حماس مؤمنة بقرارات أوسلو 1993 والتي كانت الانتخابات إحدى مقرراتها. وبالتالي لا يمكن لها أن تقف لوحدها ضد رغبة المجتمع الدولي خصوصاً بعد أن قطعت مسيرة السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين خطوات كبيرة. وعلى حماس أن تعد العدة لكسب الرأي العام الدولي من خلال تنفيذها للقرارات الدولية. ان قطع المساعدات عن الشعب الفلسطيني سوف يؤدي إلى الإضرار به من جهة، ومن جهة أخرى ستخسر تلك الإدارات السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني فتكون الخسارة مضاعفة، لذا ينصح الساسة تلك الإدارات بالرجوع إلى العقل والمنطق في التعامل مع الشعب الفلسطيني وإدارته الجديدة باتجاه السلام الحقيقي في المنطقة. ومن نظرة إلى الماضي القريب نجد أن حركة فتح كانت في وضع حماس نفسه حيث كان الطابع الغالب عليها هو العمل العسكري الا أن هذه الحركة أعطيت لها الفرص والدعم وتحولت إلى العمل السياسي برئاسة ياسر عرفات الذي وصل إلى قناعة تامة، كما وصل إليها الجميع في العالم، ان خيار السلام هو الطريق الأسلم لاستقرار المنطقة . وعلى هذا منح العالم جائزة نوبل للسلام إلى الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عام 1994 مع اسحق رابين رئيس وزراء اسرائيل وشمعون بيريز وزير خارجيته آنذاك، كما ان الرئيس ياسر عرفات انشأ الشخصية الاعتبارية لدولة فلسطين وشكل حكومتها وبسط فيها النظام والقانون وهذا الشيء سجله التاريخ في صالح الرجل. ان حركة حماس بعد ان كانت مترددة في المشاركة في السلطة وصلت إلى درجة تريد الدخول في معترك السلطة ودخلت الانتخابات، ومعنى ذلك أن هناك تغيراً طرأ على هذه الحركة ونجد من الأفضل على هذه الحركة الاستمرار بما بدأته حركة فتح والاستمرار في عملية السلام خدمة لاستقرار المنطقة، وأن فشل عملية السلام معناه خسارة لجانبي القضية. لذا نجد على المجتمع الدولي أن يسعى جاهدا إلى استيعاب المرحلة الحالية واعطاء الثقة إلى حماس ودفعها نحو الشرعية الدولية واتمام عملية السلام وبخلافه سنجد ان الوضع سوف يزداد سوءاً خصوصاً مع أوضاع المنطقة والظروف في أفغانستان والعراق وإيران. لذا نشدد على منح حماس الفرصة كما منحت من قبل لفتح ونحن على يقين ان حماس سوف يكون لها رأي في سلام عادل في المنطقة وليس من المستبعد من بعد ذلك ان نجد رجالات حماس هم رجالات السلطة الفلسطينية ضيوف شرف ومتحدثين في منتدى دافوس لعام 2007 م. [email protected] قانوني وكاتب إماراتي صحيفة البيان