تحل علينا ذكرى ثورة 21 سبتمبر المجيدة، كمحطة مضيئة في تاريخ اليمن الحديث، ليس فقط لأنها علامة فارقة في الصراع على طريق الانعتاق الوطني من براثن الظلم والهيمنة نحو الحرية والاستقلال، بل لأنها تجسيد حي لإرادة شعب صامد في مواجهة كل أشكال العدوان، المادي والفكري. هذه الثورة، التي انطلقت من ضمير الشعب بكل مكوناته وأطيافه لتستعيد كرامة الوطن وسيادته، استطاعت أن تعيد لليمن الوعي بهويته الوطنية، وأرست أسساً متينة لمواجهة الغزو الفكري والإعلامي الذي لا يقل تأثيرًا عن القصف والصواريخ. لقد أدركت الثورة منذ بداياتها أن المعركة الحقيقية ليست فقط في الميدان العسكري، بل هي معركة فكرية وثقافية وحضارية، معركة وعي تحصن الذات الفردية والجماعية من الغزو الناعم الذي يهدف إلى طمس الانتماء الوطني وتشتيت الوعي الشعبي ويشكل تهديدًا وجوديًا للهوية الوطنية والإيمانية. ومن هنا، أصبح تعزيز الوعي وتحصين القيم الوطنية جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية الثورة، فعملت على غرس مفاهيم المقاومة، والاعتماد على الذات، والانتماء الحقيقي للوطن في وجدان كل مواطن، صغيرًا كان أو كبيرًا، لتكون اليمن عصية على كل محاولات التفكيك والتجهيل التي يفرضها أعداؤها، وهنا تكمن قوة الثورة اليمنية: في قدرتها على تحويل الوعي الوطني إلى فعل يومي، ورفع كل مواطن إلى مستوى المسؤولية التاريخية، ليس دفاعًا عن الأرض فقط، بل عن كرامة الأمة وهويتها. ومن مخرجات هذه الثورة الشعبية، تصدرت اليمن الموقف الداعم للمقاومة الفلسطينية، مؤكدة للعالم أن الدعم اليمني ليس مجرد موقف سياسي، بل موقف أخلاقي وديني وإنساني يرفض الظلم والإبادة ويقف إلى جانب المظلومين في وجه قوى الاستكبار العالمي. لقد كان التفاف الشعب اليمني حول الثورة ومراحل التصعيد ضد العدو الصهيوني والأمريكي دليلًا واضحًا على صوابية الخيارات الثورية، وامتدادًا طبيعيًا للوعي الوطني المتجذر في نفوس المواطنين، هذا الالتفاف لم يكن مجرد دعم شكلي، بل تجسيد حي لموقف شعبي متماسك، واعٍ، ومدرك لمسؤولياته التاريخية. اليوم، ونحن نحتفي بذكرى الثورة، نستحضر التضحيات العظيمة التي قدمها الشعب اليمني، والصمود البطولي في مواجهة العدوان، والوعي المستنير الذي جعل من اليمن منارة للثورات العربية والإسلامية، كما نستذكر انه وفي هذا الشهر، ارتقت كوكبة من صحفيي صحيفة 26 سبتمبر شهداء في سبيل نقل الحقيقة وحماية رسالة الإعلام الوطني من العدوان الصهيوني. ومن هذا المنطلق نؤكد أن مسيرة الثورة مستمرة، وأن الالتفاف الشعبي حولها، ومساندة خطواتها التصعيدية في مواجهة العدو، هي الضمانة الحقيقية لاستمرار اليمن في تحقيق مكانة رائدة على الساحة الإقليمية والدولية، وقيادة موقف متميز في دعم القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. كما إن استشهاد الصحفيين في هذا الشهر يضيف إلى سبتمبر بعدًا آخر من البطولة والتضحية، ليصبح منارة لكل الأجيال، ودليلًا على أن الحقيقة والمهنية لا تهزمها رصاصات العدوان، وأن إرث اليمن المقاوم سيبقى خالدًا في ذاكرة التاريخ. سبتمبر ليس مجرد شهر في التقويم بالنسبة للذاكرة اليمنية كما أن ثورة 21 سبتمبر ليست مجرد يوم فيه، بل رمز للصمود والتحدي والوفاء للتضحيات الوطنية، ورسالة مستمرة لكل أعداء الأمة. وفي ملخص الرسالة أن الشعب اليمني الصامد يرفض الانكسار أمام الاحتلال والغزاة، ويواصل مسيرة الوعي والمقاومة، مسيرة أبطال وكوكبة من الإعلاميين الذين لم يهابوا المخاطر، ليبقوا صوتًا للحق، ومسيرة شعباً بوعيه وإيمانه وقيمه، سيظل صامدًا، وملتزمًا بمبادئه، رصينًا في مواجهة كل أشكال الغزو، وماضٍ في الدفاع عن قضايا الأمة بكل الوسائل المشروعة، حتى يتحقق العدل والحرية لشعوبها.