تناولنا في الحلقات السابقة الوضع الاقتصادي في ظل الحرب التداعيات والأسباب وفي هذه الحلقة تضع الحلول أمام القارئ والمتمثلة في أن الواقع الراهن في اليمن يؤكد وجود أموال وفوائض مالية هاربة إلى خارج الحدود منذ العام 2010م ومن العام الجاري تقدر بأكثر من واحد وثلاثين مليار دولار كان المأمول بهذه الأموال أن تنهض باليمن في أقل من خمسة عشر عاماً لكن المشاكل والعوائق السياسية والسياسات الاقتصادية الرخوة حالت دون توظيفها لإحداث نقلة وتنمية حقيقة في البلاد ويجب هنا محاولة اجتذابها وإعادتها من جديد. كما أن هناك ضعفاً كبيراً في استغلال إمكاناتنا في استثمارات منتجة.. وعليه ينبغي إيجاد حلول نهائية لتنقية البيئة والأجواء وخلق المناخ المناسب والمشجع للاستثمار وإيجاد الأسواق المحلية خلال فترة الحرب لتصريف منتجاتنا وتحقيق الاكتفاء في أسواقنا المحلية والاستعداد للانتقال لما بعد مرحلة توقف الحرب بالتصدير إلى الخارج.. بالإضافة لضرورة تأسيس هيئة اقتصادية من مختصين ومتخصصين في الاقتصاد الصناعي والزراعي والتكنولوجي والعلمي تشرف وتنسق على هذا الانجاز بحيث يكون هدفه الأول بناء اقتصاد يمني مستقل بعيداً عن أية تبعات خارجية فالتجارب أثبتت محدوديته وعدم مقدرته على المواجهة والاستمرار خصوصاً في ظل الأزمات والحروب فالحل الوحيد ان نعمل جميعاً كلاً لا يتجزأ كفريق واحد بالتنسيق والتعاون على تقوية الاقتصاد من الداخل وليس من الخارج وتحصين مناعته حتى يتمكن في المستقبل من الدفاع عن نفسه والوقوف على قدميه مؤهلاً لينطلق إلى الخارج بكل ثقة واقتدار.. فاليمن تمتلك جملة من السلع المنافسة عالمياً والتي تستطيع أن تنافس وتفرض نفسها في عقر دار الصناعات العالمية العريقة. ومن هذا المنبر أقول إنه لابد من إنشاء الهيئة الاقتصادية التي يكون أولى مهامها وواجباتها واختصاصاتها وضع التصورات وانجاز الدراسات العلمية والعملية من أجل البدء فوراً بالعمل مع ضمان وتلافي عدم حصول أي تضارب أو أي عوائق في الإنتاج الذي يمكن أن يؤدي إلى الكساد في التصريف.. و في النهاية أود القول أن اليمن ومعه العديد من البلدان العربية يواجه حرباً ظالمة مدمرة والتي منها الحرب في الجانب الاقتصادي والنقدي من قبل اباطرة النظام العالمي عبر عملائهم في المنطقة. وخلال هذه المرحلة وقف الكثير من السياسيين وصناع القرار وبعض المفكرين الاقتصاديين في حيره من أمرهم تائهين عن نقطة البداية غير مدركين أن الإرادة هي بداية الطريق نحو القمة وحينما توجد الإرادة المستقلة توجد الطريق لخوض نضال طويل لتحقيق نهضة شاملة عمادها الإنسان اليمني لتحقيق الأهداف الاقتصادية والتحرر والعدل والاستقلال من التبعية ومن هنا فإن حاجتنا ماسة لإرساء نظام اقتصادي يمني يستمد صورة في دروس تحارب الماضي ومقتضيات التصدي لكل التحديات التي تواجه وطننا . .القطاع المصرفي يتعرض القطاع المصرفي اليمني اليوم لهجمة شرسة محلياً وإقليميا ودولياً تشكك في قدراته وهذا أمر غير دقيق فالاستثناء لا يمكن أن يكون قاعدة بدليل أن هذه المصارف استطاعت الصمود خلال فترة الحرب والاستمرار رغم غياب أدوات السياسة النقدية والرقابة الفاعلة والضخ من قبل البنك المركزي إلى السوق المصرفية بالعملات المحلية والعملات الصعبة خلال السنوات الأخيرة بل وقيام البنك المركزي عدن باحتجاز أرصدة البنوك لديه الأمر الذي تسبب بندرة وغياب السيولة النقدية. ورغم موجه الشائعات حول أفضل البنوك اليمنية وقدرتها على تلبية متطلبات المودعين لديها إلا أنها قد عملت قدر المستطاع على تقديم أفضل وأسرع الخدمات لعملائها رغم توقف نظام السويفت مع العالم الأخر من البنوك الأجنبية ورغم ذلك فالبنوك اليمنية تتعرض لهجمة شرسة الهدف من ورائها هو تدمير وتحطيم ما لم تستطع الحرب القيام ضد الاقتصاد الوطني والقطاع المصرفي خصوصاً منذ بداية الحرب على اليمن . كل هذه الأسباب الهدف والمغزى منها هو تمرير قرارات سياسية واقتصادية ونقدية لمصلحة الدول الاستعمارية ولمصلحة المصارف الأجنبية التي سوف تحاول فرض نفسها ونشاطاتها مع نهاية توقف الحرب وإحلال السلام في اليمن وبداية مرحلة الإعمار برؤوس أموال ضخمة لتأتي عبر مؤسسات مالية وطنية مستفيدة بذلك من المرحلة القادمة ليبقى القهر والهيمنة والاحتكار قائماً وهنا يجب إطلاق جرس إنذار وتحذير خلال المرحلة القادمة وعلينا تدارك الأمر ولهذا اقترح وأنبه البنك المركزي والمصارف اليمنية وجمعية البنوك اليمنية إلى وضع إستراتيجية مصرفية لمواجهة المشاكل والتحديات التي تواجه العمل المصرفي في المستقبل بحيث تستند هذه الإستراتيجية إلى إعادة النظر في دور البنوك اليمنية ونجاحها مع مراسليها وفروعها ان كان لها فروع في الخارج لدعم التعاون المصرفي وتحسين الملائة والإدارة المصرفية التي شوهت الصورة خلال فترة الحرب. أسباب انهيار الريال اليمني المتسارع أمام الدولار وبقية العملات الأجنبية: منها أسباب سياسية تتعلق بظروف الحرب والدمار والقصف الجوي لدول التحالف وهو ما أدى إلى توقيف الحياة في البلد. بالإضافة إلى أسباب اقتصادية تأتي في مقدمتها توقف الموارد المالية بسبب توقف الصادرات النفطية وغير النفطية والتي بدورها أدت إلى شحة النقد الأجنبي وانسيابها إلى السوق المصرفي وذهاب جزء كبير منها إلى خارج خزينة الدولة بدلاً من البنك المركزي وبقائها محصورة حكراً على نخب سياسية معينة، في حين ما تبقى من الأموال المتوفرة في خزينة الدولة لا يغطي سوى 30% من الالتزامات الحتمية التشغيلية للأجهزة التنفيذية للدولة عبر البنك المركزي تجاه المواطنين وتجاه كل الفعاليات الاقتصادية يأتي على رأسها الأجور والمرتبات وتغطية الفاتورة الاستيرادية من الخارجة للسلع الأساسية وهذا ما زاد الطين بله في استنزاف ما تبقى من الاحتياطيات من النقد الأجنبي في الخارج وعدم قيام البنك المركزي عدن بمهامه كبنك مركزي يقوم بالتزامات الدولة تجاه كل اليمنيين وتجاه التزامات الدولة في الخارج وتمويل وتغطية الاعتمادات المستندية الاستيرادية بالنقد الأجنبي. ورغم أن حجم ما يسمى بالوديعة السعودية (ملياري دولار) إلا أنها ليست بحجم طلب الاحتياجات الاقتصادية في البلد رغم ان هذه الوديعة السعودية ظلت كبالونة لذر الرماد على العيون لليمني خاضعة لشروط سياسية واقتصادية لدول العدوان على اليمن لاعتبار أنها جزء من الحرب الاقتصادية في الجانب النقدي،ورغم مضي قرابة العامين على هذه الوديعة إلا انه لم بالسحب منها سوى (عشرين مليون دولار) فقط بطريقة ارتجالية لبعض المستوردين لتغذية السلع الخمس الرئيسية وفقاً لتعميم البنك المركزي (عدن) . وكان يفترض أن تقوم الإجراءات الحكومية باتخاذ جملة من القرارات والإجراءات والتدابير الاقتصادية الوقائية والرقابية الجريئة التي تؤدي وتساعد في تحسين عجز الموازنة من مصادر غير تضخمية لإيقاف التدهور في الجانب الاقتصادي والنقدي والمالي وعمل المواءمة من الإيرادات والنفقات. كما أن هناك سبباً آخر يرجع إلى المضاربات في السوق الموازية (السوق السوداء) والتي لا تستند إلى أية مبررات اقتصادية وهذه تتم على حساب الاقتصاد. بالإضافة لقيام قيام الحكومة باللجوء إلى الحلول السهلة وعدم القيام ببذل جهود مضنيه عملية لإدارة الأزمة القائمة في ظل اقتصاد الحرب على أرض الواقع أو توليد الدخل محلياً بل رمت مسببات الكثير من القضايا الاقتصادية والمالية على الخارج دون الولوج في البحث عن مخارج وحلول اقتصادية محلية أو قيامها بتصحيح المسار لبعض أجهزتها التنفيذية والقطاعات الانتاجية الواعدة رغم إمكانية الحلول لإصلاح وإيقاف هذا التدهور محليا دون اللجوء للغير.. و المراقب الحصيف للسوق والوضع الاقتصادي في اليمن لا يمكن أن يوصفه إلا بأنه اقتصاد غير اخلاقي يحكمه الاقتصاد الخفي لاعتبار انه لا يخضع لقوانين العرض والطلب ويتمثل هذا الاقتصاد الخفي بسوقين هما سوق المشتقات النفطية وسوق أسعار الصرف واللذين يستأثران بالسوق الاقتصادي بل وجعلت هذه الظروف من هذا الملف الاقتصادي لأن يدور خارج سيطرة الحكومة وأجهزتها التنفيذية (هنا وهناك) بل أن بعض القطاعات أصبحت خاضعة لسيطرة السوق السوداء وأصبحت تتبنى وتنفذ بعض المقترحات التي يمكن أن تخدم السوق السوداء عبر بعض الفاسدين الذين أصبحوا أداة من أدوات السوق السوداء. فعلى سبيل المثال ساهم هؤلاء الفاسدون بجانب دول العدوان بتعطيل وغياب دور البنك المركزي في تفعيل ادوات السياسة النقدية والرقابة الشديدة على سوق أسعار الصرف وأصبح سوق المشتقات النفطية وسوق أسعار الصرف في السوق السوداء هما السائدان وهي من تحدد أسعار الصرف في السوق المصرفي وليس البنك المركزي. كما أن غياب رقابة البنك المركزي وعدم فاعليتها في سوق أسعار الصرف لدى البنوك ولدى الصرافين المرخصين وغير المرخصين واكتفاء البنك المركزي بإصدار وتوزيع التعاميم على البنوك والصرافين دون التدخل الحقيقي بضخ السيولة إلى السوق أفقده مصداقيته وثقة كل المتعاملين معه. إلى جانب نزول التجار إلى السوق السوداء لشراء الدولار مباشرة وتجنيب لجنة المدفوعات (صنعاء) المشكلة سابقاً لإدارة أسعار الصرف وتحديد الاحتياج الفعلي للاقتصاد والقيام بعملية المصارفة بخلاف الاتفاقات والمحاضر الموقعة عند إعادة تفعيل دور شركة النفط لبيع وتوزيع المشتقات النفطية داخلياً وهذا الإجراء قد أخل بتوازن السوق الاقتصادي الرسمي وخدم ودعم السوق السوداء. عضو مجلس الشورى