الثقافة الشعبية هي موروث شعبي فلكلوري تتوارثه الأجيال جيلاً بعد جيل.. وهو عبارة عن مجموعة نماذج ومبادئ وقيم وعادات وتقاليد ترسبت في عقول الناس منذ قرون خلت عن الأجداد الأوائل وهي ملك عام, ومتداول بين الجميع دون حواجز أو ضوابط تحد من ممارسته, بل تجده أينما ذهبت داخل محيطك الجغرافي.. تتمحور الثقافة الشعبية حول أمور وأنماط حياتية عديدة.. حول مناسبات القبيلة وأعرافها, وأعيادها الاجتماعية والدينية.. ولذلك فهي حاضرة دائماً في كل المناسبات وفي قلب الحدث.. فهي بمثابة الحضن الدافئ للجمهور, لأنها جزء لا يتجزأ من شؤون حياته اليومية والعملية.. فهي تظل راسخة متجذرة في الوعي الجمعي الجماهيري.. لأنها نماذج معرفية ثابتة في قوالب جاهزة..فالتحديث إن حصل لها قد يكون محصوراً فقط في الشكل لا المضمون.. ولكن بمجيء عصر العولمة والانفتاح والثورة العلمية والتكنولوجية ودخول وسائل التواصل الاجتماعي بصورة هائلة أربك الثقافة الشعبية, وجعلها تتقهقر رويداً رويداً إلى الوراء.. وبدأت تتلاشى مفرداتها بين بعض أبنائها بسبب الغزو الفكري والعلمي والثقافي والحضاري.. حتى أصبح الكثير من الناس أسرى الصدمة الحضارية المفاجئة التي دخلت بيوتهم دون استئذان.. واختلط الحابل بالنابل.. وآثر الكثير من الناس أن يكونوا مع الخوالف في قائمة المستهلكين والمتفرجين والمدمنين لتلك الوسائل والأدوات الذكية.. لا يجيدون إلا العزف على ألحان الماضي.. والتغني بأمجاد ومآثر السابقين الذين صنعوا حضارةً سادت ثم بادت عبر القرون.. وللأسف أصبحنا اليوم نعلق كل أخطائنا على الماضي دون أن نقتحم الحاضر برؤى ثاقبة.. وطموح علمي مستقبلي استشرافي مواكب لروح العصر الحديث.. علماً أن أجدادنا العرب الأوائل أرسوا مداميك الحضارة العلمية والفكرية والثقافية قديماً.. وملأوا بها العالم..في ظل الزخم الثقافي والسياسي والفكري والفوضى الخلاقة التي اجتاحت دول المنطقة قاطبةً تناسينا مهامنا الوطنية والقومية والدينية ومشروعنا الحضاري الحداثي تجاه أوطاننا وشعوبنا.. وبدأنا بجلد الذات دون غيرنا.. وتجاهلنا مخططات ومؤامرات الأعداء من أبناء عروبتنا.. ومن غير عروبتنا من العلوج وأذنابهم..إلى متى يا ترى: تظل الأمة العربية والإسلامية في شتاتها الفكري والثقافي والسياسي..؟! بل أين دور علمائنا الأجلاء.. ونخبنا الأكاديمية والعلمية والثقافية.. وجهابذة سياسيينا ومفكرينا وخبرائنا في استنهاض الأمة ومقوماتها العلمية والثقافية والحضارية.. بدلاً من الركود والجمود الذي تعيش فيه..؟! لا نريد من علمائنا ونخبنا المثقفة سوى إيقاد شمعة واحدة فقط وسط هذا الظلام الدامس الذي يحيط بالأمة من كل حدبٍ وصوب.. المؤسف المعيب حقاً: أننا نرمي كل عيوبنا على الآخرين والعيب فينا نحن.. وكأننا ملائكة نمشي على الأرض.. وتناسينا أننا بشر نخطئ ونصيب.. لذا لابد أن نراجع حساباتنا وندرك واجباتنا ومهامنا الملقاة على عاتق كل منا تجاه الوطن أرضاً وإنساناً ووحدةً وهويةً وانتماءً.. دون ذلك نظل أمة بلا هوية.. بلا ماضٍ.. بلا تاريخ.. بلا حضارة..!!