قال عمرو بن براقة.. ثم أخذ سعد الحميري على بنته الحرة دولة عهده وميثاقه.. على العمل بوصيته بعد فراقه.. والسير في شعبه وشعبها سيرته الخلاقة وأن تعمل على ما فيه انتشالهم من حياة الفقر والفاقة بإقامة المشاريع العملاقة.. والنأي بهم عن الحروب وارتكاب الحماقة لتتجنب الإعاقة وتأخذ زمام الانطلاقة ولن يتسنى لها ذلك الا بالتصرف في الأمور بلباقة.. والمحافظة على وحدة الطيف.. وأعمال العقل والرأي والحكمة محل قوة السيف.. والتعامل مع مسائل الخلاف بعدل وإنصاف.. وقال لها.. اعلمي أن من ظلم الناس خاف.. ومن فارق جلده جاف. قال عمر بن براقة ثم قال لها معقباً.. ومرخماً لإسمها تحبباً اعلمي يا دويلة.. أنك ستصيرين بعدي المسؤولة.. في بلد تغلب عليه الرجولة وينافسك فيها المتربصون من ذوي الفحولة.. فاستعيني عليهم بإعطاء الناس مالهم من حقوق مكفولة ولا تحرميهم منها قيد انمولة. واياك أن تتغولي عليهم أو تتفردي وحدك بلعب ادوار البطولة.. فيتندرون عليك وينادونك بأمهم الغولة.. ويثورون عليك كما ثار البهلول على الحائط الساقط الذي لم يتعظ بما حصل للحائط المتساقط.. فسألته الحرة دولة وهي مذهولة وما قصة الحائط والبهلول.. فرد عليها أسعد: يُحكى أنه كان ثمة حائط من طين ومن ماء مهين قصده البهلول ابن البهلولة لغرض الاستناد به من تعب المشي والشمس فلاذ به ابتغاء القيلولة لكنه ظن عليه بظله ودفعه فضوله إلى التعالي بعرضه وطوله فلا تغرك السلطة كما غرت ذلك الحائط اللعين الذي ظل في العرين لثلث قرن من السنين حتى ظن أنه من الخالدين فظن بظله على العالمين فثاروا عليه أجمعين فصار من الغابرين بعد أن كان في قرار مكين قال عمرو بن براقة وفي صباح الاثنين اليوم السابع من جماد التاسع.. شرعت دولة بنت أسعد الحميري ابن الهدهاد الرابع.. للتحضير والإعداد لعقد مؤتمر جامع يُراد منه فتح صفحة الماضي على المضارع لقراءة الأسباب والدوافع التي أدت إلى الحروب والفواجع وخلَّفت الجراحات والمواجع وخلقت الهوة السحيقة ما بين الشابع والجائع في بلد كثير الراجع متعدد الموارد والمنابع.. خصب الوديان والمزارع وذلك للخروج من سوء الطالع باغتنام ما تبقى من الوقت الضائع في هذا الزمن المتسارع.. وأذَّنت دولة بنت أسعد بالنفير في جماهير العشير وقالت إن الأمر جد خطير وعليه يتوقف تقرير المصير.. وإني أدعوكم لأخذ العبر من ماضينا الأغر.. وترك عبادة الشمس والقمر وغيرها من الرموز والصور التي سببت الضرر وفرقتنا إلى أحزاب وزمر ومذاهب لا تبقي ولا تذر حتى صرنا مثلا بين البشر تفرقت أيدي سبأ وحمير .. فتعالوا معا نستهل هذا المؤتمر .. وارموا عقدكم وأضغانكم خلف ظهوركم .. تصلح أموركم وإياكم والردة .. والنكوص عن الوحدة.. فليس ذنبها ولا ذنب هذه البلدة ما قام به القيل «يعصد» والقيل «يهرش» .. حين حولاها إلى « عصدة « .. انتهت بموقعة بين العصايد.. التي سببت الفرقة والتباعد.. والقضية التي يراودها ما يراود ونسعى إلى حلها بدرء المفاسد وعدم الاستماع إلى ما يقوله بعض الأذواء والأقيال من ذوي المصالح والخائفين على فقدان نفوذهم بالتصالح والتسامح كذي يشحن وذي يحرش وذي يبرم وذي يرسم وذي يفتي وذي يفتن وغيرهم.. فاليوم هو يوم التعارف.. فكونوا أصحاب مواقف.