يحكى أنه: ما بين كوكب «البياع» وكوكب «المشتري» وما قبل العصر الكمبري و العصر الحجري نشأت عدة كويكبات متناثرة تشبه الأطباق الطائرة على سديم رقراق يدعى « الحلاق» تسكنه شعوب متجاورة يقال لهم العناترة وفي طبق من تلك الأطباق قامت حضارة واق الواق على شبه جزيرة مائرة في بحر يطلق عليه «القلزم» وبعضهم كان يسميه بحر الدم لكثرة انتشار شعب المرجان والعندم والأسماك والجمبري الذي ساعد حاكمها أسعد الحميري على المناورة والبقاء ومقاومة العواصف والأنواء ومواجهة القراصنة الأعداء وأطماع المناوئين والموالين على السواء الذين دارت عليهم الدائرة وصاروا في الأمم الغابرة في حين عاش شعب واق الواق في ظل حاكمه العبقري أسعد الحميري حياة عامرة وسعادة مالها آخرة حتى صارت بلاده تدعى بالسعيدة الفريدة وبعد سنين عديدة من سني حكمه المجيدة شعر بقرب انتهاء رصيده وسدول الستار على سيرته الحميدة فنادى على ابنته الوحيدة «دوله» وقال لها : إن أباك قد ناداه أجله وغاية ما يرجوه ويأمله أن تواصلي ما لم يكمله وإني أوصيك بشعب واق الوق وقيادته برفق وإشفاق فاتقي الله في كبيرهم وصغيرهم وأحسني تدبير أمورهم تنالي خيرهم وتتجنبي شرورهم وشاوريهم في الأمر تشبعي غرورهم وتطلعي على خبايا صدورهم ثم القى في أذنها بالهمس وقال لتكوني مثل الشمس ممنوعة من اللمس مستشعرة حواسك الخمس ولا تضيعي ما بناه أبوك في الأمس لقد تركت في يدك زمام شعب واق الواق وحدسي أنك خير من يقوده فتوكلي على معبودك ومعبوده الواحد في وجوده وثقي بنصره وتأييده فحافظي على السعيدة وقوديها القيادة الرشيدة لقد تركتها لديك غنية رغيده قوية شديدة فلا تركني إلى الغريب أو تستقوي بجنوده فتجعليها بعدي على الحديدة واعتمدي بعد اعتمادك على ربك على عشيرتك وأبناء شعبك واتخذي منهم جنودها فهم حماة حدودها ولا تتهيبي من عدو يريدها أو ترجين منه ما يفيدها واعتمدي على أولي البأس أسودها فهم سر قوة بلادنا وصمودها والحفاظ على وجودها وإياك والغفلة وموالاة من يخالفك في المعتقد والملة أو الاعتماد عليه في أي مشكل استعصى عليك حله أو استجداءه الفضل فتصبحي رهينة فضله ويكتب عليك الهوان والذلة واعلمي يا دولة بنت أسعد الحميري أن الغني والثري هو من يعتمد على نفسه وأبناء جنسه ويأكل مما يزرع ويلبس مما يصنع وأرض واق الواق غنية بكور وهي سلة غذاء على مر العصور وبلاد الضياء والنور بلدة طيبة طهور مالم يكن هناك ظلم أو فجور أو تناحر ونفور أو عصيان وكفور فازرعي بذور الخير تجني ثمارها واجتنبي الاستعانة بالغير فلن تنالي غير نارها واعلمي أنما أهلك الأمم الغابرة وأطبق عليها الثائرة هو سوء قيادتها في الأولى والآخرة من دولها وحكوماتها الجائرة والصراع والتناحر والكيد والتآمر وعدم الجنوح للتحاور وعلى الباغي تدور الدوائر وأخيرا وليس لأخير آخر ألله الله في السعيدة فإني مفارقك إلى حياة جديدة تاركا لها ولك حيوات عديدة فاحفظي وصيتي ومضمونها اجعلي حكمتك سكونها ويقظتك عيونها وحرصك حصونها ولا تدعي الغريب يتدخل في شؤونها قال شبل النار يا عمرو بن براقة والله مالي على فراقك طاقة فأكمل الحكاية فأجابه عمرو وقال: مهلا يا شبلي خلي الباقي للتلاقي وما يزال الثلاثة يشتغلونها.