يُحكى أنَّ .. السلطان العادل والقائد الباسل، زعيم العرب والأكراد ، رمز الوحدة والاتحاد ، وموحد العباد والبلاد من المسلمين الناطقين وغير الناطقين بلغة الضاد .. حامل راية الجهاد من مصر إلى بغداد ،بطل حطين ومحرر القدسوفلسطين ،الفارس الوحدوي الكردي العروبي الناصر لدين الله يوسف الأيوبي ، الذي ما إن قهر الصليبين ودحرهم عن قنسرين حمل في قلبه قضية تحرير كامل الديار الفلسطينية ورام دخول القدس في أكبر تظاهرة دينية مليونية .. ومن أجلها خاض معركة العبور الأولى من الجانب الغربي لجبل الطور فصادف دخوله مدينة النور المقدسة الطهور في شهر مايو وحين حط بقدمه على مشارف حائط البراق .. لفت نظره آثار ماء يتلألأ كالدمع الرقراق.. فأرسل عمه أسد الدين شيركوه ، فلما لمس الحائط بيده وجدها من أثره ندية فردها إليه شيركوه مستغربا بلهجته الكرديه .. ما ...يوه؟!! .. أي أهذا ماء؟!.. فردد بعده أهل المدينة من العامة والدهماء .. مايوه .. ما............يوه؟!! ..فإذا بيهودي قد اقترب من الحائط ثم عليه اتَّكأ , وبدأ يلهج بالبكاء، فأبكى من حوله حين بكى.. فراب فعل اليهودي ذاك أسد الدين شيركوه .. وهم به جنود السلطان أن يسحبوه.. فصرخ اليهودي من جديد .. ما...يوه .. يوه ..يوه؟!! ..فرق قلب السلطان لليهودي ورثى لحاله .. حين أبصره على تلك الحالة.. وصاح بالجند اتركوه .. فتركوه ..قيل أنه تركه ليعلم أهل مدينة النور مكارم الأخلاق .. ويحكى أنه من أجل صنع وحدة حقيقية بين أهل المدينة من مختلف الطوائف والأعراق ومن أجل التوافق والوفاق سمح لليهود بتغيير اسم الحائط من حائط البراق إلى حائط المبكى وحتى لا يقع النصارى بعد ذهابه في معيشة ضنكا تنازل لهم عن عكا.. أما المسلمون من أهل المدينة ومن دخلها مع السلطان من الكرد والعرب فقد أخذتهم الدهشة والعجب وأصبحوا يتندرون بالسلطان وينعتوه بصانع وحدة الما....يوه؟! .. لقد كسب بذلك السلطان ود اليهود والنصارى.. ولكنه أوغر بالحقد عليه قلوب بعض المسلمين من الكرد والعرب الحيارى .. وزاد السلطان على ذلك الطين بله فبعد عودته إلى القاهرة قادما مصر من مدينة النور عبر دمنهور .. أول ما عمله عين على خزائنها قراقوش فعاث في البلاد وظلم أهلها من العباد وأكثر في مصر الفساد .. وكلما قصدوا السلطان العادل ليشكوه قراقوش الذي بلغ الفساد في عهده في مصر إلى علالي العروش .. تجاهلهم وكان حاله معهم « لا افتش مغطى ولا غطي على مفتوش» .. فزادت النقمة على السلطان وبدأت الثائرة عليه بالغليان وقس على ذلك بقية الأمصار والأقطار والبلدان التي بدأت تخرج عن طاعة السلطان وتعلن انفصالها عن السلطة المركزية الأيوبية .. وتأبى دفع العائدات الضريبية .. لأن من ولاهم على تلك الولايات من أصحاب العروش وكبار الكروش كان همهم جمع الدراهم والقروش وإنفاقها في اكتساب المزيد من النفوذ واستمالة شيوخ القبائل وكبار قادة وأمراء الجيوش .. أما الشعب المسكين فما «يلزموش» والقانون والنظام « ما هلوش» .. لقد شعر الشعب المهمش بأن القاب الطش والرش التي كان يطلقها رموز الفساد والغش من أمثال قراقوش على السلطان المقرقش ستأتي على اتحاده الهش فلم تتفاجأ بسقوط وحدة المايوه السلطوية الصورية ،وسقوط بطل حطين بعد بطل عمورية وضياع فلسطين أوسورية ولم تتفاجأ برحيل فاتح الديار الفلسطينية كما لم تتفاجأ من قبل برحيل فاتح القسطنطينية .. يحكى أن من لم تعلمه التجارب ليس له الزمان بصاحب وقديما قال الشاعر عمارة اليمني - الذي أمر بإعدامه السلطان ذاته «صاحب وحدة الما... يوه»- قال: ولا تحتقر كيد الضعيف فربما تموت الأفاعي من سموم العقارب فقد هد قدما عرش بلقيس هدهد وخرب فأرا قبل ذا سد مارب ..