إن من حكمة الله عز وجل أنه لم يرتب القرآن بحسب نزوله ولا بحسب موضوعاته، بل رتبه حسب سور تضم مجموعة من الآيات، فيها المكية وفيها المدنية ، وتضم السورة عددا من الموضوعات التي لا رابط بينها في ظاهرها، وهذا الترتيب للآيات داخل السورة الواحدة له سر عظيم وترتيب معجز. سورة الفاتحة سورة مكية، وهي أعظم سورة في القرآن، وقد سميت «أم القرآن» لأنها اشتملت على كل معاني القرآن،وسميت فاتحة الكتاب لأنها الأصل، وبقية السور ما هي إلا تفريع وتفصيل وشرح للفاتحة ومعانيها ومقاصدها، فقد لخصت الفاتحة أصول الإسلام الثلاثة الكبرى: التوحيد لله والمتابعة لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم والتزكية وبينت العقيدة، والعبادة، ومنهج الحياة، ولعظمها جعل رسول الله صلى الله عليه و على آله وسلم صلاتنا ناقصة وخداجا بدونها، وأمرنا أن نقرأها في كل صلوات الفريضة وصلوات النافلة. - إن مقصد السورة العام هو»بيان طريق العبودية» فكل آيات السورة وموضوعاتها ومقاصدها تدور حول هذا المقصد، فقد اشتملت على: - توحيد الله والثناء عليه بأسمائه وصفاته - وعن اليوم الآخر - وإخلاص العبادة لله، وإفراد الاستعانة به والاستقامة على الصراط المستقيملأنه صراط المنعم عليهم بالهداية وليس صراط أصحاب الزلل، فنصفها الأول ثناء ونصفها الآخر دعاء، وكل هذه المقاصد الثانوية تدور على مقصد عام رئيس وهو «بيان طريق العبودية». - فقد تحدثت السورة عن مقاصد عدة نذكر منها:أسماها فاتح الكتاب حيث أخرج ابن جرير عن أبي هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه و على آله الأطهار قال:»هى أم القرآن، وهى فاتح الكتاب،وهى السبع المثاني وسميت بذلك يفتتح بهاالقرآن العظيم وفى التعليم والصلاة.وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و آله سلم أنه قال:»فاتح الكتاب شفاء من السم».وعنه صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله أنها خير سورة. • التعريف بالله تعالى وأنه مستحق للحمد، وأول نعم يحمد عليها هي نعمة الوجود، ونعمة الهداية، ونعمة الرعاية والتربية: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ﴿1﴾ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿2﴾ • وأن الله رب لكل العالمين، وأنه مختص بذلك فلا رب لهم سواه: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿2﴾. • وأن أبرز صفاته هي الرحمة لأن رحمته وسعت جميع الخلق فهو رحمن في نفسه رحيم بعباده: الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ وهما اسمان من أسماء الله تعالى.﴿3﴾ • وأنه المالك الوحيد لليوم الآخر فلا مالك سواه: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴿4﴾ • وأنناسنلقى الجزاء والحساب، فلا شيء عبثي في هذا العالم: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴿4﴾ صفة أخرى لبيان جبروته وأن نفرد الله بالعبادة وحده، والعبادة هنا معنى شامل للصلاة والصيام وبقية العبادات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والطاعة في التشريعات، فليست هي الشعائر وحدها: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين5﴾ - وأن نستعين به وحده في كل شؤون حياتنا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿5﴾ - وأن نطلب منه الهداية للصراط المستقيم، فالهداية توفيق من الله تعالى لمن أناب إليه واستحق الهداية: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿6﴾ - وأن نكون ضمن ركب وقافلة الصالحين والمصلحين: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ... ﴿7﴾ - وأن لا نكون من المنحرفين ممن عرف الحق وأنكره وهم المغضوب عليهم، أو ممن لم يعرفوا الحق أصلا وهم الضالون: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴿7﴾ - والخلاصة، إن السورة كلها تعلمنا وتريد منا: أن نتعرف على الله، وأن نحمده، ونثني عليه، وأن نستعد ليوم الدين وأن لا نعبد ولا نستعين إلا به، وأن ندعو بالهداية للطريق القويم فهو طريق الأنبياء والصالحين، وأن يجنبنا طريق المنحرفين والغاوين ،فلنقرأ سورة الفاتحة على نية معرفة طريق العبودية لله الواحد القهار ...وقال بعض الخواص في فاتحة الكتاب: إذا ما شئت أن تضحى غنينا وعنك الفقر والاقلال يذهب ففاتحة الكتاب فلا تدعها فمن أسرارها ما منه تعجب فلا تترك تلاوتها بليل فأسباب الأمور بها تسبب به تعطى القبول بكل شيء