تحمل الطفلة سُمية وأخوها عبدالله مسؤولية جلب الماء لأسرتها المكونة من 11 شخصاً، هذه الطفلة التي لا تتجاوز الحادية عشرة من العمر تستيقظ باكراً بمعية أخيها الذي يصغرها بعامين، ويسابقان الضوء للوقوف أمام خزان مياه سبيل في آخر حيهما بصنعاء، ويحدوهما الأمل إلى الوقوف في أول الطابور بانتظار فاعل الخير الذي يملأ الخزان شبه يومياً. تقول الطفلة سُمية ل»26 سبتمبر» إنهم يعتمدون على خزانات السبيل في توفير احتياجات أسرتهم من المياه المستخدمة في الطبخ والنظافة، ومن سياق حديثها فإن توقف راتب والدها يحول دون قدرتهم على شراء المياه. لم يكن وضع الطفلة سُمية وأخيها استثنائياً بل إنه يعبر عن وضع ملايين الأطفال اليمنيين الذين باتوا يتحملون مسؤولية أكبر من سنهم، بل إنهم باتوا عرضة للكثير من المخاطر، ويبرز السبب الرئيس في ذلك ما يمارسه العدوان على اليمن من جرائم ضد الإنسانية منذ خمس سنوات مخلفاً أوضاعاً إنسانية كارثية في اليمن. في ظل العدوان المستمر على اليمن تتزايد أعداد من يفقدون القدرة على الوصول إلى مياه نظيفة وصالحة للاستخدام، وفي ذلك قدرت وثيقة الاحتياجات الإنسانية لليمن في العام 2019 الصادرة في ديسمبر 2018 أن 17.8 مليون شخص في حاجة إلى مساعدة لتلبية احتياجاتهم من المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، ويشكلون 58.4% من السكان منهم 12.6 مليون شخص بحاجة ماسة إلى المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية. بدورها وزارة التخطيط والتعاون الدولي تقول إن أكثر من 55% من السكان في 197 مديرية لا يستطيعون الوصول إلى المياه المحسنة، وغالباً ما يتحمل الأطفال والنساء أعباء جلب المياه إلى المنزل من مسافات طويلة. لم تكن المياه وحدها من تهدد حياة اليمنيين في ظل العدوان بل إن هذا العدوان يخلف أزمات معقدة في الخدمات الاجتماعية الأساسية كالصحة والمياه والتعليم، وبحسب أحدث تقرير لوزارة التخطيط والتعاون الدولي -حصلت «26 سبتمبر» على نسخة منه- فإن اليمن يُعاني اليوم من أزمات مركبة على مختلف الصعد الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية ومنها أزمة الخدمات الاجتماعية الأساسية في الصحة والمياه والتعليم. وتقول وزارة التخطيط والتعاون الدولي إن النظام الصحي ما يزال يُعاني من الانهاك الشديد فحوالي 49% من المرافق الصحية إما تعمل جزئياً أو متوقفة كلياً، واتسع انتشار وباء الكوليرا من جديد خلال شهري مارس وأبريل من العام 2019، كما ارتفع عدد الأشخاص المحتاجين إلى المساعدة الصحية في اليمن من 8.4 ملايين شخص في ديسمبر 2014 إلى 19.7 مليون شخص في ديسمبر 2018 بمعدل زيادة 134.5%، وتؤكد نتائج مراقبة توفر الموارد الصحية أن القطاع الصحي يُعاني من الانهاك الشديد متأثراً بالأضرار المادية ونقص العاملين الصحيين والأدوية والمعدات وشحة أو غياب نفقات التشغيل، إضافة إلى تراجع تغطية التحصين بنسبة 20 - 30% مما يجعل الأطفال اليمنيين عرضة للأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات. وعن صعوبة حصول أطفال اليمن على حقهم من التعليم في ظل العدوان يقول تقرير وزارة التخطيط والتعاون الدولي إن حوالي 4.7 ملايين طفل أي 81% من الطلاب في حاجة إلى المساعدة لضمان استمرار تعليمهم، وهناك 2 مليون طفل خارج النظام التعليمي ويمثلون أكثر من ربع الأطفال في سن المدرسة، ويضيف التقرير: «يعتبر عدم انتظام أو غياب مرتبات موظفي الدولة وشحة نفقات التشغيل والأضرار المادية في مرافق الخدمات الاجتماعية الأساسية ضمن أبرز المخاطر التي تقوض أداء قطاعات الخدمات الاجتماعية الأساسية ومن بينها القطاع الصحي والمياه والتعليم». وتؤكد وزارة التخطيط أن تكاليف أسعار الخدمات الاجتماعية الأساسية مرتفعة جداً وبالذات التي يقدمها القطاع الخاص، وتصعب على ذوي الدخل المحدود والفقراء الذين يشكلون السواد الأعظم من السكان الوصول إلى تلك الخدمات، خاصة في ظل تزامن تآكل فرص الدخل مع تصاعد مستويات التضخم، وتضيف وزارة التخطيط: «ارتفع الرقم القياسي للأسعار (التضخم التراكمي) في الصحة والخدمات الصحية بحوالي 109%، وفي التعليم ومستلزماته 59.8% في يناير 2019 مقارنة بديسمبر 2014. إن استهداف العدوان لمختلف مرافق الخدمات الاجتماعية الأساسية يسهم في تفاقم الوضع الإنساني الكارثي ويزيد من صعوبة حصول المواطنين على الخدمات مما يجعل حياتهم في خطر وفقاً للمنظمات الدولية والمحلية والتي تصف الأزمة الإنسانية في اليمن بأنها الأخطر على مستوى العالم.