أصدقاء جنوب اليمن: زيارة الرئيس الزُبيدي إلى نيويورك تعزز حضور القضية الجنوبية دولياً    قراءة في زيارة الرئيس الزبيدي لأمريكا بعيداً عن العاطفة    رئاسة مؤتمر حل الدولتين: إنهاء الحرب في غزة أولوية قصوى    350 كشافا يشاركون الخميس ايقاد شعلة ثورة 26 سبتمبر بصنعاء    رئيس هيئة الإعلام والثقافة يبحث مع مركز اللغة المهرية آفاق التعاون المشترك    علامات تحذير مبكرة.. 10 أعراض يومية لأمراض القلب    بن الوزير يتابع تأهيل مبنى الإدارة المحلية في شبوة    ندوة علمية في جامعة صنعاء حول ثورة 21 سبتمبر ودورها في نصرة فلسطين    وقفة شعبية في مديرية الثورة احتفاءً بعيد ثورة 21 سبتمبر وإسناداً لغزة    الأمين العام للانتقالي الجنوبي يبحث مع رئيس فريق منظمة نداء جنيف آفاق تعزيز التعاون المشترك    مقتل وإصابة 8 أشخاص بانفجار 4 قنابل يدوية في شعوب    المساوى يدّشن مشروع التمكين الاقتصادي لأسر الشهداء    القسام تدعو لركعتين (ليلة الجمعة) بنية الفرج لمرابطي غزة    اجتماع للجنة تسيير المشاريع الممولة خارجياً في وزارة الكهرباء    الأرصاد يتوقع أمطارًا متفاوتة الشدة على عدة محافظات    تعز.. المعتصمون يصعدون في وجه السلطة المحلية بعد محاولة تفكيك خيام الاعتصام    انفجار قرب سفينة تجارية في خليج عدن    إتلاف 5.5 طن من المواد الغذائية منتهية الصلاحية في البيضاء    هكذا يتغير الشرق الأوسط.. الصراع السعودي الإسرائيلي    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يلتقي المواطنين وممثلي القطاع الخاص خلال اليوم المفتوح    مركز الملك سلمان يوزّع خيام وحقائب إيواء للمتضررين من السيول بمحافظة حجة    البقوليات وسيلة فعّالة لتحسين صحة الرجال والتحكم في أوزانهم    الديوان الملكي السعودي : وفاة المفتي العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ    نائب وزير المياه يبحث ترتيبات إحياء يوم اللغة المهرية    أمن العاصمة عدن يضبط متهمًا بسرقة 100 جرام ذهب بالمنصورة    في مهرجان خطابي وفني.. إصلاح الحديدة يؤكد أن تحرير المحافظة مفتاح لانتصار الجمهورية    ديمبيلي ثالث مسلم يتوج بالكرة الذهبية وحضور لافت للاعبين مسلمين بالقائمة    الذهب عند ذروته: ارتفاع قياسي في الأسعار    الرئيس الزُبيدي يلتقي رئيس اللجنة الدولية للإنقاذ ويشيد بجهودها الإغاثية والتنموية في بلادنا    بالتتويج الثالث.. بونماتي تكتب التاريخ    بعد 14 عاما.. مارسيليا يُسقِط باريس في ال«فيلودروم»    قوات الإصلاح في تعز تحمي قتلة "افتهان المشهري"    تعرف على هوية الفائز بجائزة الكرة الذهبية 2025    يامال وفيكي يتوجان بجائزة «كوبا».. ودوناروما الحارس الأفضل    احترام القانون اساس الأمن والاستقرار ..الاجراءات تجاه ماموري الضبط القضائي انموذجا    عبقرية "سورج" مع برشلونة جعلته اقوي جهاز فني في أوروبا..!    إلى أرواح أبنائي الشهيدين    الدوري الايطالي: نابولي يواصل انطلاقته المثالية بانتصار مثير على بيزا    في تقرير لها حول استهداف مقر صحيفتي " 26 سبتمبر " و" اليمن ".. لجنة حماية الصحفيين الدولية: "إسرائيل" تحولت إلى قاتل إقليمي للصحفيين    غموض يكتنف اختفاء شاعر في صنعاء    حين تُغتال الكلمة.. وداعاً عبدالعزيز الشيخ    حين يُتّهم الجائع بأنه عميل: خبز حافي وتهم بالعمالة..!    منارة عدن المنسية.. إعادة ترميم الفندق واجب وطني    صحة بنجلادش : وفاة 12 شخصًا وإصابة 740 آخرين بحمى الضنك    التحويلات المالية للمغتربين ودورها في الاقتصاد    القاتل الصامت يودي بحياة خمسة أطفال من أسرة واحدة في محافظة إب    نائب وزير الإعلام والثقافة والسياحة ومدير صيرة يتفقدان أعمال تأهيل سينما أروى بصيرة    صحة البيئة بالمنصورة تشن حملة واسعة لسحب وإتلاف "شمة الحوت" من الأسواق    لقاء تشاوري بين النيابة العامة وهيئة الأراضي لمناقشة قضايا أملاك الدولة بالوادي والصحراء    عدن.. البنك المركزي يكشف عن استخدامات المنحة السعودية ومستقبل أسعار الصرف خلال الفترة القادمة    هبوط جماعي للأسهم الأوروبية!    الراحلون دون وداع۔۔۔    السعودية تسرق لحن زامل يمني شهير "ما نبالي" في عيدها الوطني    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    في محراب النفس المترعة..    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بروج الخفايا:البردوني الإنسان يكون أصدق مايكون حين يبث عن نفسه
نشر في 26 سبتمبر يوم 02 - 03 - 2020

اليمن المتوكليةاشتهرت بالاستقلال والاستقرار في زمن احتلال معظم البلدان العربية
الستينيات كانت زمن نزول الفلسفة إلى شارع الصحافة وقد خلقت دورة جديدة من التاريخ
كانت الحكومة اليمنية السجينة بمصر قد تخلصت من السجون المصرية بكل أسبابها ودعاوها بفعل هزيمة حزيران 67م وعادت الى اليمن تملأ الفراغ الذي ما يزال شاغراً بعدهم كما ظنت فإذا بها تجد أمكنتها مشحونة بوجوه غير معروفة ، وبلا دلا ئل تنم على ما خلف ظواهرها .
وكان أغلبهم من صنفين: من الملكيين اعتقاداً وعملاً ومن الجمهوريين اعتقاداً وطنياً انبتته الثورة في منبت مختلف عن قبل الثورة .
أما الذين كانوا يجمهورون ويميلكون تحت ذلك الشعار فكانوا يخدعون الجانبين فيؤوبون من الجرف الملكية يمتدحون برخائها العميم وفيضها الغامر.
عرض: أمين أبوحيدر
وكلما مر يوم تزايدت هذه الجماعة غير المحسوبة على انتماء سياسي وإنماكانت تميل الى الأرغد ، كما حكى الذين عادوا قريباً من عهد التصالح .
وكانت هناك ملاحظة غرابة آولئك في محيط حربي وكان معرضاَ للقصف إلا ان الحمى الحربية قد هدأت
وكان لهؤلاء عهد بائس مقائل الامراء وبلطفهم كأحد المواطنين فكانت آواخر أيام الحرب مظايف اللطفاء من الخابزات الماهرات ومن الغلمان المغيصنين ومن الوساطات بين من وصل غير مغروف وبين منتوى الإياب لكي يطبع فيهم أثراً حسنا عن أولئك وكان لاولئك من الجنسين خبرة بالطبقتين لأن زمن الغيصنه كما سماها احمد راشد التفكهي في زمن الجد كثير التلامس والنحنحات جعلت أولئك أكثر نباهة لأمتزاجهم بالفرقاء.
فقد تمكن الغلمان من اقتناء اموال وكسب الريال الأبيض لليوم الأسود.
فرجعوا مؤهلين ولحقوا بالمدارس المحلية والبعثات وكانوا من أهل الجد ، والقدرة على تجاوز منعطف الى الصعود الى النجومية في الأدب وفي الرقص وفي ابداع الطرب وفي حلاوة المجالسة ك: ندماء الخلفاء ومعاشرة الأقرب من السلاطين والوزراء وولاة الاقاليم وبالبحارة وبالاخص “الكبتان” “”
وكانت طبقتهم دونيه فأغرتهم بالفوقية، فبلغوها من كل سلم وهذه صفه تنطبق على عمال الحرف والنغم قال صلاح بد الصبور : بحثت طويلاً عن علي محمود طه ، بعد ان شرق صيته وغرب ، ولما اصطحبت الذي يعرفه جيداً آراني أياه وجدته غير الذي تصورت في صف الأعيان بمظاهرهم وشاراتهم فهل هذا منطبق على كل فنان يجتاز الضرورة الى الحرية ؟
وكان ثوار 48 يرونهم اسبق الى الثورة السبتمبرية فهم الذين اطلقوا مواكب الحرية وابدوا تجديدات في الأشياء ك: مكبرات الأصوات وعصرية الديكور في الوزارات والقصور والطائرات الآتية الآيبة .
فتضاءل تاثير هذا ،لوقوعه في تلك المرحلة واحتمال نكسة الثورة وضعف الشعبية التي كانوا يملكونها في مناصب الإمامة ...
وكانت ذات صلة بالجمهور ،الذي كان يرى محامدهم تكمن في طبيعة الإمام الذي اختارهم وكانوا يعون هذا واقعاً عملياً .
إذ كانت المنطقة تشكوهم الى الإمام على بعدهم من الشعب فسبب هذا اختلالاً في الأمن .
وكان أمراء المناطق كما هم اليوم لا يحكمون منطقة او لواء إلا في مواكبهم من الأقارب في المناصب المتدنية أو العطالة عن العمل .
وكان الكبسي أو الشامي أو السفياني أو الشهاري أو الصعدي أو الهمداني ابن زيد في صعدة أو الهمداني الجشمي في خمر وضلاع والمعمر .. قوى عسكرية “ برانية “ يشاركون العسكرية المنظمة في عطف “ الوالي “ من المنطقة .
وكان أهل المنطقة لا يقبلون تسلط هؤلاء في حالات التوتر السياسي لأنهم من حارة الوالي وبالأخص المناطق النابهة سياسياً ك: إب وتعز والحديدة ، وذمار ويريم .
إلا ان الوافدين تمكنوا من ألا ينفذوا على أحد من المدينة إلا بأمر مشترى من الشاوش فلان أو الرقيب فلان أو الباتشاوش فلان .. أو بعض أقارب الوالي وكان هؤلاء قد ألفوا الرفاه في المدينة، فيتقاسمون أجر الأمر بينهم وبين شراته ، ويعوضون مادفعوا من القرى التي نفذوا إليها .. وكانت عادة الأئمة الثلاثة قبل الثورة أن يصغوا الى الشاكي من كل منطقة ، ولا يستجيبون لهم بعزل الوالي عقب الشكوى وإنما على سبب آخر بعد مده حتى لا يتوهم الشاكون أن التجمهر يخيف الإمام فيستجيب وتكاثرت هذه الوجوه بعد سقوط النظام الدستوري .وكان البرانية يوهمون الذين لايخضعون لهم بالدستورية، وبالأخص إذا كان هناك من أقاربهم مايزالون في السجن ، وتحت وطأة التهمة.
حتى شكل فقهاء شمال صنعاء ، والذين اعترضوا على الدستورية ، قوة فتح وتحر في الاخلاص للإمام الذي انتصر لأن تلك المناطق صعقتها رهبة الامام أحمد من ناحية .. ومن ناحية اخرى،جهلهم بالدستوريين واطروحاتهم ونواياهم، فلم يعرفوا إلا سقوطهم تحت زحف الأمام أحمد من “ حجة “ وتحت رهبة النهب في أي مكان يصلون إليه، وبالأخص الذين دخلوا صنعاء أولاً .
فالطابور الخامس لأحمد في صنعاء ثم القبائل الأقرب التي دعت السبق تحت قيادة السيف العباس والى بني حشيش أو تحت زعامة المتحريين أو الجواسيس الذين انتشروا مثل أبو طالب عامل صنعاء قبل الدستور ، وأي وجه كانت له شارة رسمية لهذا أراد “ الإمام “ أن يظل مخيفاً ، فأطلع نوابت “ حلت محل الثوابت .
وكانت هذه النوابت ذات عرقية وسوابق رسمية ك: مثمري المزارع وجباة الضرائب ومحضرى المجندين في الدفاعي “ الذين تستدعيهم الحاجة ونادراً مايتوفر الداعي إلا أن أحمد كان يريد أن يعرف هذه القبائل والقرى “ وتعرف هي قدرته على توصيل المطلوبين أين كانوا .. يرغمهم على توصيل الزكوات والضرائب تحت مبدأ المسالة الفقهية : وعليه ايصال إن طلبت “ وتحت مبدأ اوان الدفع وأتوا حقه يوم حصاده “ وكانت هذه العشور والضرائب دعائم اقتصاد النظام واختلف الضمناء الذين عينهم “ أحمد” في عهده الجديد لكي يلوح منافساً للمبعد والقائم .
فأستكثر أحمد بعد قيامه من تجسيم سلطته في أي شكل : وأولها ولاة الألوية : وعمال النواحي الذين لم يختر مناطقهم الشمالية وإنما اختار الشخوص الحركيين من أية جهة ، وأحل محلهم شيوخاً واشباه شيوخ مثل منطقة أبوبكر في عتمه ، ومطيع دماج في منطقة “ موزع” وأبن مناع في “ صعده “ وشائف زهره في “ ضوران “والمقاول علي يحيى الهمداني في “ ذمار “ وكان هؤلاء بدلاً عن الفقهاء من آل السياغي ومن الوادعيين ”.
وكانت من عوائده المتبعة : الضربة الأولى بالأقوى ويعلن الإغلاق على نفسه إلا حين يريد ، وحين يعرف أن طول المدة في الاحتجاب يحدث التساؤل فيبدو في مناسبة أقوى ظهوراً وتمظهراً .
وكان “أحمد“ يواصل هذه الأشكال من الأدلة على وجوده وقوة قدرته ، إلا أن هذا الجانب حجبه عن التطورات المعاصرة عن أصالة وثقافة جديدة وعن ذلك التذمر الشعبي على كبار الموظفين ولم يفكر أن ذلك التذمر اصبح عنصراً من عناصر الثورة وكان “أحمد” لا يظن أن المثقفين من غير القبائل يشكلون خطراً أو يحدثون تغيراً في البنية القبلية والمدنية وبالأخص أن فترة الخمسينات قد هزت القوقعة “ في الضمير العام وفي الثقافة السائدة والحديثة، التي تبدت من عيون القصائد ، التي يعرف ظواهرها وفي القصة التي ساوى معرفتها جيله وفي القصيد الشعبي الذي يمم وجهه وجهته الوطنية لأن القصيدة الشعبية سمت التغيير في القبيلة حتى ان أحمد الشامي الى الأن يرى الحوار المتفجر في البيت الشعري ضرباً من الحزاوي “ استهجاناً حتى ينبت بيوتاً تطلع جديداً يخلق مقوماته من زمن شيوعه في هذا العصر المتسارع وكانت هناك مجموعه قصصية لم تلفت إليها مثقفى الثلاثينات والاربعينات وهي مجموعة “الارض ياسلمى“ لمحمد عبدالولي،التي تمحورت حول الاغتراب اليمني كهروب من خلق التغيير الذي لاتسمي الوطن أباً إلا به.
وكان الى جانب هذه المجموعة ديوان اصرار ل كمال عبدالحليم الذي تنبه الى دخائله الملك فاروق وعجب المثقفون الساسه كيف : لم يدخلوا العبارة التي تنطوي على انذار بزلزال حقيقي لأنهم في مصر رأوه امتداداً لوطنيات حافظ وشوقي حتى اكتشف فاروق معاني محمد الأسمر في قصائده عن أي غرض وبالأخص قصيدة “ المولد النبوي “ التي أرجع فيها سر النبوة في الكفاح الشعبي ، وسخريته بلموع المظاهر وخواء الاناقة في بيت واحد عن الرسول :
من ألبس الدنيا السعادة حليةً
فضفاضة لبس القميص مرقعاً
فهز الحفل الملمع والمؤنق على فراغ أسود كالليل في الصحراء وكانت هناك معركة خاوية بين الجديد والقديم والحديث والسلف بدون تلمس عن المعجزة في المعنى لأنهم يسمعون القصيدة بأذان مغتربه ، كما قال ديوان “ اصرار”
أيها الشعب تحرك
آن ان تملك أمرك
أترى القوم الحوافي
خلفوك الأن مُترك؟
إنما الزينات تُشرى
للبغايا والمملُك
وكان الجمهور المصري ، يعجب بالمذاهب الجديدة التي خلقها نضال وطني وجاءت اسبابها من الثورة الفرنسية دون أن يبحثوا عن الموضة ، كما قال إسماعيل :
أمضى جيفارا” سنتين في معارك التحرر العالمية ولم يغير بنطلونه يوماُ كما قال نهرو في نكتته العالمية : لونهض “ جيفارا” عارياً لعبر ميلاً وبنطلونه يسعى خلفه “ وحين ولوه وزارة في كوبا قال اليوم أعلى المناصب تحت الهجير وفي موكب الغبار “
وكان كمال إسماعيل يكتب عن حرب بلوبيا ، التي كان يظن المثقفون ان العالم لايرى لبلوبيا حركة فحركتها الثقافة المسؤولة .
وكانت الصحافة في عدن تنشر هذه المواقف كمعلومات كمشاهد تحت العين وكانت هذه الاقتباسات “ اساسيات الفن الصحفي لأنها تخبر عن جديد يتكاثر ويمتد .
بحث التساؤل : عن دوافعه وغاياته ، والتساؤل جواب الأسئلة ، الناطقة بالغة في طوايا الشعر الجديد والقديم كما قال ابن رشيق في القرن الرابع الهجري :-
سألت الأرض لم كانت مصلي
ولم كانت لنا نوراً وطيباً
أجابت غير ناطقة لأني
حملت لكل إنسان حبيبا
وفي عشرينيات هذا القرن العشرين قال ابو القاسم الشابي :-
وقالت لي الأرض لما سألت
أيا أم هل تكرهين البشر
أحب من الناس أهل الطموح
ومن يستلذ ركوب الخطر
فيمكن تحديد الستينات بأنها زمن التساؤل فلسفياً وأن دورة جديدة من التاريخ المختلف : هوالذي يؤجج بين الذي كان وبين الكائن وبين الذي يكون غير أن وجه التغير كان مطوياً بين أوائل الوقوف وبين ضبابية الغموض .
وفي تلك الفترة نزلت الفلسفة الى شارع الصحافة ، والى دوائر الثقافة والى مقادة السياسة والى المقاهي لأن الخروج من الحرب العالمية الثانية كأنبعاث قديم وانفجار جديد .
وكنا هنا في اليمن نتخفف من أعباء التعليم الماضوي والثقافة الماضوية، وماذا تمخضت عنه.. فاعدت دوائر المناهج التعليمية : الكتب الميسرة في النحو والبلاغة ، وفي الفقه وأصول الدين.. لأنها المادة الموروثة والمكتسبة.
فاصبحت تلك الكتب الميسرة سبب عدم الاستفادة منها..منها لأن ذلك التوضيح يسر فهمها ونشط نسيانها لأن ذلك التبسيط لايحمل على التكرار ، فهو سريع الحفظ سريع النسيان وبالأخص في تلك الفترة التي لم ندخلها تحت أضوائها المحلية ، بل بفعل الاقتداء بالغرب “ الذي يريد ان يحكمنا باسم تقدمنا.
وبهذا انبثقت الثورات بعد الثورات تكرر مبادئ الثورة الفرنسية المطاطة حتى صلحت شعاراً لكل ثورة نتيجة التعميم فرددتها الباكستان من وجهة إسلامية ورددها الشرق الأوسط من مطلين إتباع الغرب ذائبين فيه فلبتها جبهة أعرق في ثقافة القرن التاسع عشر وفي ثقافة اسلام بلا مذاهب الذي نادى به الشيخ حسن العطار فلماذا لا ننضج تجاربنا المحلية فتنبثق منها إلينا ؟ وكان ينبغي أن يسير الشرق الأوسط من حيث وقف بعدسقوط الخلافة الإسلامية في “ الاستانه “ وكانت هذه الخلافة الإسلامية مستنيرة الدعاة لأن تركيا العشرينات مختلفة عن الفردية الحاكمة وعن حزبية تركيا الفتاة بلا ثقافة جديدة ولا قديمة في دوائر الحكم .
وكانت هناك ثقافة من : حداثة الأدب الفرنسي الذي كان يحاكم الروائي مثل “ فولبير “ ولا يحكم عليه إلا انه يستبقي العوائد المرعية بيوتياً، ولايقبل شيوع الهدم التغييري ولم يكن هذا مانعاً من تباري المدارس الفلسفية والأدبية الى الجيد وأصالة القديم فقد خلعت الفلسفة ثبوتيتها وأعطت مقاداتها أصحاب النظر الوطني فتوالت مدارس الأدب وأولى ما ترعرعت للنظر هي الرومنسية على شروطها المرعية ، انطلاق الذات من ذاتيتها وإخراجها من خباياها بفنية صاحبها .
لأن الإنسان يكون اصدق ما يكون حين يبث عن نفسه متتبعاً المشاهد المأسوية في حياة الناس ثم عقبت هذه المدرسة الرمزية لأن اللغة مجرد ضوء رمزي إلى المضامين سلكت الروايات هذا السبيل في فرنسا مثل رواية البؤساء لفكتور هيجو والبطل المنقذ فرد من الملايين ولم يعد من اساطير الماضي.
كذلك الرواية العربية والمسرحيات التي بعثت غرائب الماضي تحت معاصرة رافضة في الثلاثينيات .. فهزت المثقفين مسرحيتان (أهل الكهف وشهرزاد) اللتين اعتصرهما توفيق الحكيم من اساطير الأولين ومن آيات التوارة والقرآن بدون أي مسحة دينية ومن الواقع العام صاغ محمد عبدالحليم عبدالله روايته الرومنسية بطلتها الرئيسية “ لقيطة “ وجارى الذوق العام الذي يرى اللقطاء أرباب جمل ومهارة ودماثة لكي يؤول الى ضحية، على المفهوم العام أن حسن الزهرة وسهولة اقتطافها يغري بها أيدي العابثين ومن ذلك المنطلق شع نجيب محفوظ برؤية عالمية من واقع محلي كما في روايته خان الخليلي والقاهرة الجديدة وكانت السياسة الملكية لاتحس في الرواية والمسرحية نضالاً سياسياً يهز واقع العلم من جذوره الى حد ان قياصرة روسيا والمانيا وملوك فرنسا كانوا ينعمون بمشاهدة هذه المسرحيات .
وكانت تقرأ كتباً إلا أن الملوك لا يتحملون عبء القراءة ... وكانت الطليعة المثقفة ، تتملى بنفائس ذلك الفن الذي كان يلعب دوره، الفن الشعري غير المركز على هدف .
وكنا في اليمن نقيم في المناسبات على غرار أهل الكهف امسيات مسرحية ك: فتح الأندلس ومقاومة الفلسطينين التي ظفرت بمثقفين غير معاصرين مثل محمد أسعاف النشاشيبي وموسى الحسيني وراشد حسين وكان منهم اثنان من اساتذة الثانوية بصنعاء لأنها خالصة الاسلام مادامت محكومة ب إمام مبُايع لهذا استحدثوا اناشيد قومية مثل بلاد العرب أيها الخفاق موطني شمائل الهدى.
وقبل ان تحدث حركات ثورية تعددت الاتجاهات فبدعوة تطوير سياستنا الجديدة نعصرن بطريقتنا على القواعد الإسلامية مثل اندونسيا، وماليزيا.. الذين تحضروا عصريا وخلصوا الحي من عبء السلف على عواهنه ،أو عن انتقاء خيره .
وكانت معظم الأقطار تحت نفوذ بريطانيا وفرنسا فاشتهرت اليمن المتوكلية بالاستقلال والاستقرار والأمية .. ولكنها في حالات حرب استعمارية وشبه ذلك بالإضافة إلى إرهاصات حزبية كالتي في بلاد أصحاب النزوع من عراقيين ومصريين وفلسطينيين .
فلم يجد الاساتذة الوافدون منابر كتلك الاقطار التي كان يقتاد جماهيرها حزبان: جماعة الأخوان المسلمين تحت تنظير الشيخ حسن البناء وحزب الوفد بقيادة سعد زغلول .
وزارني هؤلاء الثلاثة الاساتذة ، لصلتهم بتدريس اللغة العربية والآداب ودخلنا متاهات في هذا التشابه في مظاهر شعوبنا ولاسيما ان الملازم محمد الرماح ألقى يوم ذاك قصيدتي في رثاء محمد عبدالرحمن الشامي ويحيى الزبيري وحمود المبنن الذين احترقوا في الطائرة اليمنية فوق روما .
وكنت لاأعرف هؤلاء جيداً بأستثناء محمد الشامي لأنه خال السيدة أم هاني إبنة علي الوزير بحكمي استاذ اخوتها في ضحوة الخمسينات ولاقتني وانا في الباب قاصدا الدخول على خروجها فرجعت آخذة كم قميصي لأنشق عن رفيقي وكانت أول مرة تريد الانفراد بي إذ كانت تشارك أحيانا اخوانها واخواتها في استماع دروسي في النحو والبلاغة وكتاب اللهجة العصرية الذي كان محظوراً وكان الحظر سبب شيوعه .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.