من المعلوم أن الأتراك العثمانيين واجهوا خلال فترة تواجدهم في اليمن حرب عصابات طويلة الأمد شنها ضدهم رجال القبائل في مناطق المرتفعات الجبلية بقيادة الأئمة الزيدية استنزفت قواهم وألحقت بجيشهم النظامي خسائر فادحة جعلتهم يعيدون بعض الحسابات ويفرطون في استخدام القوة والعنف ضد الثائرين عليهم من المقاومين اليمنيين الذين كانوا يعتبرون الأتراك غزاة ومحتلين ويتوجب مقاومتهم . وبعد مقتل الوالي مراد باشا في اليمن على أيدي رجال القبائل ومن معه من الجنود بذمار وسط البلاد ، قام السلطان العثماني سليم الأول بعزل الوالي اللالا مصطفى باشا لتقاعسه عن السفر إلى اليمن بنفسه ، وأمر السلطان سليم الأول بإعدام عدد من أمراء السناجق في مصر ، وولى سنان باشا مقاليد الوزارة على أن يتوجه بكامل المعسكر التركي في مصر إلى اليمن . وقد قدم سنان باشا من مصر ونزل مكة ، ومر بجيزان وزبيد وخلص عدن وتعز وإب من أتباع المطهر ، ثم حاصر شبام كوكبان لسبعة أشهر انتهت بتوقيع هدنة بين الجانبين لبعض الوقت . وبوفاة الإمام المطهر بن شرف الدين عام 1572 م تفرق أتباعه وأنصاره ودب في أوساطهم الخلاف ، فتقاتل أبناء المطهر مع الحسن بن علي بن داود فأستغل الأتراك هذا الخلاف والإنقسام بين رجال المقاومة الوطنية اليمنية والخلافات على الحكم بعد وفاة الإمام المطهر وبادروا بإقتحام صنعاء وصعدة ونجران في وقت واحد وذلك عام 1583 م ، بدعم من الإسماعيلية الشيعة المناهضين لخصومهم الزيود.ومع هذه التطورات العاصفة لمسار الأحداث على الساحة اليمنية ورجحة الكفة لصالح الأتراك العثمانيين اضطر الحسن بن علي بن داود الذي يتصارع مع اولاد المطهر على الحكم إلى التحصن في شهارة وتم اعتقاله من قبل الأتراك عام 1585 م ، وإيداعه السجن في صنعاء لفترة ارسل بعدها إلى تركيا حيث كانت وفاته هناك أسيرا غريبا . واللافت مع كل هذا الذي جرى في اليمن في تلك الفترة أنه لم تكن هناك قيادة سياسية يمنية موحدة للمناوئين لحكم الأتراك في مناطق المرتفعات الشمالية حيث يتواجد الأئمة الزيدية ، وذلك في أعقاب اعتقال الأتراك للإمام الحسن بن علي بن داود ، ونفيه إلى تركيا ، ونتيجة لذلك عرض تلاميذ الفقيه المنصور بالله القاسم عليه الإمامة في صنعاء إلا انه رفض في البداية هذا العرض ، واضطر لاحقا مع تزايد الترويج للمذهب الحنفي في اليمن آنذاك على حساب الزيدية الذي أغضب الإمام المنصور بالله القاسم هذا ودفعه بالتالي للتوجه إلى أرياف صنعاء لإستئناف مواجهة الأتراك العثمانيين وقتالهم . وقد شرع الإمام المنصور في حشد الأنصار لقتال العثمانيين في سبتمبر 1597 م ، وهو نفس العام الذي أفتتحت فيه السلطات العثمانية جامع البكيرية في صنعاء الذي قام بتشييده أحد الولاة الأتراك . وقد قاد الإمام المنصور بالله القاسم حملات عديدة استهدفت القوات العثمانية في اليمن وكان على رأس المقاومة العنيفة لحكم الأتراك وتواجدهم في البلاد حتى وفاته في شهر فبراير عام 1620 م ، وقد خلفه ابنه المؤيد بالله محمد في الإمامة وقيادة المقاومة الوطنية اليمنية لحكم الأتراك . وتمكن الإمام المؤيد هذا من استعادة السيطرة على مناطق المرتفعات وصبيا وأبو عريش والتي كانت قد سقطت بأيدي العثمانيين من قبل ، وأعاد ترتيب صفوف القوى القبلية المناوئة للأتراك وتجميعها وحشدها بقيادته بعد فترة خوار وضعف استغرقت خلالها في صراع المتصارعين على الحكم والسلطة في بلد تسوده الإضطرابات والقلاقل المتعاقبة بين الفينة والأخرى. وقد اتفق الإمام المؤيد بالله محمد مع شيخ قبلي من محافظة أبين الجنوبية على محاصرة لحجوعدن ، وبحلول عام 1627 م كان معظم اليمن بإستثناء الموانئ قد تخلص من حكم العثمانيين ، وفي ذات الوقت تمكن الإمام المؤيد من استعادة السيطرة على مدينة زبيد بتهامة عام 1634 م ، وأعطى الإمام المؤيد للعثمانيين فرصة الإنسحاب سلميا من المخا آخر معاقل العثمانيين . ويرجع المؤرخون نجاح الإمام المؤيد في تحقيق الإنتصارات المتتالية على الأتراك إلى تعلم أنصاره ومقاتليه من رجال القبائل اليمنية استخدام الأسلحة النارية الحديثة في تلك الفترة بعد ان كانوا يجهلونها في السابق وكذلك إلى وحدة تلك القبائل والتفافها خلف قيادة الأئمة من آل القاسم كما لم يحدث من قبل . ويقول مؤرخون : أن الإمام المؤيد تمكن من اقناع القبائل أنه وأسرته الذين يستحقون الإمامة دون غيرهم من البيوتات الهاشمية الأخرى التي تتنافس على الإمامة وعلى أحقيتها . ويعد والده الإمام المنصور القاسم مؤسس ماعرف بالدولة القاسمية التي حكمت اليمن نحو 400 سنة ، ويمكن اعتبار الدولة القاسمية هذه أقوى دول الإمامة الزيدية التي تعاقبت على حكم اليمن خاصة في المناطق الشمالية من البلاد. وأمام التراجع العثماني أمام القوى المناهضة لسلطة الأتراك في اليمن في تلك الفترة أرسل الإمام المؤيد محمد بن القاسم في مارس 1632 م حملة عسكرية قوامها ألف مقاتل للسيطرة على مكةالمكرمةبالحجاز ، وقد تمكن جيش المؤيد من قتل شريف مكة آنذاك واقتحام المدينة المقدسة بسهولة . ونسب العثمانيون لجيش المؤيد القاسمي الذي اقتحم مكةالمكرمة عدد من الفظائع بغية تأليب السكان ضدهم . بيد أن الأتراك العثمانيين لم يكونوا حينها مستعدين لخسارة مكة بعد اليمن ولهذا ارسلوا قوة عسكرية كبيرة من مصر إلى الحجاز لطرد قوات الإمام المؤيد من مكة وتخليصها من قبضة الزيدية . ونتيجة الفارق الكبير بين القوات العثمانية والقوات اليمنية التي احتلت مكة ، اضطرت الأخيرة إلى الإنسحاب ناحية وادي فاطمة فيما توجه الأتراك نحو الآبار التي تزود اليمنيين بالمياه وغمروها مما تسبب في هلاك نحو 200 شخصا من جيش المؤيد عطشا ، واضطر باقي الجيش للإستسلام بعدها للعثمانيين ووافق خليل باشا على عودتهم إلى اليمن بإستثناء أربعة من قادتهم الذين أمر بإعدامهم.a