وفي العام 1644 م أعلن عن وفاة الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم الذي يعتبر من أقوى الأئمة الزيدية الذين حكموا اليمن ورسخ أركان حكمهم في هذا البلد العربي المضطرب الذي لا تكاد الأوضاع تستقر وتهدأ لفترة ، حتى يشهد دورة عنف وصراعا جديدا يندلع هنا أو هناك بين المتنافسين على الحكم والسلطة ويدفع أبناء البلاد ثمن هذا الصراع الدامي باهضا من أرواحهم وممتلكاتهم وأمنهم واستقرارهم . وبرحيل هذا الإمام الزيدي القوي تشهد البلاد لاسيما مناطق المرتفعات الجبلية اقتتالا جديدا بين أبناء الإمام المنصور بالله القاسم على الإمامة حتى انتزعها المتوكل على الله اسماعيل بن القاسم في نفس العام الذي توفى فيه الأمام المؤيد . وقد توجه الإمام المتوكل هذا على رأس حملة عسكرية من رجال القبائل إلى مناطق عدنولحج وأبين في جنوباليمن بهدف طرد بقية الجند العثماني منها ، وتمكن من السيطرة على عسير وحضرموت وظفار عام 1654 م . وبالتزامن مع هذه الأحداث والتطورات تمكنت اليمن في تلك الفترة من توطيد علاقاتها التجارية مع امبراطورية مغول الهند ، وكانت مدينة سورات الهندية آنذاك تعد الشريك التجاري الأكبر لليمن ، كما تم في تلك الفترة تبادل البعثات الديبلوماسية بين اليمن والسلطات العثمانية في جدة وأقامت اليمن حينها علاقات وتبادل ديبلوماسي مع الدولة الصفوية في إيران ممثلة بعباس الثاني ومع الحبشة ( اثيوبيا حاليا) ، وارسلت اليمن إليها ثلاث بعثات ديبلوماسية لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين ، إلا أن هذه العلاقات لم تتطور لحلف سياسي ضد العثمانيين كما أراد لها الإمبراطور الحبشي فاسيليداس للضعف الذي أصاب أباطرة الحبشة في تلك الفترة ، وظهور اقطاعيين أقوياء في بلادهم . وقد توفي الإمام اسماعيل بن القاسم الذي اتخذ من ضوران آنس بذمار عاصمة لدولته في عام 1676 م وخلفه في الحكم ابن أخيه أحمد بن الحسن بن القاسم بعد نزاع مع ابن عمه على الإمامة . ونتيجة الصراعات الداخلية بين أبناء الأسرة الواحدة لم تستطع الدولة القاسمية الحفاظ على ما أنجزه الإمام المتوكل على الله اسماعيل بن القاسم لأكثر من ثمانين سنة ولذلك عدة أسباب منها ، قيام الأئمة بتعيين أقاربهم في مناصب ادارية ، وبمرور الوقت تحول جزء كبير من أرجاء البلاد إلى اقطاعيات شبه مستقلة لم تتبع طريقة الخلافة قانونا واضحا ، فعقب وفاة كل إمام يجمع أبنائه وأبناء عمومتهم أنصارهم من القبائل ويتقاتلون على المنصب ، وهو ما أضعف الدولة كثيرا وسمح لزعماء الإقطاعيات المحلية بالاستقلال عن الدولة . وبحسب ماتضمنته كتب التاريخ التي أرخت لتلك الفترة فقد كانت الدولة القاسمية غير مركزية ، وأتسمت هذه الفترة من تاريخ اليمن بنشاط تجاري كبير وبالذات في المخا واللحية على البحر الأحمر ، وغيرها من الموانئ الأخرى المعروفة في تهامة اليمن. وفي تلك الفترة أيضا ، ظهرت الزعامات القبلية البارزة في اليمن والمعروفة إلى اليوم بأسمائها وصفاتها ، وأبقت عائلات زيدية ارستقراطية أخرى على مكانتها ، إلى جانب بيت القاسم كبيت شرف الدين ، وكان هؤلاء الإقطاعيين يحكمون بشكل مستقل تقريبا منطقة واسعة غرب صنعاء رغم وجود الدولة القاسمية ، وكانت أجزاء من عسير من فترة طويلة قبل الدولة القاسمية ضمن نفوذ سلالة الإمام عبدالله بن حمزة أحد الأئمة الزيدية الأقوياء الذي اشتهر بالبطش والفتك بخصومه دون رحمة . وبحسب العديد من المؤرخين ، فقد كانت الدولة القاسمية دولة اقطاعية أشبه ماتكون بالإقطاعيات التي عرفتها أوروبا خلال العصور المظلمة يتحكم فيها أمراء محليون بشؤون مناطقهم بشكل شبه مستقل ، كمعظم تاريخ اليمن وشبه الجزيرة بشكل عام ، وأنتهى المطاف بالدولة القاسمية بعد ذلك إلى التفكك حتى عودة العثمانيين عام 1872 م . وفي القرن الثامن عشر الميلادي تمكن عامل لحج الواقعة جنوبياليمن ، و المعين من قبل الأئمة من الإستقلال بالمدينة ، والسيطرة على عدن عام 1740 م ، وكان ذلك بداية سلطنة لحج ، فيما قامت قبائل يافع العليا (بني هرهرة) بمهاجمة إب واستقل شريف أبو عريش بالمخلاف السليماني ، وتوقف آل كثير في حضرموت الواقعة شرقي البلاد عن ترديد أسماء الأئمة الزيدية في خطب الجمعة في النصف الثاني من القرن الثامن عشر ، ورغم هذا استمر الأئمة بالقتال فيما بينهم على الإمامة في مناطق المرتفعات الجبلية . بدورها سيطرت سلطنة لحج على عدن ، ودخلت في عدة صراعات مع القبائل المجاورة ، فهاجمها آل فضل والعوالق ويافع ، ثم وقع سلطان لحج على معاهدة مع الإنجليز مطلع القرن التاسع عشر الميلادي ، فيما استولى الإنجليز على عدن عام 1839 م بقيادة الكابتن ستافود هاينز مطالبين بتعويضات من السلطان عن نهب باخرة تابعة لهم آنذاك ، وكان الإنجليز يبحثون عن مستودع للفحم لأن الرحلة من السويس إلى بومباي الهندية كانت تتطلب 700 طن من تلك الصخور . ومن الأهمية بمكان الإشارة هنا ضمن السياق إلى أن عدن لم تكن وجهة الإنجليز الأولى ، بل أرادوا السيطرة على المخا الواقعة على البحر الأحمر ، وكان الإنجليز يدفعون المرتبات السنوية لمشائخ القبائل المحيطة بعدن ، وهي مرتبات زهيدة وتافهة ، وكانت قبيلة العزيبي اللحجية أول القبائل المتعاونة مع المستعمر البريطاني مقابل المال ، وتبعتها قبائل مجاورة مثل : يافع والحواشب وغيرها قبلت بممارسة دور التبعية والعمالة للأجنبي مقابل مايدفعه لها من أموال . ....... يتبع ......