في عام 1872م تطورت الأمور بسرعة , وبلغ عدن أخبار تؤكد وجود قوات تركية في أراضي الحو شبي , وعندما أحتج السيد إليوت على هذا التصرف أفادته السلطات التركية بأن الباب العالي بنفسه سوف يعمل على إصدار تعليمات بسحب القوات التركية من أراضي الحو شبي لكن على ما يبدو أن ثمة اتفاقاً سرياً بين الباب العالي والحاكم العام في اليمن حيث يتمادى الأخير في تحركاته في المنطقة بينما يصدر الباب العالي أوامره بالكف عن تلك الممارسات وربما كان ذلك حرصاً من الباب العالي للحفاظ على ودية العلاقة بينه وبين بريطانيا.. وتمادت القوات التركية في تدخلاتها في المنطقة , فوصلت في مايو1873م إلى بلاد الأميري , وفي يونيو من نفس العام وصلت قوة تركية أخرى من قعطبة إلى الراحة عاصمة الحوشبي , ووحدة أخرى إلى (مورساد ) في أراضي الصبيحة على أن تلتقي هتان القوتان في منطقة زايده كما كانت هناك إشارات تدل على تحركات تركية في الشحر والمكلا .. كما أتخذ التدخل التركي شكلاً آخر بالنسبة لسلطنة لحج ففي 26أغسطس 1872م زار السلطان فضل المقيم في عدن وقدم شكوى ضد سلوك أخوية عبدالله وعبدالكريم وأبن اخيه فضل بن الأول , ويبدوان فضل كان قد أرسل إلى تعز, وصنعاء دون إذن من السلطان فضل ليقدم طاعته وولاءه للسلطات التركية نيابة عن الأخوين عبدالله وعبد الكريم , وأنه حمل معه عند العودة خطابات من الباشا تعمد إلى زعزعة مركز السلطان فضل في بلاده ونظراً لأن هؤلاء المتمردين يعيشون في قلعة حصينة ويرفضون الحضور إلى السلطان , بالإضافة إلى أن السلطان أوضح أنه لا يرغب في اللجوء إلى العنف وإراقة الدماء فأنه طلب من السلطات البريطانية إيقاف مرتبات أخويه لعدم طاعتهم له ولقد أرسل المقيم السياسي البريطاني تحذيراً للأخوين مهدداً بطردهم من البلاد, ثم حدث أن هاجم أتباع عبدالله سوق لحج , واضطر السلطان إلى قمع هذه الفتنة بالقوة مما حدا بعبدالله أن يسلم ابنه وابن أخية عبد الكريم كرهائن ضماناً على مسلكه في المستقبل إلا أنه بعد ذلك دخلت قوة تركية من خمسة وعشرين رجلاً من شكع إلى أراضي لحج و احتلت منزل عبدالله الحصين , وطلبت من السلطان أن يسلم الرهائن لأن عبدالله وأخاه عبدالكريم أصبحا من رعايا السلطان العثماني ولم تتخذ السلطات البريطانية في بادي الأمر أية اجراءات لوقف التوسع العثماني حتى وصل إلى عدن في ديسمبر 1872م (سير بارتل فريد) في طريقه إلى زنجبار حيث عرضت عليه الاحوال في المنطقة وتقديراً منه لخطورة الموقف فقد سارع بالاحتجاج الشديد لدى المسؤولين البريطانيين لتقاعسهم عن التحرك لمواجهة الخطر العثماني الذي يهدد عدن لهذا فقد أصدرت حكومة الهند البريطانية أوامرها إلى المقيم السياسي البريطاني في عدن بأن يقدم المساعدات الكافية لسلطان لحج حتى يتمكن من التخلص من سيطرة العثمانيين على بلاده غير أنها طلبت منه أن لا يعلن اشتراك حكومته رسمياً في الهجوم على الأتراك حفاظاً على موقف بريطانيا السياسي العام تجاه الدولة العثمانية. هذا ولقد تمت اتصالات عديدة بين الحكومة البريطانية والباب العالي بهذا الخصوص , ثم انسحبت بعد ذلك القوات العثمانية من مدينة الحوطة عاصمة لحج إلا أن القوات البريطانية التي كانت قد نزلت إلى لحج قبل ذلك التاريخ لمواجهة التجاوز العثماني لم تنسحب منها بل ظلت فيها , وظل الباب العالي بأن يطالب بانسحابها مرات عديدة حتى وأن الروس قد أوحوا إلى الباب العالي بأن البريطانيين يستعدون لغزو الممتلكات العثمانية غير أن هذه الأزمة قد انتهت، ولكن لغير صالح العثمانيين فقد أُوقف التوسع العثماني , وتم إعلان استقلال السلاطين وشيوخ الجنوب الذين ارتبطوا مع البريطانيين بمعاهدات الصداقة حتى عام 1873م وإن كان العثمانيون لا يعترفون بهذا الاستقلال ولقد تم بعد ذلك انسحاب البريطانيين عن لحج في 20ديسمبر 1873م بعد هذا التا ريخ بدأت بريطانيا بتنفيذ مرحلة جديدة من وجودها الاستعماري في المنطقة، وذلك بفرض الحماية على حكام وسلاطين وشيوخ القبائل القاطنة في جنوباليمن، والتي كانت تربطها بهم معاهدات صداقة وولاء ولقد أكتفت بريطانيا بأن تكون هذه الحماية حول امتناع رؤساء هذه القبائل عن التخاطب مع أية دولة أخرى غير بريطانيا إلا بعد موافقتها، وذلك نظير حماية البريطانيين لهم من أي عدوان خارجي. يتبع في العدد القادم بإذن الله تعالى الحلقة "42"