هذه المرة يخرق علي عبدالله صالح القاعدة الذهبية لبعض الرؤساء العرب فلا يجدد لنفسه, ويترك المجال واسعا للتنافس على كرسي رئاسة اليمن امام اكثر من مرشح. هذه بحد ذاتها انجاز للرئيس اليمني المتجدد الذي استطاع بالفعل ان يبني واقعا ديمقراطيا في بلاده يعطي الكلمة الاخيرة للشعب, ويضع المسؤولية على الشعب في الاختيار. هذه المرة اختار علي عبدالله صالح ان يحكم اليمن وان يكون من ابأس الناس, على غرار قول الشاعر الذي انشد: »ومن ابأس الناس في الايام قاطبة من يمتطي الليث او من يحكم اليمنا«.. الرئيس صالح, كما هو معروف,امتطى الليث من 27 سنة, وهاهو يواصل الثبات فوق صهوته. واثناء الحملات الانتخابية بين المرشحين للمنصب الاول, كان من حق المعارضة, وفي هوامش الحرية والديمقراطية, ان تهاجم الحزب الحاكم وتهاجم الرئيس, وتنكر عليه كل انجازات ولايته المديدة, وتنسفها, لكن الرئيس, الذي اعترف لخصومه بحق السجال, برر المسألة بالقول ان كل المواسم الانتخابية الديمقراطية تشهد هذا النوع من السجالات السياسية التي تنتهي بانتهاء الموسم, فهي في اساسها هرج انتخابي وليست واقعا حقيقيا. ولاشك ان اليمن شهد على يد الرئيس صالح انجازات مهمة, اتصلت بضرورات التقدم الاجتماعي, والتنمية السياسية, كان آخرها هذه التعددية التي قضت على مفهوم النظام الشمولي, وسمحت للمعارضة بالنشاط الحاد, واعطتها حرية الحديث عن كل شيء, من الفساد حتى التطاول على الرئيس نفسه, من دون ان تتعرض للملاحقة او لهجومات زوار الفجر, او للنزول ضيوفا, وبمدة مفتوحة, على المعتقلات بتهم التخوين والخروج عن الطاعة... هذه الاجواء فتحت المجال واسعا امام كل الناس كي يتحدثوا بأفواه كبيرة, وكي يستنتجوا بأنفسهم, وبمقايسات واعية, ماهو الافضل لهم, وبعيدا عن ضغوط الشعارات والحملات السياسية. وقد فاز الشعب اليمني في امتحان الانتخابات, وكان رحيما بنفسه, وعرف طريقه, واثبت انه على درجة مميزة في حسن الاختيار, فهذا الشعب, قبل ان يمارس تجربته الذاتية, استدرك ما حدث في الانتخابات الفلسطينية العامة, حيث فازت حركة »حماس« الاصولية بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي بعد ان استسلم الناخبون لإغوائها ولشعاراتها التي أطربت آذانهم بالكلام, واعطوها اصواتهم عبر صناديق الاقتراع. يومها رحب العالم بقدوم »حماس« الى السلطة كثمرة ديمقراطية, لكنه اعلن عن عدم التعاون معها ومع حكومتها, وبلاشك فإن الشعب اليمني استلهم هذه التجربة الفلسطينية, وعرف انه لو انتخب مرشح المعارضة وخذل الرئيس, فإن العالم كله سيقاطع نتائج الانتخابات, خصوصا وان مرشح »اللقاء المشترك« المعارض يمثل خليطا عجيبا من التيارات السياسية التي من الصعب التعاون معها على الصعيد الخارجي... صعوبة عدم التعاون هذه كانت ستنعكس على واقع حياة الشعب اليمني, كما انعكست على واقع حياة الشعب الفلسطيني الذي جلب له فوز »حماس« بالسلطة الحصار الاقتصادي والمقاطعة الدولية. الشعب اليمني كان حكيما في اختياراته امام صناديق الاقتراع فقد استفاد من الثورة المعلوماتية التي اتاحت له مشاهدة الفلسطينيين على الشاشات, وكيف يعانون من سلطة »حماس« ومقارنة هذا الوضع البائس بأطروحات رئيسهم وأطروحات معارضيه والتي كانت بمثابة اقتباسات من موروث عبد الناصر, وتنظيم »القاعدة« وإرث كارل ماركس ولينين, وكلها موروثات تجاوزها الزمن, واصبحت من مخلفات التاريخ, تطعم الناس بلاغة وكلاما حلوا جميلا ولا تطعمهم خبزا, فتعبوا من انتظار جنتها الموعودة, واصبح لابد, في نظرهم, من وارد لجهنم. اختيار الشعب اليمني لعلي عبدالله صالح, وتجديده له في الولاية, هي الدليل على ان تجربة الرجل الديمقراطية مع هذا الشعب قد وصلت الى مبتغاها من حيث اكتمال النضج السياسي, وكمال الوعي, الامر الذي سيكون, مع الولاية المتجددة, الفرصة الملائمة لتعزيز اركان المجتمع المدني في اليمن, وهي اركان تقوم دائما على الديمقراطية والحرية, والتعدد السياسي, وتقليص النفوذ القبلي على هذا المجتمع وتحريره من الاعراف البالية. وفي النهاية يظل مطلوبا من الرئيس علي عبدالله صالح ان يطبق برنامجه السياسي وان يؤكد لخصومه انه لم ولن يكذب على الشعب اليمني.