نتائج قرعة الملحقين العالمي والأوروبي المؤهلين لكأس العالم 2026    أوروبا في أزمة خطيرة بسبب أوكرانيا    تشكيلات عسكرية.. حضرموت اليوم بحاجة إلى العقلاء، لا إلى مشعلي الحرائق.    أيهما أفضل: العمرة أم الصدقة؟    رابطة المقاتلين المحترفين (PFL MENA) ضمن برنامج موسم الخبر لعام 2025    دراسة: سيجارتان يوميًا تضاعفان خطر فشل القلب والوفاة المبكرة    واشنطن: إنهاء حرب اليمن يتطلب وقف تدفّق الموارد إلى الحوثيين    الإصلاح يسلّم نفط مأرب للحوثي نكاية بالجنوب ورفضًا لوصول الإيرادات إلى عدن    مخيم مجاني للسكري والضغط بصنعاء    توزيع هدايا رمزية عينية للأطفال المرضى بمستشفى الثورة بالبيضاء بمناسبة اليوم العالمي للطفولة    تراجع الذهب مع توقعات خفض الفائدة الأمريكية    مصطفي حسان يطلق رواية أبناء الرماد.. تكشف خيبات الحرب وتعرّي الفساد    جرحى تعز يعلنون رفع الاعتصام من أمام الجوازات عقب اتفاق مع قيادة المحافظة    الصفقة السعودية ‐الأمريكية.. خطوة استراتيجية تعيد رسم موازين القوة    ما سر الحيرة العالمية في مواجهة الطائرات المسيرة؟    البنك الدولي يحذر من تفاقم أزمة الأمن الغذائي في اليمن    10578 شهيدا وجريحاً من الأطفال في اليمن    الغيثي: استمرار شراكة الانتقالي مع حكومة الشرعية يدفن القضية الجنوبية    لوجه الله.. امنعوا الباصات وأعيدوا باصات النقل العامة    الإمارات تتخذ ميناء بوصاصو مركزا للمؤامرة على اليمن والمنطقة    أحسم الأمر قبل تفاقمه    تركيا تتاجر بآلام غزة وتناور بورقة نتنياهو... وكذبة اعتقال النتن ياهو    الجنوب بين معاناة الناس الحياتية وتسابق أجندة المصالح الخارجية    استعداد لمنع استيراد الملابس الجاهزة وتوفيرها محليا بجودة افضل    خدمة لاسرائيل..وفد بريطاني رفيع في عدن لزعزعة أمن البحر الأحمر    اختتام جمعية المنتجين ومركز سند دورة في تمكين المرأة اقتصاديًا    وزير الداخلية.. جابي ضرائب لا حامٍ للمواطن.. غرامة مالية متنقلة على ظهور الناس    تريليون دولار بلا مقابل: كيف تحوّلت الرياض إلى ممول للاقتصاد الأمريكي؟    العزي يطلّع على سير العمل في ملعب الظرافي تمهيدًا لافتتاحه    متقاعدون معاقون في عدن: راتب 25000 ريال لا يعيل أسرة ولا يغطي أجرة المواصلات    خبير في الطقس: البرد سيبلغ ذروته خلال اليومين القادمين ودرجات الحرارة السطحية تنخفض إلى ما دون الصفر    الاتفاق بالحوطة يتغلب على البرق بتريم في البطولة التنشيطية الثانية للكرة الطائرة بوادي حضرموت    قراءة تحليلية لنص "عيد مشبع بالخيبة" ل"أحمد سيف حاشد"    تعز.. مسلح يعتدي على قيادي تربوي وزوجته    المبعوث الأممي يناقش في مسقط جهود التوصل إلى تسوية سياسية في اليمن    (هي وهو) حين يتحرك النص بين لغتين ليستقر    صنعاء.. البنك المركزي يوقف التعامل مع شبكة تحويلات مالية وأربع منشآت صرافة    صحفي: السماح لأسرة غازي الأحول بزيارته    غداً... انطلاق بطولة غرب آسيا للجودو في عمّان بمشاركة يمنية    العراق يستفيد من نتائج القارات ويخوض مباراة واحدة في الملحق العالمي    مدينة الوفاء والسلام المنكوبة    العلامة مفتاح يشيد بالمشاريع الكبيرة لهيئة الزكاة    رودريغو: نحن نملك هوية واضحة مع انشيلوتي    رئيس سياسية الإصلاح: العلاقات اليمنية الصينية تاريخية ممتدة وأرست أساساً لشراكة اليوم    الهيئة العليا للأدوية تختتم الدورة التدريبية الثالثة لمسؤولي التيقظ الدوائي    مهرجان "إدفا" ينطلق من أمستردام بثلاثية احتجاجية تلامس جراح العالم    يا حكومة الفنادق: إما اضبطوا الأسعار أو أعيدوا الصرف إلى 750    تفاصيل اجتماع رونالدو مع الرئيس ترامب    رابطة "معونه" لحقوق الإنسان والهجرة الامريكية توقع اتفاقية مع الشبكة اليمنية    قراءة تحليلية لنص"البحث عن مكان أنام فيه" ل"أحمد سيف حاشد"    الكاتب والصحفي والناشط الحقوقي الاستاذ محمد صادق العديني    الإعلان عن الفائزين بجوائز فلسطين للكتاب لعام 2025    فريق أثري بولندي يكتشف موقع أثري جديد في الكويت    مركز أبحاث الدم يحذر من كارثة    إحصائية: الدفتيريا تنتشر في اليمن والوفيات تصل إلى 30 حالة    قطرات ندية في جوهرية مدارس الكوثر القرآنية    تسجيل 22 وفاة و380 إصابة بالدفتيريا منذ بداية العام 2025    وزارة الأوقاف تعلن عن تفعيل المنصة الالكترونية لخدمة الحجاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الزراعة.. العمود الفقري للحياة الاقتصادية والسياسية
نشر في 26 سبتمبر يوم 26 - 06 - 2022

شكلت الزراعة في التاريخ اليمني القديم القاعدة الأساسية للبناء الاقتصادي منذ المراحل الأولى لتطوره الحضاري .
فلقد اسهمت المقومات الطبيعية كالسطح وخصوبة التربة ووفرة المياه المتعددة المصادر والمناخ الملائم في ذلك الازدهار .
نقل لنا المؤرخون صورة براقة لليمن القديم عن الزراعة وخصوبة البلاد ووفرة ما يزرع فيها من حبوب وفواكه . وذكر القرآن الكريم تلك الحقيقة في أجمل صورها ووصف أرض سبأ بالجنتين ويعد هذا الوصف أبلغ تعبير لحقيقة ما كان واقعا آنذاك . قال تعالي : ( لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور ( سورة سبأ آية : 15).
حضارة زراعية
أهل اليمن هم أهل فلاحة منذ اقدم العصور خاصة وأن ظروف اليمن الجغرافية من عوامل مساعدة كخصب الأرض وكثرة المياه من الأمطار والعيون والآبار قد ساعدت على انتشار الزراعة وتنوع محاصيلها . وقد تحدث أ – ولفنسون بهذا الخصوص قائلا : ( ...وتعد بلاد اليمن ذات الهضاب الكثيرة والجبال الشاهقة والسهول الفسيحة من أخصب بلاد الله على الأرض ... فهي دائما تربو فيها وتنبت مختلف الأنواع من الزرع وتنتج من الثمرات والغلال ما اشتهر أمره وذاع صيته في مختلف الأقطار من قديم الزمان ... وكان لديهم معرفة في مواعيد الزراعة ومواسم الأمطار وهطولها وحصاد الثمار واختزانها ) . وبهذا الصدد يقول استرابو: ( ... بلاد العرب السعيدة مأهولة بجماعات من الفلاحين ... وهذه البلاد كثيرة الأمطار في الصيف ولذلك كانت أرضهم تنتج الغلة مرتين في العام ... ) وفيما ذكره في كتاب ( التاريخ العربي القديم ) للدكتور فؤاد حسنين ( ... أن الزراعة كانت العمود الفقري للحياة الاقتصادية والسياسية في اليمن القديم ... ). كما كان لقدماء اليمنيين معرفة بالقواعد الزراعية لتحديد فترة تسميد الأرض ومواسم البذور وغرس الأشجار والمواسم المطيرة والمجدبة كما كان لديهم حسابات فنية زراعية خاصة بهم حددوا من خلالها الفصول والمواسم .
كما أن للمقومات البشرية الدور الإيجابي والهام في تلك النهضة كوفرة الأيادي العاملة التي كانت تقوم بالمهام الزراعية وبناء منشآت الري المتنوعة والمتطورة فعلى الأودية أقام اليمنيون السدود وأنشأوا القنوات وفي المناطق الداخلية حفروا الآبار وعلى المرتفعات بنوا المدرجات الزراعية واستغلوا مياه الغيول كما تفننوا في بناء الصهاريج . كل ذلك كان مدعوما بوجود سلطة قوية تحافظ على انظمة الري وتسن القوانين الخاصة بالضرائب وبتوزيع الأراضي الزراعية والمياه كما حدثتنا النقوش بذلك . إضافة إلى ذلك وجود اسواق رائجة لتسويق المنتجات الزراعية المتنوعة في الأسواق المحلية والأسواق الخارجية بفضل تلك العوامل كلها تبوأت الزراعة المرتبة الأولي في اقتصاد اليمن القديم . فانتشرت الحقول الزراعية حيث بلغت المساحة المزروعة حوالي 80% من المساحة الصالحة للزراعة ولا سيما في الوديان والسهول مقارنة بالتراجع الكبير في العصور اللاحقة والحالية . لان المياه كانت تستغل بشكل امثل بخلاف العصور المتأخرة والمعاصرة وحيث فقدت التربة الكثير من عناصر خصوبتها .
مشاريع مجتمعية
لقد ازدهرت الزراعة في اليمن القديم وبوجه الخصوص في عصر الدولة السبئية منذ الألف الأول قبل الميلاد عندما اهتم مكارب سبأ باستصلاح الأراضي للزراعة وحققوا أعظم مشروعات الري في العصر القديم عبر إنشاء شبكة السدود أهمها سد مأرب لحجز مياه الأمطار والسيول والإفادة منها في ري ساحات كبيرة من الأراضي . وقد اكتشف في أراضي اليمن كتابات في الخط المسند تعتبر قوانين أصدرتها الدولة اليمنية القديمة نظمت بموجبها حقوق السقي والاستفادة من الماء . كما وجدت كتابات أخرى تدل على ان بعض المناطق كانت تدار من قبل مجلس يتألف من ثمانية أشخاص عليها إدارة العمل وكان على هيئة مجلس زراعي لمشروع تعاوني يضم اهل تلك المنطقة ولكل عضو من اعضائه عمل معين يقوم به . ولغة المسند تحتوي على مصطلحات زراعية وأسماء لآلات وادوات استعملت في الزراعة منذ القدم .ولحكومة مخازن تخزن فيها ما تأخذه من محصول عيني تدخر منه للحاجة وتعرض الفائض في الأسواق المحلية والعالمية للبيع والحكومة حكومة حكم وتجارة .
وقد عرفت الحضارة اليمنية القديمة مظاهر التكاتف والتعاون الجماعي على أسس طوعية متكافئة ومعزز بروح الواجب والمسؤولية المشتركة التي تفرضها قوى الطبيعة القاسية وضرورات الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتبادل المصالح والمنافع المشتركة على النطاق الاجتماعي . ومن اجل ذلك سخر اليمنيون الأقدمون على اختلاف فئاتهم وتفاوت حصصهم من المال طاقاتهم الذهنية والجسدية للتغلب على المعضلات الطبيعية القاسية فأقاموا المنشآت العامة والخاصة على نحو السدود والمدرجات الزراعية والطرق وحفر الآبار والبرك التي ينتفع بها بشكل جماعي وعدم ترك الفرد يواجه تلك المعضلات منفردا.
نهضة زراعية
ثم جاءت بعثات الآثار إلى اليمن في التاريخ الحديث والمعاصر واجرت العديد من التنقيبات الأثرية فكانت نتائجها مطابقة لما سبق ذكره عن اليمن القديم وعن خصوبة أرضه حيث كشفت لنا التنقيبات عن منشآت ري ضخمة أقامها اليمنيون من سدود وقنوات توضح حجم المساحة المروية ومازالت آثار تلك المنشآت قائمة على الرغم من ان الرمال قد دفنت اجزاء كثيرة منها وطمرتها نهائيا . فأراضي دولة معين بوادي الجوف مثال لتطور الزراعة في التاريخ اليمني القديم فقد استفاد المعينيون من الظروف الطبيعية حيث يستقبل وادي الجوف اكثر من احد عشر رافدا من حيث الأهمية وأبرزها رافد الخارد ومذاب وهمدان وشبام وريده وجميعها قادمة من المرتفعات الغربية من كتلة النبي شعيب ومن شرق صعدة ومن الجنوب من ناحية جبل اللوز بخولان وديار قبائل بني بهلول الواقعة جنوب مدينة عمران وريده وتبلغ مساحة تلك المساقط (مساقط المياه ) التي تمد وادي الجوف بالسيول حوالي 2700كم2 ودائما ما تكون تلك السيول محملة بالطمي (الغرين) الذي يزود التربة بالخصوبة ويسمح بزراعة أنواع مختلفة من المنتوجات الزراعية, وقد استغلت الدولة المعينية تلك الظروف من مياه وتربة خصبة فأنشأوا شبكات ري متنوعة كشفت بعثات الآثار التي زارت الجوف النقاب عنها أهمها سد الخارد الذي أقيم على وادي الخارد ولهذا اصبح للمعينين منشآت متطورة للري فتطورت الزراعة وازدهرت بشكل كبير حيث يذكر ان المساحة الزراعية التي استصلحها المعينيون بالجوف بلغت حوالى 80 كم طولا و25كم عرضا .
محصول الحبوب
كان اليمنيون القدماء شعباً زراعياً يعيش على زراعة الأراضي الطموية في الادوية او في المدرجات الزراعية وعلى سفوح الجبال او ممارسة الري بالسقي ولقد كان لتنوع الطبيعة التضاريسية وخصوبة التربة ووفرة المياه المتعددة المصادر والمناخ الملائم في اليمن القديم أهمية فريدة انعكست على تنوع المحاصيل الزراعية فمنذ الألف الأول قبل الميلاد بلغت الزراعة اوج تطورها بل واتخذت لنفسها مميزات السلعة فانتشرت زراعة الحبوب واشجار النخيل والحدائق المثمرة وانتشرت الأشجار البرية الخاصة بالمواد الصمغية التي كان لها شأن عظيم في تطور الاقتصاد . وتشير النقوش إلى عدد لا بأس به من المحاصيل الزراعية وتأتي الحبوب في مقدمة تلك المحاصيل وتشمل الذرة والشعير والحنطة او البر(القمح ) والدخن . ويبدو واضحا من خلال النقوش أن الحبوب تمثل المصدر الأساسي لغذاء الإنسان اليمني القديم . وقد تعددت أسماؤها فقد يطلق عليها ( ح ب ب) حب او (ا ث م ا ر ) ثمار او (أ ك ل) او ( أ م ر ت ) أو ( أ ف ق ل ) والمطحون منها كان يسمى ( د ق ق) دقيق او ( ط ح ن ). كما ذكرت لنا النقوش غلات تسمى بأسماء مواسمها كالقياظ والدثاء . ولأهمية ذلك الغذاء الذي يمثل محور حياتهم مجد اغلب النصوص النقشية تبجل بركة الأرض وترجو المتقدم بالنص من الآلهة ثمارا ومحاصيل وافرة وزكية ومباركة تنجيهم من احتباس المطر وتمنحهم ماء ومنع حدوث فيضانات وحمايتهم من الآفات وشواهد ذلك في عدد من النقوش .
وقد ذكرت الحبوب كغذاء أساسي في النقوش الخاصة بترميم سد مأرب التي تعود إلى القرنين الخامس والسادس الميلاديين ففي نقش الملك الحميري ( شرحبيل يعفر) سنة 540 م الذي يتحدث عن امر الملك بترميم وإصلاح السد بعد تصدعه في حوالى (449- 455 م ) أنه يشير إلى كمية المأكولات التي أستهلكها المساهمون في الترميم حيث شملت انواع الحبوب ( البر والشعير والذرة ) التي قدمت بكميات كبيرة وقد استهلكوا ( 295340) مقداراً من الحبوب المطحونة وغير المطحونة .
اما نقش أبرهة الحبشي الذي يعود إلى القرن السادس الميلادي فيذكر كميات الطعام التي صرفت للمشاركين في ترميم سد مأرب (سطر 114- 130) مقدرا أياها ب( 50860) مقداراً وهذا يدل على ان إنتاج الحبوب في اليمن قد بلغ مستوى رفيعا فتلك الغلة مرتبطة بشكل مباشر بطبيعة المواسم الممطرة .
ثورة زراعية
وعلى هذا الأساس شكلت الزراعة في تاريخ اليمن القديم ميدان إنتاج فعلى لخيرات وفيرة اضطر اليمنيون للحفاظ عليها من خلال إقامة منشآت ري ضخمة ساعدت الناس على الاستقرار في الأراضي الخصبة وبناء الحضارة وإلى جانب الزراعة عنى اليمنيون عناية فائقة بالثروة الحيوانية المختلفة, كل ذلك ساعد بشكل مباشر في تطور وازدهار الحياة الاقتصادية بمختلف اشكالها . فتربة اليمن خصبة كريمة قابلة لكل الغروس من الأشجار ومن الحبوب والبذور والبقول في ظل التوجه الرسمي والوعي المجتمعي حاليا نحو ثورة زراعية وجبهة اقتصادية تقوم على تراثنا الزراعي التاريخي والحضاري للوصول إلى الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي لمواجهة الحصار والعدوان على بلادنا منذ ثماني سنوات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.