يعتاد البعض أمورا روتينية تقليدية تصبح بالتقادم مسلمات شبه يقينية ، أو مألوفات نصف مقدسة، إن لم تكن ثقافة متأصلة وطبع متجذر ، يصعب من ثم القبول بغير ما يألف، أو مغايرة ما يعتاد، ليس بكون ذلك يشكل لدى هذا البعض نوع من التمرد على المألوف أو تعدي على الشرع (العرف) وحسب ، إنما بكون ذلك يعد انتهاكا صارخا لشرعة الإلزام وتطاولا غير معهودا لهيبة الإرغام ، التي تفرضها عصبوية العشيرة أو شللية القرابة والانتماء ، بحسبان ذلك التغيير إن حصل قد يمس، بشكل أو بآخر ،قاعدة الاحتكار ويكسر حاجز السيطرة والأثرة التي أصبحت في مفهومها حقا حصريا لا يجوز التنازل عنه أو مجرد المساومة به . ولقد اعتادت مثل هذه النوعيات احتكار السلطة والاستحواذ على الوظيفة العامة باعتبارها حقا حصريا لها دون غيرها،تراكم عليها ردحا من الفساد والمحسوبية حتى غدت بفعل عوامل عدة ، ومنها طول المكوث في الوظيفة ، لا تقبل بغير هكذا ثقافة، بحيث صارت تنظر إلى الوظيفة العامة كأنها ملكية شخصية وحقا حصريا لها حرية التملك وربما التوريث ..ولا يحق لغيرها أن تعين في تلك المناصب والوظائف. من هنا نجد مواقف الأغلب من حركة التغيير الراهنة متذمرا، أو مستاءا من كل عملية تغيير خاصة إذا ما كان هذا التغيير يطال رموزا قد تخشبت في الوظيفة ردحا من الزمن وصارت شبه اقطاعية خاصة بها وبحاشيتها، بل ومشككا في الوقت نفسه بقدرات وإمكانيات البدائل حتى ولو كانت هذه البدائل مؤهلة تأهيلا علميا وإداريا يفوق سابقتها، فلا يروق له ذلك بتاتا ، ولا يمكن تقبل أو يستصيغ عملية التدوير أو التغيير تلك ، نجد هذه النوعية متشائمة من كل تغيير حتى ولو كان إلى الافضل وأصبح ضرورة ملحة بل وسنة تغييرية لابد أن تطال الجميع الوظيفي والكل الإداري ..الأمر الذي جعلها تنظر إلى المستقبل ومآلاته نظرة تشاؤمية وربما سوداوي الأفق ، وكأن رموزها أو عناصر شلتها كانوا ملائكة لم تتح لهم الفرصة الكافية والطويلة في القيادة والسياسة ولم يحققوا شياء إيجابيا سوى النذر اليسير من الإنجازات التي لم تقارن بمثيلاتها في بعض الدول ، وأن البدائل من وجهة نظرها مجرد فاشلين وغير مؤهلين لقيادة البلد . كم نشفق على مثل هؤلاء من كثرة التذمر الذي يبدونه جراء عملية التغيير الجارية. وكم نقدر مشاعرهم الطافحة والنزقة تجاه ما يحصل .. إننا إذ نستغرب مثلكم من خشيتكم على المستقبل و تحسركم على الماضي القريب ..والذي بلا شك كنتم جزاء منه ومن صانعيه .. لكن هذه سنة التغيير التي تطال كل شيء ، والتي ينبغي على الجميع التعاطي الإيجابي معها ومع مقتضياتها.. وإن ما يبدونه من استهجان وتذمر تجاه تغيير بعض الكوادر ، ايا كانت كفاءتها ومؤهلاتها، لا يليق بمن يحمل قسطا من الثقافة المؤسسية المبنية اساسا على تدوير الكفاءات وتعميم الفرص المتاحة للجميع.. وما يظهرونه من شيطنة والتقليل من قدرات البدائل لا ينم إلا عن حالة يمكن وصفها بالغير طبيعية ، وتحكم ثقافة احتكارية متجذرة يصعب الفكاك من تبعاتها . دعونا نتفائل ، ولعل في ذلك خيرا ..ومباركاتنا لجميع من تم تعيينه في منصب حكومي ، ونحب تذكيره: بأن المحك في النجاح هو الإنجاز في الميدان وعلى أرض الواقع وليس في التنظير والتبرير ، حيث المهام جد كبيرة وعويصة .. لاسيما موضوع الرواتب وحقوق الموظفين كأولوية لا تقبل التسويف واستحقاق لا يقبل المماطلة .. كما هي تقديراتنا وعرفاننا الجميل لكل من تم تغييرهم..وكانوا يوما ما قادة وأصحاب قرار .. وسفينة الوطن للجميع ..أمنا .. وعدلا ..وتنمية ..