بدأت الحكومة ببطء ولكن بثبات في بناء مجموعة من المؤسسات الأكثر حداثة وتنفيذ بدايات برنامج التنمية على المستوى المحلي وكذلك الوطني ومع ذلك لم تقبل جميع قطاعات السكان السلطات الجديدة للحكومة وتأثيرها على العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التقليدية ومن المؤشرات الواضحة على هذا السخط اغتيال رئيسين في تتابع سريع الحمدي في عام 1977م وبعد ثمانية أشهر فقط أحمد الغشمي في عام 1978م وأختار مجلس الشعب التأسيسي الذي تم إنشاؤه قبل ذلك بقليل العقيد علي عبد الله صالح خلفا للغشمي وعلى الرغم من الشكوك العامة المبكرة ومحاولة الانقلاب الخطيرة في أواخر عام 1978م تمكن صالح من التوفيق بين معظم الفصائل وتحسين العلاقات مع جيران اليمن واستئناف برامج مختلفة للتنمية الاقتصادية والسياسية وإضفاء الطابع المؤسسي وبعد أن أصبح أكثر رسوخا في السلطة في الثمانينيات أنشأ المنظمة السياسية التي أصبحت تعرف باسم حزبه المؤتمر الشعبي العام وقاد اليمن إلى عصر النفط وبعد أن أصبح اليمنان مستقلين ارتفعت التوقعات في بعض الأوساط بأنه سيكون هناك شكل من أشكال الوحدة خاصة وأن كلا الدولتين ادعت علناً أنها تدعم الفكرة ومع ذلك لم يكن هذا الأمر وشيكًا وكان السبب الرئيسي هو الاختلاف الجذري في التوجهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للنظامين وبحلول نهاية الستينيات وفي حين اختار الشمال أن يظل اقتصادًا مختلطًا ولكن سوقيًا إلى حد كبير وأن يحتفظ بالعلاقات مع الغرب وكذلك مع المملكة العربية السعودية بدأ الجنوب في التحرك بسرعة في الاتجاه الاشتراكي تحت قيادة الجناح الأكثر تطرفًا لجبهة التحرير الوطنية وقد أدت الخلافات السياسية إلى حرب حدودية قصيرة بين اليمنين في عام 1972م وعلى الرغم من الجهود التي بذلها بعض اليمنيين وآخرين لحل هذه النزاعات- في الواقع على الرغم من أول اتفاقين تم إحباطهما للتوحيد فإن الصراعات الأساسية بدت غير قابلة للتسوية لقد رأى اليمنيونالجنوبيون أن قضيتهم قضية التحول الماركسي للأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية العربية في حاجة ماسة إلى العمل المباشر وفي الواقع فقد ساعد جنوباليمن في تحريض وتمويل حركة معارضة واسعة النطاق في الشمال الجبهة الوطنية الديمقراطية في منتصف السبعينيات ووافقت عناصر من القيادة على اغتيال رئيس اليمن الشمالي الغشمي عام 1978 م وفي الوقت نفسه دعم جنوباليمن منظمات ثورية أخرى في المنطقة مثل الجبهة الشعبية لتحرير عمان وأدى الاحتكاك المستمر بين البلدين إلى حرب حدودية أخرى قصيرة ولكنها أكثر خطورة في عام 1979م وكما في الحالة السابقة أعقب هذا الصراع اتفاق قصير الأمد للتوحيد ومع ذلك كانت هناك انقسامات كبيرة – أيديولوجية وعملية على حد سواء – تظهر في جنوباليمن داخل الحزب الاشتراكي اليمني الحاكم وهو الحزب الذي تطور من جبهة التحرير الوطنية حيث كان عبد الفتاح إسماعيل المنظر الأيديولوجي الرئيسي للحزب الاشتراكي اليمني وكذلك رئيس الدولة والقوة الدافعة وراء تحرك جنوباليمن نحو الاتحاد السوفيتي في وقت سابق من السبعينيات وفي أواخر ذلك العقد واجه معارضة من حليفه السابق زعيم الفصيل الصيني في النظام رئيس اليمنالجنوبي سالم ربيع علي الذي ألهمت زيارته للصين سياساته بالأفكار الماوية وانتهى الصراع بإعدام ربيع بتهمة التورط في اغتيال الغشمي وفي المقابل أثبت إسماعيل أنه متشدد ومتشدد للغاية – في تحليلاته وسياساته وأساليب تنفيذه – وقد تم عزله في عام 1980 م وأسس خليفته علي ناصر محمد نظامًا سياسيًا واقتصاديًا أقل دوغمائية بكثير في كانون الثاني - يناير 1986 م ظهرت الاختلافات الشخصية والأيديولوجية المختلفة لفترة وجيزة في حلقة من الحرب الأهلية العنيفة التي خلفت إسماعيل والعديد من أنصاره قتلى وأدت إلى نفي علي ناصر محمد وجلبت إلى السلطة مجموعة من السياسيين المعتدلين والتكنوقراط بقيادة علي سالم البيض وحيدر أبو بكر العطاس وكان هذا العنصر من الحزب الاشتراكي اليمني هو الذي تولى المفاوضات التي أدت إلى وحدة اليمنين لقد تم اختبار قدرة القيادة الجديدة على بناء دعم سياسي شعبي وإحياء التنمية المتعثرة في جنوباليمن في أواخر الثمانينيات وتبين أنها ناقصة .