من حق أي شعب أن يتوق إلى التغيير ويتطلع إلى وضع أفضل ومن حق أي شعب أن يثور على نظام جامد سواءً كان ملكيا أو جمهوريا شرط أن تكون الثورة نابعة من أوساط الشعب نفسه صاحب المصلحة الأولى من قيامها وهو الذي يتكفل بحمايتها والدفاع عنها ولا يكون للخارج يد فيها وهذا ما ترجمته ثورة 21 سبتمبر الشعبية على أرض الواقع عام 2014م التي أحتفل شعبنا اليمني بعيدها العاشر السبت الماضي وتجسدت في ظلها إرادة اليمن الحرة المتحرر من التبعية والارتهان للخارج رغم العدوان عليه والحصار واحتلال المحافظات الجنوبية والشرقية ولولا هذه الثورة المباركة لظل اليمن يدور في فلك أعدائه يسيرونه كيفما يشاءون لخدمة مصالحهم ومن ضمن أهداف ثورة 21 سبتمبر الشعبية إيمانها بحقيقة أن اليمن لكل أبنائه وأن مصلحته تكمن في أهمية الوصول إلى مصالحة وطنية حقيقية تؤدي إلى شراكة تتمثل في بناء دولة المواطنة المتساوية القوية القادرة والعادلة وذلك بخلاف الثورات أو الحركات التي شهدها اليمن خلال الثمانية عقود الماضية بدءاً بحركة 1948م ومروراً بحركة الثلايا في تعز عام 1955م ومحاولة اغتيال الإمام احمد في الحديدة عام 1961م وثورة 26 سبتمبر في صنعاء عام 1962م وانتهاءً بانتفاضة الشباب عام 2011م، فإذا ما توقفنا عند هذه الثورات أو الحركات واستعرضنا بعض حقائقها وطبيعة قيامها وكيف تم التخطيط لها وتنفيذها سنجد أن ثلاث منها كانت مرتبطة ارتباطا وثيقاً بالخارج بل جلبت الاحتلال لليمن منذ أول يوم لقيامها ومحاولتين شخصية ولذلك فقد فشلت في أن تحقق للشعب اليمني تطلعاته وطموحاته في بناء دولة وطنية حديثة مستقلة تخضع مؤسساتها كلها للنظام والقانون لاسيما تلك التي ولدت ميتة فدفنت في مهدها على سبيل المثال ما عُرف بثورة أو حركة 1948م ضد حكم الإمام يحيى حميدالدين رحمه الله التي تم التخطيط لها في عدن إبان الاستعمار البريطاني وكان منظرها الفكري في صنعاء وصاحب الفتوى بقتل الإمام يحيى ملك اليمن آنذاك رغم تقدمه في العمر هو الإخواني الجزائري الفضيل الورتلاني وكان قائدها العسكري الضابط العراقي جمال جميل أما من اعتبروا أنفسهم ثواراً من اليمنيين خاصة القادمون من عدن فقد كانوا عبارة عن كمبارس اختلفوا فيما بينهم مُنذ أول يوم اجتمعوا فيه ولذلك لم تعمر هذه الحركة إلا أياماً معدودة فسقطت على أيدي القبائل الذين استعان بهم ولي العهد أحمد بن يحيى حميد الدين الذي نصب نفسه ملكا وإماما خلفا لوالده الشهيد، وفي عام 1955م قامت في تعز ما عرف بحركة قائد الجيش المقدم أحمد الثلايا ضد حكم الإمام أحمد حميد الدين ولأن هذه الحركة لم يكن هدفها تغيير طبيعة النظام وإنما استبدال إمام بإمام من نفس الأسرة الحاكمة له ارتباط بأمريكا وكانت في الأساس انتقاما من الإمام أحمد لأنه وقف إلى جانب المواطنين وأتخذ إجراءات صارمة ضد قائد الجيش وعسكره الذين تضرر الناس من تصرفاتهم فلم تعُمر سوى ثلاثة أيام قبل إجهاضها وتم القبض على المقدم أحمد الثلايا ومن ناصروه وإعدامهم وانتهى تأثيرها وكأنها لم تقم كونها لم تجد تأييداً شعبياً للالتفاف حولها، وكذلك محاولة اغتيال الإمام أحمد في الحديدة من قبل الضابط العلفي فقد كشف عبدالله جزيلان في كتابه وكذلك حسين المقدمي في مذكراته عن سببها مؤكدين أنها شخصية لأن الإمام أحمد رفض أن يوافق على إعطاء الضابط العلفي منحة طبية للعلاج في ايطاليا من مرض خطير كان مصابا به ويقول جزيلان أنه من حرض العلفي على اغتيال الإمام، أما ثورة 26 سبتمبر التي قامت في صنعاء ضد الإمام محمد البدر بعد اختياره ومبايعته ملكا لليمن عقب وفاة والده الإمام احمد فقد كان لها النصيب الأكبر من التدخل الخارجي مع وضد، هذه الثورة تم التخطيط لها في مصر وأشرف على تنفيذها في صنعاء ضابط المخابرات المصرية محمد عبدالواحد الذي كان ينتحل صفة دبلوماسية القائم بأعمال السفارة المصرية في اليمن كما أشار القاضي عبدالرحمن الارياني رئيس المجلس الجمهوري الأسبق رحمه الله في مذكراته - الجزء الثاني - وقد أعترف الشهيد علي عبدالمغني بأنه كان على تواصل مع القاهرة من قبل قيام الثورة بعدة أشهر وعندما شعر الضباط الشباب الذين قاموا بالتنفيذ بأن الفشل سيكون حليفهم بعد أن تأكدوا من هروب الملك محمد البدر سارعوا مُنذ صباح يومها الأول بإلقاء القبض على الشخصيات التي كان بالإمكان الاستفادة منها ومن خبرتها لتثبيت دعائم الثورة واكتساب شعبية لها فنفذوا فيها إعدامات عشوائية لدرجة أن الجثث كانت ترمى في الشوارع وتأكل منها الكلاب ومن يرجع لكتاب عبدالله جزيلان (التاريخ السري للثورة اليمنية) وهو القائد الحقيقي للثورة كونه من أمر بتحرك الضباط ومحاصرة دار البشائر وقصفها سيعرف حقيقة ما أرتكبه الثوار من جرائم إعدامات عشوائية لشخصيات مدنية لمجرد أنها كانت تعمل مع النظام الملكي الذي ثاروا عليه وكأن الثوار أنفسهم جاءوا من كوكب آخر ولم يكونوا يعملون ويخدمون ذلك النظام خاصة العميد عبدالله السلال الذي كان نفسه يشغل منصب قائد الحرس الملكي لحماية الأسرة الحاكمة، ومن العجيب أن يتفاخر الضابط عبدالله جزيلان في مذكراته بأنه شارك بمسدسه بإطلاق النار على المسن رئيس الاستئناف وحفيده الطفل بحضور السلال وغالب الشرعي ثم تم التوجيه لصغار العسكر لاقتياد من تم اعدامهم من بيوتهم بما في ذلك من أتوا مؤيدين للثورة مع أنهم كانوا قادرين على الهروب والوقوف ضدها لو أرادوا وهذه الإعدامات العشوائية التي تمت بدون محاكمة هي من شكلت وقودا للثورة المضادة وارتداد الكثير من مؤيديها وانضمامهم إلى الصف الملكي كما أكد ذلك القاضي عبدالرحمن الإرياني في مذكراته أيضا والذي بعث ببرقية من تعز للرئيس السلال يتبرأ فيها من هذه الاعدامات وقد رد عليه السلال حسب ما ذكره الإرياني قائلا: إننا نعدم أعداء الشعب، ولأن ثورة 26 سبتمبر كان هدف قيامها ليس مصلحة الشعب اليمني وإخراجه من الظلمات إلى النور كما كان يدعي الثوار وإنما انتقام مصر الناصرية من السعودية بسبب تآمرها على الوحدة بين مصر وسوريا واليمن فسارع الرئيس جمال عبدالناصر بإرسال جيشه إلى اليمن في الأسبوع الأول لقيام الثورة بحيث يكون قريبا من السعودية وكان من أولى مهام الطيران المصري أن قام بضرب مناطق جيزان ونجران باعتبارهما مناطق يمنية محتلة من قبل السعودية وتم الإعلان صراحة بأن الجيش المصري الموجود في اليمن هدفه الأساس اسقاط النظام الملكي الرجعي السعودي وهو الأمر الذي جعل السعودية تتدخل بقوة وتدعم الملكيين بالمال والسلاح فتحول اليمن إلى ساحة حرب لتصفية حسابات إقليمية استمرت ثمانية أعوام وانتهت بهزيمة الجيش المصري وانسحابه من اليمن واحتواء السعودية للثورة والجمهورية بعد افراغهما من مضمونهما الثوري وتغييب الأهداف التي قامت من أجلها وباعت من كانت تدعمهم لمحاربة الثورة والجمهورية من بيت حميد الدين وأنصارهم بأرخص ثمن ونصبت نفسها الحامي والمدافع عن النظام الجمهوري في صنعاء وسيرته بالطريقة التي تخدم مصالحها بالدرجة الأولى حيث أصبحت هي الحاكم الفعلي لليمن وأكبر دليل على ذلك اكتظاظ فنادق الرياض بمن يعتبرون أنفسهم جمهوريون ومن بقايا الثوار رغم مرور اكثر من ستة عقود على قيام الثورة . وإذا كان الشباب في عام 2011م قد حاولوا أن يخلصوا اليمن من وضع الارتهان للخارج من خلال انتفاضتهم ضد حكم الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح لكنهم سرعان ما وقعوا في شرك الأحزاب التي سلبت منهم انتفاضتهم وسلموها بموجب المبادرة الخليجية للسعودية وأمريكا فتم انتاج نفس النظام الذي ثاروا عليه من جديد وتقاسموا الحكم معه ليعود اليمن أكثر ارتهانا من ذي قبل ولولا قيام ثورة 21 سبتمبر الشعبية التي ولدت من رحم الشعب واستطاعت أن تصمد بفضل الالتفاف الشعبي حولها ضد المؤامرة التي حيكت لإسقاطها من الخارج وعملائه في الداخل وانتصرت على تحالف عدوان كوني لظل اليمن مرتهنا للخارج وهو ما يتوجب علينا اليوم أن نستبين الرشد لأن استبانته في الغد سيكون قد فات أوانه ، وعلى الذين باعوا أنفسهم وعقولهم وضمائرهم للشيطان السعودي الأمريكي وأصبحوا جنوده المجندة واحترفوا المتاجرة بالدين والوطن والقيم والمبادئ ليبقى اليمنيون منشغلون بصراعاتهم وحروبهم العبثية العدمية المثقلة بأحقاد مصطنعة تنتج فوضى مسيطر عليها ومتحكم بها نرى نماذجها جلية وواضحة في أكثر من بلد عربي وإسلامي أن يعوا هذه الحقيقة ويستوعبونها وأن يعتبروا بمصير كل العملاء والمرتزقة الذين يعملون ضد أوطانهم وكيف تكون نهايتهم على مر التاريخ .