بعد عام من انطلاقة عملية طوفان الأقصى التي مثلت تحولاً استراتيجياً في مسار الصراع العربي- الإسلامي مع إسرائيل ، لم يعد اقتصاد الكيان في قائمة الاقتصاديات الناشئة ، ولم تعد يافا" تل أبيب ", من المدن الأكثر جذباً للاستثمارات الأجنبي المباشر ، ولم تعد الأراضي الفلسطينيةالمحتلة الواجهة السياحية الاولى للسياح الأوروبيين والغربيين في منطقة الشرق الأوسط ، ليس ذلك وحسب ، بل إن تداعيات جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة خلال 12 شهراً مضت كانت جسيمة على اقتصاد الكيان الذي يفقد تماسكه يوماً بعد آخر ويفقد جدارته شهراً بعد آخر وفقاً لتقارير مؤسسات التصنيفt الدولية التي تعمل على تخفيض تقديراتها لاقتصاد الكيان ، ورغم محاولة الكيان التكتم على خسائره الحقيقية الناتجة عن ارتفاع مستوى الاتفاق على جرائم العدوان الإسرائيلي على غزة ، الا أن المؤشرات والارقام التي تم الكشف عنها من قبل الاحصاء الإسرائيلي ومراكز البحوث والدراسات أكدت تكبد الكيان افدح الخسائر المباشرة وغير المباشرة نتيجة استمراره في هذه الحرب النازية , لمختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية التابعة للكيان في حالة انهيار شبة كلي ، فالكيان يواجه عدة أزمات ناتجة عن استمرار عدوانه على غزة وتوسيع جبهة الشمال ودخوله في مواجهة مباشرة مع حزب الله في شمال فلسطينالمحتلة، وأبرز تلك الأزمات الناتجة عن تداعيات جبهة الإسناد اليمنية تمثلت بأزمة الشحن البحري التي تحتل المرتبة الأولى في قطاع النقل التابع للكيان كونه يستخدم النقل البحري بنسبة 85% ، يضاف إلى أزمات موازية كأزمات تموينية وأزمات العجز المتصاعد في ميزانية الكيان وأزمة ضربت قطاع العقارات وأزمة عمالة وأزمة ثقة بحكومة نتنياهو وأزمات أخرى ناتجة عن تداعيات الصراع شملت مجالات التصدير والاستيراد بين الكيان ودول العالم.، يضاف إلى صعوبة نفاد المنتج الإسرائيلي للعالم في ظل اتساع نطاق المقاطعة الاقتصادية للبضائع الإسرائيلية والأمريكية في الأسواق الآسيوية والأوروبية والغربية . وفي مقابل تلك الازمات، تعاني حكومة الكيان من أزمات مالية، ناتجة عن تراجع معدلات الدخل الناتج عن حالة الانكماش الكبير الذي يعانيها اقتصاد الكيان، وارتفاع معدلات التضخم وتراجع الحركة التجارية وتوقف عشرات الالاف من الشركات الناشئة وهذا القطاع يعد من القطاعات الحيوية في اقتصاد العدو الإسرائيلي، وفي الوقت الذي يحاول الكيان إخفاء خسائره الحقيقية ويقتصر الاعلام العبري الحديث عن جزء من الانفاق العسكري الإسرائيلي فقط، وذلك كأجراء يمارسه لحماية جبهته الداخلية في ظل ارتفاع موجة السخط على حكومة نتنياهو من قبل المستوطنين، سيما وان العامل الاقتصادي يلعب دوراً هاماً في الحروب ، ولذلك يخفي الكثير من الحقائق والتفاصيل عن الكلفة الاجمالية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والعسكري لحربه الاجرامية على غزة طيلة عام ، وكذلك المواجهات التي تشهدها جبهة شمال فلسطينالمحتلة ، منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى تتحدث وسائل اعلام الكيان عن خسائر مباشرة قدرات أواخر العام الماضي ب 64 مليار دولار وبعد 11 شهر زعم الكيان ان كلفة الحرب ارتفعت إلى 67 مليار دولار خلال الربع الثالث من العام الجاري وتقول وسائل اعلام عبرية الى ان تكلفة الانفاق العسكري في غزة لوحدها تجاوزت 43 مليار دولار ، دون الجبهات الأخرى وترجح ارتفاع الكلفة الى 73 مليار دولار منذ السابع من أكتوبر ، واذا كانت كافة خسائر الحرب لوحدها تجاوزت هذا الرقم ، كونها تشمل الإنفاق على التسلح، وتكاليف الدعم اللوجستية المختلفة، ودفع رواتب عناصر الاحتياط، ، فان اجمالي التكلفة الاقتصادية والاجتماعية التي تكبدها ويتكبدها الكيان الإسرائيلي وفقاً للدراسات وتقديرات خبراء الاقتصاد تصل إلى 160 مليار دولار . ورغم تصاعد الاضرار الخسائر في مختلف قطاعات الكيان خلال الأشهر 11 الماضية من عام الطوفان، إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ الكيان منذ 75 عاماً ، وتصاعد تداعيات العدوان الإسرائيلي علي غزة طيلة عام على معظم القطاعات الحيوية في إسرائيل ، كقطاع الشركات الناشئة وقطاع الاستثمار والزراعة والبناء والسياحة والنقل والبناء والتشييد وقطاع التأمين والبنوك وقطاع التكنولوجيا ،فان كل الخسائر المعلنة والتي تعمد الكيان إخفائها على الجبهة الداخلية خشية تصاعد موجة السخط على حكومة نتنياهو ، لاتزال حتى الآن أولية بعد ان عمد الكيان على فتح جبهة تصعيد أخرى في شمال فلسطينالمحتلة مع مجاهدي حزب الله ، وهنا يجمع المراقبون الاقتصاديون على أن هروب الكيان من جبهة غزة التي خرجت منها منكسراً رغم تصاعد ضحايا جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها في القطاع إلى التصعيد ضد لبنان وفتح جبهة مع حزب الله ، كفيل بتغيير كل المعادلات، وانهاء كل التوقعات الاقتصادية وسوف تصيب معظم القطاعات الاقتصادية الإنتاجية والخدمية التابعة للكيان بمقتل . خسائر مضاعفة فعلى سبيل المثال، قبل قرار التصعيد العسكري الإسرائيلي الأخير على لبنان الذي اتخذ من قبل حكومة الاحتلال قبل أسابيع تحت مبرر إعادة المستوطنين إلى الشمال، وذلك في اعقاب ارتفاع معدل التعويضات التي قدمتها حكومة نتنياهو لنحو 200 الف نازح من مستوطنات الشمال المحتل التي تجاوزت مليارات الدولارات منذ مطلع العام الجاري ، يتوقع ان يرتفع اعداد النازحين من شمال فلسطينالمحتلة خلال الفترة القادمة الى مليون مستوطن وهو ما سيكبد حكومة الكيان خسائر مضاعفة ، يضاف إلى ان جريمة اغتيال الأمين العام لحزب الله ، السيد الشهيد حسن نصر الله ، وضعت عشرات المصانع الإسرائيلية الخاصة بالبتروكيمات والصناعات التكنولوجية والتي حددها الشهيد نصر الله خلال كلمته التي القاها في تأبين الشهيد فواد شكر بالاسم اكد رحم الله عليه أن تلك الشركات التي كلفت الكيان 130 مليار دولار سيتم نسفها في غضون ساعة ، ولذلك فان عملية تدمير تلك الشركات صار امراً واردا بل وواجب تنفيذاَ لوصية السيد الشهيد ، ووفقا لمصادر عبرية ، فان تصعيد الكيان في جبهة الشمال مع حزب الله ، يهدد 69 % ، من شركات التكنولوجيا في الشمال، وقبل اتساع نطاق الحرب في جنوبلبنان ، أبدت 40% من الشركات الناشئة في "شمال فلسطينالمحتلة "رغبتها في نقل أنشطتها، من شمال الكيان بعد ان توقفت بسبب استمرار الهجمات التي نفذها حزب الله ، وتسببت بشلل كلي لمختلف الأنشطة الإنتاجية والزراعية والسياحية في شمال الكيان . أما ما يتعلق بتوقعات النمو الاقتصادي لإسرائيل التي ارتفعت إلى 6% عام 2022 ، وكان الكيان يعتزم قبل 7 أكتوبر العام الماضي أن يحقق معدل نمو يتجاوز 6% بعد ان حقق معدل نمو بلغ 8% عام 2021 ، فان جريمة اغتيال الشهيد نصر الله ، خفضت توقعات النمو من ما بين 1% و1.9% هذا العام، إلى صفر % ، يضاف إلى أن تصاعد عمليات جبهة الإسناد اليمنية والعراقية إلى جانب تنامي واتساع نطاق الاستهداف الذي يقوم به حزب الله اللبناني ، حول كافة الأراضي الفلسطينية إلى ساحة حرب مفتوحة ، وهو ما سيقضي على قطاع الاستثمار الإسرائيلي والاستثمار الأجنبي الذي يعد أحد الأعمدة الأساسية للنمو الاقتصادي للكيان ، ووفقاً لإحصائيات سابقة ، فأن الاستثمارات في الكيان انخفضت بنسبة 70% خلال الأشهر الماضية، واقتصادياً تعد إسرائيل بيئة غير آمنة ومعدل المخاطر الاستثمارية فيها كبيرة ، لذلك أصبحت طاردة للاستثمارات الأجنبية المباشرة التي حققت مستويات عالية وخاصة في قطاع التكنولوجيا ، وبلغ الانخفاض السنوي بنسبة 58% في الاستثمار في التكنولوجيا الإسرائيلية عام 2023، لعدم وجود أرضية آمنة للاستثمار في الكيان وتراجُع جاذبية إسرائيل للاستثمار الأجنبي ، كذلك تشير التقديرات إلى أن خسائر القطاعات الأخرى كقطاع السياحة الذي يعاني من شلل شبة كلي منذ مطلع العام الجاري وبلغت خسائره المباشرة نحو 18.7 مليار شيكل (4.9 مليار دولار) منذ بدء الحرب سوف تتضاعف ، يضاف إلى إن العجز في الميزانية الذي تضاعف إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الأشهر الماضية ، نتيجة تراجع إيرادات الكيان جراء انخفاض مستوى المعيشة في إسرائيل وتراجع القوة الشرائية للشيكل، وارتفاع معدل الإنفاق الأسرى، ما أدى إلى تراجع العائدات الضريبية التي يعتمد عليها الكيان كمورد رئيسي خزينة الدولة، يضاف لارتفاع معدل الإنفاق العسكري اليومي الذي كان يصل 250 مليون دولار إلى 330 مليون دولار خلال حرب غزة لوحدها ومع توسيع الحرب في شمال الكيان فان كلفة الإنفاق اليومي للحرب سوف تصل الضعف في ظل تهالك اقتصاد الكيان وتصاعد العجز المالي الشهري إلى نحو 12% شهرياً، وانهيار التصنيف الائتماني لاقتصاد الكيان إلى مستويات تعد الأدنى، وفي أعقاب جريمة اغتيال نصر الله خفضت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيفات الائتمانية، تصنيف إسرائيل على المدى الطويل من A+ إلى A، بعد أيام قليلة من تخفيض وكالة موديز تصنيف تل أبيب الائتماني، ما اعتبرته صحيفة "يديعوت أحرونوت العبرية"، "ضربة قوية" أخرى لاقتصاد البلاد، وجاء قرار وكالة ستاندرد آند بورز، بتغيير نظرتها المستقبلية لاقتصاد إسرائيل إلى "سلبية".بسبب ارتفاع المخاطر الأمنية المتزايدة في ظل تصاعد الأحدث في الصراع مع "حزب الله"، وأشارت إلى أن "ستاندرد آند بورز" تتوقع نموا صفريا للاقتصاد الإسرائيلي في العام الجاري، بسبب تصاعد الصراع مع "حزب الله"، وعجزا ب9 %، وكانت وكالة "موديز" قد حفظت تصنيف إسرائيل الائتماني إلى "Baa1" من "A2"، وأبقت على نظرتها المستقبلية السلبية حيال التصنيف. وخلال عام الطوفان، قدرت خسائر البورصة في الكيان بنسب تتراوح بين 9% و20% على مدى فترات مختلفة، وكان قطاع البنوك الأكثر تضررا في البورصة بسبب خروج المستثمرين الأجانب، وقدرت دراسة للمعهد العربي للدراسات خسائر البورصة الإسرائيلية بسبب الحرب على غزة بنحو 20 مليار دولار خلال نحو عام، ومن خلال التداعيات التي تم رصدها منذ السابع من أكتوبر حتى يومنا هذا، فإن ما بنته اسرائيل اقتصادياً في75 عاماً قد نسفه الطوفان خلال عام، والقادم أشد فداحة خاصة بعد أن أصبحت منطقة غوش دان الواقعة في قلب عاصمة الكيان الإسرائيلي والتي تحمل رمزية اقتصادية كبيرة تحت مرمى النيران اليمنية، ولا ننسى الحديث عن دور الحصار الذي تفرضه قواتنا البحرية في إغلاق ميناء ايلات وتكبيد الكيان خسائر كبيرة بسبب ارتفاع كلفة النقل البحري وارتفاع التأمين على المخاطر على السفن. * صحفي وخبير اقتصادي