سيبقى السابع من تشرين الأول (أكتوبر) يومًا خالدًا في صفحات التاريخ، وذكرى محفورةً في ذاكرة الأجيال، وكابوسًا يُؤرِّق العدو الصهيوني ويَقضُّ مضاجعه؛ ففي هذا اليوم استعاد مجموعةٌ من المجاهدين البواسل للأمة كرامتها المسلوبة وهيبتها المفقودة، بشَنّهم هجومًا على العدو في عُقر داره واقتحامهم حصونه ومعاقله وأوكاره، وكأن ما حدث كان ترجمة حرفية واقعية لما قاله الشاعر الفلسطيني الكبير عمر أبو ريشة في ملحمته الشعرية الخالدة، التي بعض أبياتها: أيُّها الجنديُّ يا رمزَ الفدا ** يا شُعاعَ الأملِ المبتسمِ ما عرفتَ البخلَ بالروحِ إذا ** طلبَتها غُصَصُ المجدِ الظَّمي بورِكَ الجُرحُ الذي تحمِلُهُ ** شرفًا تحتَ ظِلالِ العلَمِ بهذه الأبيات العميقة؛ أطلق أبو ريشة نداء الاستغاثة الأخير إلى جنود الأمة الإسلامية عمومًا، وجنود المقاومة الفلسطينية بشكلٍ خاص، شاحذًا هِمَمهم وعزائمهم ومشيدًا ببسالتهم ونخوتهم وموقِظًا فيهم الروح القتالية التي تجري في الشريان العربي مجرى الدم، باعتبارهم أمل الأمة الأخير ورهانها المتبقي؛ ليهبوا ذات فجرٍ دفاعًا عن أرضهم المُغتصَبة وكرامتهم المسلوبة، ويحرّرونهما من عُنجُهيّة المستعمر الغاصب، الذي ظل وما فتئ يُعربد في الساحة العربية ويعيث في أرجائها فسادًا، غير آبهٍ لمن حوله وحَوالَيْه، محتميًا بقوى الاستكبار العالمي التي جاءت به وشرعنت وجوده اللامشروع على أكثر بقاع الأرض قدسيّة وطهارة، ومُستظلًّا بمِظلّة الأممالمتحدة ومجلس أمنها الذي أُنشئ لقهر الشعوب المستضعَفة وحماية الدول المستعمِرة، حتى جاء اليوم الذي سمع فيه كل هؤلاء كلمة (لا) بملء الفم والفؤاد، وأعظِمْ به من يومٍ وأنعِم! وقد أحسنت الحكومة اليمنية صُنعًا حين أعلنت هذا اليوم إجازةً رسمية سنوية؛ حتى لا ننسى ما حدث فيه، ونتغنّى دومًا بما حققته المقاومة الفلسطينية من انتصارٍ عسكري ومعنوي، نَفَضا عن الأمة غبار الذلّ والهوان وفقًا لفلسفة أبو ريشة الشعرية، ليغدو هذا اليوم المبارك شاهدًا حيًا على أن النخوة العربية لم تمُت، بل كانت تَغُطُّ في سُباتٍ عميق حتى أتى ثُلَّةٌ من رجال المقاومة المغاوير فأوقظوها من جديد مع بزوغ فجر السابع من تشرين الأول، الذي سيبقى تاريخًا خالدًا لا يُنسى وبارزًا لا يَتوارى وشهيرًا تُضاهي شهرته (يوم حليمة) الذي عرفته العرب وضربت به مثلها الشهير: "ما يومُ حليمةَ بِسِر"..! *أكاديمي وكاتب صحفي