قبل أن نتحدث عن الملاحم البطولية التي تسطرها المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس في قطاع غزة والمقاومة الإسلامية ممثلة في حزب الله بجنوب لبنان ودعمهم من قبل جبهة المساندة لا بد أولا أن نتحدث عن حقيقة الجيوش العربية وكيف تم تأسيسها ولذلك نقول للمستائين من موقف الجيوش العربية المخزي والمذل مما يجري من إبادة جماعية في قطاع غزة وجنوب لبنان على أيدي الجيش الصهيوني المدعوم أمريكيا وغربيا لا تلوموا هذه الجيوش الورقية إن صح التعبير ولا تحملوها المسؤولية فهي جيوش عقيدتها بُنيت على أساس الدفاع عن الأنظمة والحكام وليس على أساس الدفاع عن قضايا الشعوب والأوطان ومن يعود للإطلاع على تجاربها السابقة مع العدو الصهيوني مُنذ تم تأسيس كيانه اللقيط في فلسطين عام 1948م سيكتشف أنها فعلا جيوش ورقية لا تستأسد إلا على الشعوب حين يأمرها الحكام لإخماد انتفاضتها ضد الظلم والطغيان ، قد لا يصدق الجيل الجديد بأن خمسة جيوش عربية هُزمت أمام العصابات الصهيونية التي كانت تسمُى بالهجانا قبل أن يكون لهذا الكيان جيش ولم تفلح إلا في تهجير الفلسطينيين من أرضهم إلى الشتات عندما وعدتهم بأنها ستطرد اليهود المحتلين وتحرر كل فلسطين منهم فهزموا شر هزيمة فلا هم حرروا أرض فلسطين المغتصبة بموجب القرار الأممي ولا هم أرجعوا من أخرجوهم من أرضهم إلى يومنا هذا ، ولأن تلك الجيوش قد شعرت بالعار الذي لحق بها فقد حملت المسؤولية من أسمتهم بالأنظمة الرجعية كونها هي من زودتهم بأسلحة فاسدة وفي طليعة تلك الجيوش المهزومة الجيش المصري آنذاك ، وبعد قيام الثورات وإسقاط تلك الأنظمة الفاسدة واستبدالها بأنظمة تقدمية علقت الشعوب العربية عليها أملاً كبيراً في تحرير فلسطين خاصة بعد رفعها لشعار محاربة الرجعية والاستعمار ورمي إسرائيل في البحر ولكن بدل ما كان يجب أن يسمح للفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة في المساحة التي يطالبون بها اليوم تم تقاسمها بين مصر والأردن لإدارتها حيث تكفلت مصر بقطاع غزة وتكفل الأردن بالقدس الشرقية والضفة الغربية ومن هنا زادت هجرة الفلسطينيين إلى الشتات وتضاعفت هجرة اليهود إلى فلسطين وفي الوقت الذي كانت فيه الشعوب العربية تنتظر رمي إسرائيل في البحر وعودة الفلسطينيين من الشتات إلى أرضهم حدثت الكارثة التي لم يكن أحد يتوقعها فقد شن الجيش الصهيوني هجوماً مفاجأ يوم 5 يونيو عام 1967م على ثلاث دول عربية في وقت واحد هي مصر وسوريا والأردن وخلال ستة أيام فقط هزم جيوشها الثلاثة واستولى على المساحة الحرة من فلسطين التي كانت أمانة لدى مصر والأردن وأضاف إليها احتلال شبه جزيرة سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية وأراض أردنية ولكي يخفف العرب عن كاهلهم ثقل هذه الهزيمة أطلقوا عليها اسم النكسة ومن بعدها لم تقم لهم قائمة وأصبحت إسرائيل هي القوة المهيمنة في الشرق الأوسط ، وحين حاول الجيش المصري إعادة الاعتبار للجيوش العربية يوم 6 اكتوبر عام 1973م حيث استطاع أن يعبر قناة السويس ويحطم خط بارليف الشهير ووصوله إلى سيناء وكان قادرا على التقدم ليحقق نصراً عظيماً إلا أن هذا النصر لم يفرح به العرب حتى اسبوع واحد فلم تتم المحافظة عليه وأصبح الجيشان الثاني والثالث المصريان محاصرين في الضفة الشرقية من القناة بعد أن عبر القائد الصهيوني شارون بقواته إلى الضفة الغربية عبر البحيرات المرة ووصل بها إلى الكيلو 101 من القاهرة وهو ما جعل الرئيس أنور السادات يعلن وقف إطلاق النار من جانب واحد بحجة أنه غير مستعد لمحاربة أمريكا وبقية القصة التي أخرجت مصر وجيشها من معادلة الصراع العربي – الإسرائيلي معروفة . وبما أن الرئيس السادت قال معلقا على حرب 6 اكتوبر بأنها آخر الحروب مع إسرائيل فقد كانت فعلا آخر الحروب للجيوش العربية مع الجيش الصهيوني وحل محلها دور المقاومات الوطنية التي حققت بقدراتها المحدودة ما لم تحققه الجيوش العربية مجتمعة وما يحدث حاليا في مواجهة جيش بني صهيون خير شاهد وعليه فإن الشعوب العربية الحرة تتمنى لو أن الرؤساء جمال عبد الناصر وأنور السادات وصدام حسين على قيد الحياة كونهم كانوا أكثر الزعماء الذين زايدوا على القضية الفلسطينية ولم يحققوا لها أي شيء إيجابي بل أضاعوها تماما ليشاهدوا بأم أعينهم كيف يقاتل رجال الرجال إسرائيل وجيشها المدعوم من أقوى دول العالم عسكريا وماديا وكيف استطاعت الجبهة المساندة المكونة من بلدان محدودة أن تقف بالفعل وليس بالقول إلى جانب الحق الفلسطيني وتوصل صواريخها وطيرانها المسير إلى عمق الكيان الصهيوني بما في ذلك مدينة يافا المسماة بتل أبيب وفي نفس الوقت مواجهة أمريكا وبريطانيا أهم دولتين داعمتين للكيان الصهيوني بشكل مباشر وطردهما من البحر الأحمر وملاحقة سفنهما في بحار أخرى ومحاصرة إسرائيل اقتصاديا وهذا العمل تم حصريا على أيدي جيش اليمن الجديد ممثلا في قواته البحرية والصاروخية وقيادته الثورية الحكيمة والشجاعة كونه أحد أطراف الجبهة المساندة، أما المقاومة في قطاع غزة وجنوب لبنان فإنها تقوم بعمليات التحام مباشر مع الجيش الصهيوني ومن مسافة صفر للعام الثاني على التوالي وتحقق انتصارات عظيمة عليه رغم ما تتعرض له من قصف عنيف بقنابل أمريكية محرمة دوليا تقتل الشيوخ والنساء والأطفال وتدمر البنية التحتية على مدار الساعة ومن المفارقات العجيبة أن المقاومة في قطاع غزة وجنوب لبنان تقدم قادتها شهداء قبل جنودها وهو ما يدعو للفخر والاعتزاز حسب ما جاء في بيانات نعي قادتها الشهداء وفي طليعتهم أربعة قادة عظام للمقاومة الاسلامية في قطاع غزة وجنوب لبنان هم على التوالي حسب تسلسل عمليات اغتيالهم القائد إسماعيل هنية والقائد السيد حسن نصرالله والقائد يحيى السنوار والقائد هاشم صفي الدين وقد خسر العدو الصهيوني مراهنته بتحقيق نصر سريع بعد اغتيالهم حيث كان يعتقد بأن رحيلهم شهداء إلى الله تعالى أحياء عند ربهم يرزقون سيضعف وضع المقاومة الإسلامية في غزةولبنان ويجعلها تنهار أمام ضرباته الحاقدة فزادت المقاومة عنفوانا وقوة وامتصت كل الضربات المؤلمة لتصل ضرباتها المسددة إلى كل نقطة في الكيان الصهيوني وتصدت ببسالة لعمليات الجيش الصهيوني حيث أفشلت كل محاولاته للقيام باجتياح بري وكبدته خسائر فادحة في العدة والعتاد والأرواح بل وأوصلت طيرانها المسير إلى غرفة نوم المجرم نتنياهو الذي تعهد لمستوطني الشمال بأنه سيعيدهم إلى قراهم ومنازلهم خلال ثلاثة أسابيع فانتهت المدة ولم يحقق سوى المزيد من تهجير المستوطنين فقد أصبحت حيفا بما تشكله من أهمية اقتصادية للكيان وغيرها من المدن الواقعة تحت مرمى نيران المقاومة الإسلامية بالرغم من تعرضها للقصف الصاروخي يوميا فهجرها سكانها وأصبحت خالية لا يسمع فيها سوى صفير الرياح وهو ماجعل المجرم نتنياهو ينتقم من المدنيين في لبنان وقطاع غزة من خلال تكثيفه لقصفهم بالقنابل الأمريكية بعد أن عجز جيشه عن أن يحقق تقدما في المواجهة الميدانية أمام رجال الرجال . بقي أن نقول هل تستفيد الجيوش العربية التي تمتلك كل أسباب القوة والامكانيات مما يجري من مواجهة مع الجيش الصهيوني وتثور على أنظمتها التي جعلت موقفها مخزيا أمام الشعوب العربية والعالم وكأنها عبارة عن قطاعات مستعبدة يسيرها الحكام كيفما يشاءون للدفاع عنهم وعن أنظمتهم الموالية لأعداء الأمتين العربية والإسلامية وأحرموها من خدمة الدفاع عن قضاياها الوطنية وإن غداً لناظره لقريب لنعرف من خلاله موقف هذه الجيوش الورقية وكيف ستعيد لنفسها الاعتبار وتكتسب ثقة شعوبها .