الشعب الجزائري وشعب جنوب إفريقيا الإفريقيان متصدران -عبر تأريخهما- شعوب القارة السمراء بل شعوب المعمورة جمعاء في مساندة الشعب العربي الفلسطيني ومناهضة ما يتعرض له من وحشية على يد العدو الصهيوني، كما الدولتان -الآن- في صدارة البلدان المناهضة -بشدة- لما يطال «قطاع غزة»الفلسطيني من عدوان. الجزائر رائدة في مضمار التحرر منذ أن انتزع الجزائر الشقيق استقلاله بعد تضحيات بشرية هائلة عام 1962 وهو حامل على عاتقه همَّ قضية فلسطين على اعتبار أنها أهمُّ قضية تعني جميع العرب والمسلمين، وما أكثر ما عنيت الدبلوماسية الجزائرية بالقضية الفلسطينية بكل المحافل الدولية، فعملت وما تزال عاملة على توضيح عدالة هذه القضية العادلة مبرهنةً بكافَّة الأدلة على الحقِّ الفلسطيني لكل من لم يزل يجهله أو يتجاهله، وما أكثر ما احتضنت العاصمة «الجزائر» -من وقت إلى آخر- القمم واللقاءات البينية الفلسطينية في رغبة منها ملحة لتوحيد رؤى مختلف الفُرقاء والوصول بهم إلى حالة متقدمةٍ من المصالحة، لما من شأنه استثمار الجهود التي تبددها الأطراف الفلسطينية -خطأً- في المناكفات السياسية في مساندة الشعب العربي الفلسطيني وتعزيز كفاحه لانتزاع حقوقه المشروعة وفي رعاية مصالحه.. وقد كان الصوت الجزائري هو الأبرز بين جميع الأصوات في المنبر الأممي المطالب -لأكثر من عامٍ وثلاثة أشهر- بإيقاف ما يتعرض له الشعب الفلسطيني بواسطة المحور الصهيوصليبي من مجازر، ومنحه ما يتوق إليه من استقلالٍ وانعتاقٍ وتحرر، وقد كان الموقف الجزائري في القمتين العربيتين الإسلاميتين الطارئتين المشتركتين الأخيرتين هو الأحزم والأجرأ في الدعوة إلى كسر طوق الحصار المضروب على إخواننا الفلسطينيين في «قطاع عزة» الواقعين تحت النار وإمدادهم -جهارًا نهارًا- بكل ما يلزم مع الأخذ في الحسبان الاستعداد التام للتعاطي الحازم مع كل ما قد يطرأ نتيجة ما قد يتخذه المؤتمِرون من إجراء. وقوف «بريتوريا» المتين مع فلسطين شعب «جنوب إفريقيا» الذي عانى من ويلات نظام الفصل العنصري أكثرًا شعوب العالم الثالث تأثُّرًا وشعورًا بمعاناة الشعب العربي الفلسطيني الواقع بين براثن النظام الصهيوعبري البربري، وقد كان بين الشعبين قبل تحرر «جنوب إفريقيا» نوعٌ من التنسيق الهادف إلى مساندة بعضهما بعضًا لما من شأنه نيل كل منهما من الاستقلال والانعتاق والتحرر ما هو بهِ خليق، ويكفينا استدلالًا على ما يجمع الشعبين من تعاون وثيق أنَّ «نيلسون مانديلا» الذي توفي في 2013 عن 95 عامًا قد جعل -عندما أصبح أول رئيس أسود لدولة «جنوب أفريقيا» - من قيام دولة فلسطينية إحدى قضاياه الدولية الرئيسية إن لم نقل قضيته الدولية الأولى، وقد اختزل بقوله: «لا تكتمل حريتنا في جنوب أفريقيا دون تحقق حرية الشعب الفلسطيني» كل ما يمكن أن تشتمل عليه مظاهر التعاون من معانٍ.. وبعد أقلِّ من شهرين على بدء المجازر الوحشية التي ما تزال ترتكب في حق سكان «قطاع غزة» -منذ ال7 من أكتوبر 2023 وإلى الآن- بواسطة قوات الكيان بتواطؤ مخزٍ من الأمريكان بادرت قيادة «جنوب إفريقيا» برفع قضية إلى محكمة العدل الدولية ضد الدولة الصهيونية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وحرب إبادةٍ جماعية في حقِّ التجمعات السكانية الفلسطينية، وما تزال «بريتوريا» لأكثر من عام -ومعها «الجزائر» أنظمة أخرى سارعت إلى الانضمام- توافي المحكمة الدولية بالأدلة والبراهين الداعمة للدعاوى التي اشتملت عليها لائحة الاتهام، ويوشك «رامافوزا» وطاقم حكومته بضغطهم المتواصل على المحكمة من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل أن يروا مجرمي صهيون للمثول أمام القضاء العادل. كفى ب«تبون» إنجازا تكريم «رامافوزا» ما نلاحظه اليوم بين الموقفين [الجزائريوالجنوب إفريقي] من تناغم وتناسق إلى حدِّ التطابق تعود جذوره التأريخية إلى أكثر من 5 عقود، فقد كان النضال الجنوب إفريقي التحرري -ضد "الأبرتيد"- يحظى بدعمٍ جزائيٍّ لا محدود ظل الزعيم الجنوب إفريقي «نيلسون مانديلا» يعبر عنه بصورة شبه متواصل بقوله: (الجزائر جعلت مني رجلا)، وبعد انتزاع شعب «جنوب إفريقيا» حريته بفضل تضحياته، وبدعمٍ من الأمم الداعمة للحرية بما فيها الأمة الجزائرية التحمت جهود البلدين لدعم قضية فلسطين، وقد تجسد ذلك التوحد في المواقف المشرفة المصطفة مع كل القضايا العادلة والمنصة في ما نشهده من تضامن متين مع قضية فلسطين ومطالبةً القضاء الدولي -ممثلًا بعدالة أعلى المحاكم- بإنصاف المظلوم ومحاسبة الظالم على ما اقترفت يداه من مظالم، ترجمةً لقول فخامة الرئيس «رامافوزا» -أثناء زيارته الأخيرة إلى «الجزائر»-: (أما بالنسبة للقضية الفلسطينية والحرب على غزة، فقد درّسَنا «مانديلا» أنَّ حريتنا لن تكتمل حتى يحظى الفلسطينيون بحريتهم. ولا يمكن السماح بهذه التجاوزات، ولدينا مسؤولية تأريخية لوقف هذه الإبادة، وإنَّ الحرب على غزة يجب أن تنتهي ونطالب بانتهائها الآن).. في استقبال «سيريل رامافوزا» الذي زار الجزائر مؤخرًا في قصر «المرادية» بحفاوةٍ غير عادية، وفي تقليده -وسط ابتهاجٍ مراسيميٍّ منقطع النظير- وسام «الأثير»، ولعل ذلك التكريم هو إنجاز لرئيس «تبون» الأبرز كونه جاء عرفانًا بموقف «رامافوزا» المميز، ولا يسعنا إلَّا أن نعتبره كلمة حق في شخصٍ مستحق.. كما تجسد ذلك التلاحُم -جزائريًّا- في استقبال فخامة الرئيس الجنوب إفريقي «سيريل رامافوزا» في قصر «المرادية» -من قبل نظيره الجزائري- بحفاوةٍ غير عادية، وفي تقليده -وسط ابتهاجٍ مراسيميٍّ منقطع النظير- وسام «الأثير»، ولعل ذلك التكريم هو إنجاز فخامة الرئيس «عبدالمجيد تبون» الأبرز، كونه جاء عرفانًا بموقف «رامافوزا» المميَّز، ولا يسعنا إلَّا أن نعتبره -وبحق- كلمة حق في شخصٍ اعتباريٍّ مستحق.