لأن الكيان الصهيوني زرع في النصف الأول من القرن الماضي على هذه البقعة المتوسطة لجغرافية الوطن العربي والمتوافرة على كم كبير من مقدسات العالم الإسلامي بهدف الاستمرار المفضي بأمة العروبة والإسلام إلى مزيد من التشظي والانحسار، فقد اعتمد زارعوه وما يزالون على مرتكزين اثنين أولهما توسعي ميداني يتمثل في عمل السلطات الصهيونية الحثيث على الالتهام المستدام للأراضي الفلسطينية وما أمكن من أراضي دول الجوار العربية بمستوى من الاندفاع رسَّخ في نفوس الحكام العرب حالة من الاقتناع بالبقاء –على الدوام- في وضعية الدفاع، أما ثانيهما فهو المرتكز السياسي المتمثل في ما نسجه هذا الكيان في فترة زمنية قياسية من شبكة علاقات دبلوماسية لا سيما في القارة السمراء التي دشن عملية التغلغل فيها -على أساس من التصور الصهيوني السياسي الافتراضي- منذ خمسينيات القرن الماضي، ولكن بالرغم من تمكنه في ستينات القرن ذاته من تأسيس علاقات دبلوماسية مع نحو 33 دولة أفريقية بهدف كسر العزلة التي فرضت عليه من قبل الدول العربية والحصول على صك الشرعية الدولية من خلال الدعم السياسي من الدول الأفريقية في المحافل الدولية، بغية نسف أو على الأقل تحجيم القضية الفلسطينية، إلاّ أن الاتحاد الأفريقي -منذ أعلن عن تأسيسه في 9 يوليو 2002 في مدينة "ديربان" ب"جنوب أفريقيا"- وهو ملتزم بمواقف مبدئية ثابتة تجاه القضية الفلسطينية العادلة وحقوق الشعب الفلسطيني المغتصبة. ولم يحد هذا الاتحاد -إزاء الحق الفلسطيني الضائع- عن سبيل الرشاد إلى بعد أن آلت رئاسة مفوضيته إلى "تشاد" التي ما تزال تدور في فلك "باريس" المعروفة بدعمها للكيان الصهيوني منذ طور التأسيس، إذ أصدر التشادي "موسى فقي" الذي ترأس مفوضية الاتحاد في 14 مارس 2017 قراره بانفراد باعتماد دولة الكيان الصهيوني المجلل سجلها الإنساني بالسواد عضوًا مراقبًا في الاتحاد، فقد ورد في سياق تقرير إخباري بعنوان [هل تتسبب إسرائيل في انقسام الاتحاد الإفريقي؟] نشره "موقع العدسة" يوم الأربعاء ال27 أكتوبر الماضي ما يلي: (في 22 يوليو أصدر رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي "موسى فقي محمد" إسرائيل عضوًا لدى الاتحاد من خلال قرارٍ اتسم بالأحادية وأحيط بالسرية، إلى حدِّ أنَّ معظم الدول الأعضاء لم تكتشف صدوره إلاّ من خلال وسائل الإعلام الإسرائيلية). ومع ما تحتمله التسريبات التي بدأت تطفو أن "فقي" أصدر قراره بالتنسيق مع عدد من الأطراف وفي مقدمتها "فيليكس تشيسكيدي" رئيس جمهورية "الكونغو" الذي يصنَّف -بحسب التقرير الذي سبقت الإشارة إليه- (من أشد المدافعين عن التطبيع مع إسرائيل)، فقد أوشك يفضي بالاتحاد الذي اتسمت علاقة أعضائه -منذ تأسيسه قبل عشرات الأعوام- بقدر معقول من الوئام إلى حالة غير مسبوقة من الانقسام، لولا أن رُحِّلت المشكلة إلى القمة المقبلة. ومن مظاهر الانقسام الحاد الذي كاد يتخلل عرى الاتحاد أن اقترح رئيس جنوب أفريقيا "سيريل رامافوزا" ترحيلَ مناقشة هذا القرار المثير للخلاف والجدل قد قوبل -بحسب ما جاء ضمن تقرير إخباري بعنوان [ما دلالات قرار الاتحاد الأفريقي تعليق منح إسرائيل صفة مراقب؟] من إعداد الصحفي "بهاء الدين عياد" نشره موقع "اندبندنت عربية" يوم الإثنين ال7 من فبراير الجاري- (بترحيب حار من الجزائر وليبيا وتونس ونيجيريا وناميبيا بالإضافة إلى متبنية المقترح "جنوب أفريقيا"، في مقابل اعتراض مشوب بالغضب من تشاد وليبيريا ورواندا والكونغو والمغرب). وإذا كان هذا التضاد الحاد في مواقف نماذج من أعضاء الاتحاد قد أكد -في جانب من جوانبه المتعددة- على تمسك جمهورية الجزائر -كما عهدناها- بموقفها القومي العربي المتشدد وتخندقها في خندق الدفاع عن القضية العربية الفلسطينية دون تردد، فقد عكس -من نواحٍ أخرى- ثبات جنوب أفريقيا العلمانية واللاعربية واللاإسلامية على المبدأ والاستمرار في الإدانة الواضحة والصريحة لجرائم الدولة الصهيونية وانتهاكاتها المتواصلة للحقوق الفلسطينية غير آبهةٍ بردود الفعل الغربية السلبية، كما كشف -من ناحية ثالثة- عن كارثة تردي المغرب -بالرغم من أنه قطر عربي إسلامي شقيق- في مكانٍ سحيق بانحيازه -سرًّا وعلانية- إلى صف الدولة الصهيونية والإسهام في منحها مكانة إقليمية على أنقاض عروبة فلسطين وهويتها الإسلامية، بكل ما يترتب على ذينك الموقفين لكلا البلدين الأفريقيين من سمو وارتقاء "بريتوريا" سموًّ وارتقاءً يليق ببلدٍ أنجب المناضل "نيلسون مانديلا" وسواه من المناضلين الذين ما يزالون يسطرون ملاحم نضال سياسية "جنوب أفريقية" عصماء، وما يترتب -في المقابل- من ضعةِ وانحطاط "الرباط" ضعةً وانحطاطًا يعكسان مستوى الاضطراب والتذبذب الذي وصل إليه نظام المغرب والأسرة الحاكمة التي تدعي شرف الانتساب والانتماء إلى الحبيب المصطفى، وهو -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- من أعمالها ومن توليها اليهودَ والنصارى براء.