سلامٌ من صَبا بَرَدى أرَقُّ ** ودمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دمشقُ ومعذرةُ اليَراعةِ والقوافي ** جَلالُ الرُّزءِ عن وصفٍ يَدِقُّ خلال ثماني عشرة ساعةً فقط، كتب "المفسبكون" الأعراب من السب والشتائم في الرئيس بشار الأسد، أكثر مما كتبوه في نتنياهو وشارون وجورج بوش وجولدا مائير مجتمعين! ولا نعلم عاقلًا يفرج بمُصاب أخيه وخراب بيته سوى غوغاء العرب، الذين وجدوا في ما يجري مُتنَفَّسًا لأحقادٍ دفينةٍ تكدّست في صدورهم حيال صمود دمشق الأسطوري، طوال سنوات الربيع المشؤوم وما بعدها.. فلطالما مثلت سورية حجر الزاوية في البيت العربي وحائط الصد الذي وأد شتى المؤامرات الغربية، وأجهض كل المشاريع التخريبية الرامية إلى تفتيت المنطقة، وتأسيس شرق أوسط جديد بمقاسات إمبرياليّة صهيونية صرفة. إن نصرًا تخطط له واشنطن وتموّله الرياض وتباركه تل أبيب، لا يجلب وراءه إلى الخراب والدمار، والشواهد التاريخية كثيرة وواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، ولكن ما يبعث الأسى والأسف أن العرب لا يتّعضون من الأخطاء، ولا يستوعبون الدروس إلا بعد وقوع الفأس في الرأس! ربما نسي الكثيرون أن نظامًا صمد اثنتي عشرة سنة أمام تحالف عالمي، ما كان له أن يسقط في غضون أيامٍ معدودات أمام جماعاتٍ متمرّدة عميلة، لو لم يكن في الأمر خديعة سياسية جرى تدبيرها في البيت الأبيض بإشرافٍ صهيوني، ومن ثَمّ تمريرها عبر أنقرة بتمويلٍ خليجي، لتبدأ مرحلة تنفيذها باستخدام بيادقَ إرهابية ارتدت عباءة الدين والعروبة وهما منها بَراء، وهل بقيت عروبةٌ أو دين لدى من يرى بأم العين ما يجري لإخوته وأبناء جلدته في غزة من مجازرَ وحشيٍة ومذابحَ جماعيةٍ منذ أكثر من عام، ولا يحرّك إزاء ذلك ساكنًا أو يَنبَس ببنت شَفَة؟! وأنّى لهم أن يروا في نتنياهو وحكومته عدوًا لهم، وهم ينفذون أجندنه ويتحركون وفق مخططاته التي رسمها لهم، لا يحيدون عنها قِيدَ أُنمُلة! فحين عجز العدو الصهيوني ومن خلفه الأمريكي عن القضاء على مجاهدي فلسطين البواسل مسنودين برجال المقاومة في لبنان، رأي أن الطريق الأسهل إلى غزة يبدأ من سورية مرورًا بلبنان، لكن الرئيس الأسد كان وفيًا لعروبته مخلصًا لقوميّه، ورفض في إباء وعزة كل محاولات الاستمالة الغربية عبر الوسطاء العرب تارةً بالترغيب وأخرى بالترهيب، ليلجأوا بعد ذلك إلى سياسة "قص الأجنحة" مع النسر الشامي، الذي وجد نفسه وحيدًا ومُحاطًا بأعرابٍ سُذَّج، لم يستغرق تضليلهم وقتًا طويلًا حتى نجح العدو في ذلك، صارفًا أنظارهم وأذهانهم عما يجري في غزة إلى ما يجري في الشام، وكأنه فتحٌ مقدس وظَفرٌ مؤزَّر.. ما لا يدركه السُذَّج والمغفلون أن سقوط النظام السوري اليوم ليس سقوطًا لبشار الأسد ولا هزيمةً لجيشه، لكنه سقوطٌ لسورية كلها وهزيمةٌ للعرب قاطبة، وسيدفعون جميعًا ثمن هذا التخاذل والسكوت من حيث لا يشعرون، وسيأتي اليوم الذي يعضّون فيه أصابع الندم ويذرفون دموع الحسرة، على ما فرطّوا بحق قلب العروبة النابض، تمامًا كما فعلوا من قبل بحق العراق وزعيمه القومي صدام حسين المجيد، بعد أن هلّلوا وكبّروا ليلة سقوط بغداد واجتياح القوات الأمريكية لها، مرددين المواويل نفسها، وشامتين بالعبارات ذاتها التي نقرؤها اليوم هنا وهناك، وما أشبه الليلة بالبارحة..! *أكاديمي وكاتب صحفي