لقد نشأت دولة جنوباليمن من النضال المنتصر ضد الحكم الاستعماري البريطاني في عام 1967م ويعيش السكان الذين يبلغ عددهم نحو مليوني نسمة في أرض قاحلة بالكامل تقريباً حيث لا يمكن زراعة سوى 2% من الأراضي ولا يزرع سوى 1% منها ويكاد يكون توسيع المساحة الزراعية مستحيلاً بسبب نقص المياه وقد أدى إصلاحان زراعيان بعد الثورة إلى تحويل معظم الأراضي إلى نحو 60 مزرعة جماعية و50 مزرعة تابعة للدولة وقد سُمح ببعض قطع الأراضي الخاصة للفلاحين ولكن تحت قيود أكثر صرامة من تلك التي كانت مفروضة في الاتحاد السوفييتي على سبيل المثال وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي فإن البلاد لا تلبي سوى نصف احتياجاتها الغذائية محلياً وقد تسبب نقص رأس المال والمهندسين الزراعيين المدربين والمديرين في مشاكل حادة وخاصة في قطاع المزارع الحكومية حيث أهدر قدر كبير من الاستثمارات وفي عام 1984م كانت ثلاث مزارع حكومية فقط من بين 24 مزرعة لزراعة المحاصيل تعمل بشكل مربح ومُنذ أواخر سبعينيات القرن العشرين تطورت صناعة الصيد البحري باعتبارها القطاع غير الصناعي الوحيد القادر على التوسع بنجاح وأصبحت الأسماك الصادرات الرئيسية للبلاد سواءً إلى الاتحاد السوفييتي أو إلى الشرق الأقصى وفي عام 1982م بلغ نصيب الفرد من الدخل 460 دولاراً وفي عام 1985م شكلت الزراعة 10% من الناتج ولكنها شكلت 42% من العمالة؛ وكانت الأرقام في الصناعة 16% و11% على التوالي لقد كانت دولة اليمنالجنوبي طيلة ثمانية عشر عاماً تقريباً من وجودها بمثابة نقطة محورية لحرب مستمرة بين الثورة والثورة المضادة في المنطقة ولكنها اكتسبت قدراً من الأمن الاستراتيجي من خلال علاقاتها الوثيقة المستمرة مع الاتحاد السوفييتي وعلى الصعيد السياسي كانت وجهة النظر السوفييتية تتلخص في أنه من السابق لأوانه تماماً الحديث عن الانتقال إلى الاشتراكية في دولة تعاني من ضعف كبير في الموارد الطبيعية وتعاني من الأمية الهائلة ونقص كبير في الكوادر وما إلى ذلك ومُنذ البداية كانت المشورة السوفييتية ضد ما تراه مغامرة داخلية وتفضل الحذر والتكيف مع الإسلام والتحرر والانفتاح المشروط على دول النفط وتخفيف السيطرة على الفلاحين والصيادين وعلى هذا فإن وجهات النظر السوفييتية كانت دوماً أكثر اعتدالاً من العديد من التيارات السياسية المحلية في جنوباليمن سواءً في السياسة الاجتماعية الداخلية أو السياسة الخارجية وقد زعموا أن الجهود الرامية إلى "تطبيع" العلاقات مع السعودية وسلطنة عمان من شأنها في الأمد البعيد أن تضعف موقف الإمبريالية أكثر من دعم الحركات المناهضة للأنظمة المحيطة وقد سعى السوفييت إلى تجنب التورط بشكل عميق في السياسة الداخلية للبلاد ولم تتقارب وجهات النظر السوفييتية واليمنيةالجنوبية بشأن كيفية المضي قدماً على الصعيدين الداخلي والخارجي إلا في السنوات القليلة الماضية في ظل حكومة علي ناصر فقد قدمت موسكو لليمن الجنوبي نحو 270 مليون دولار كمساعدات على مدى السنوات الثماني عشرة الماضية وهو ما يمثل نحو ثلث إجمالي المساعدات التي تلقتها مُنذ الاستقلال أما المساهمات غير السوفييتية فقد جاءت من الصين (133 مليون دولار) ودول اشتراكية أخرى والدول العربية والوكالات المتعددة الأطراف، إن السوفييت لا يحتفظون بقاعدة عسكرية بمعنى منطقة ذات سيادة أو قوات دائمة ولكن عدن ذات قيمة كميناء بحري ومستودع أكثر أمناً من أي ميناء آخر في المنطقة ولا شك أنهم يحتفظون ببعض مرافق جمع المعلومات الاستخباراتية هناك، لقد تأسس الحزب الحاكم في جنوباليمن في عام 1963م تحت مُسمى الجبهة الوطنية للتحرير والتي قادت حرب العصابات ضد بريطانيا إلى النصر في عام 1967م وفي عام 1978م تحول الحزب إلى الحزب الاشتراكي اليمني ويبلغ عدد أعضائه نحو 26 ألف عضو حوالي 20% منهم من أفراد الجيش وأقل من 15% منهم من أفراد الطبقة العاملة (بمعاييرهم الخاصة) ومعظم البقية من الفلاحين أو المثقفين أو المسئولين الحزبيين من نوع أو آخر لقد تميزت المنظمة طوال وجودها بالانقسامات الحزبية أولاً وقبل كل شيء كان نضال التحرير نفسه على نفس القدر من الانقسامية مثل النضال في أنجولا أو زيمبابوي، لم يحقق نصر الجبهة الوطنية للتحرير في عام 1967م انتصاراً ضد البريطانيين فحسب بل ضد جبهة تحرير جنوباليمن وأيضاً المجموعة المنافسة الأكثر تأييداً لمصر والتي كان من المستحيل تحقيق الوحدة معها لقد قُتِل في الصراع بين جبهة التحرير الوطني وجبهة تحرير الشعب عدد أكبر من الناس وهو مزيج من القضايا الشخصية والسياسية والإقليمية مما خسرته أي من المجموعتين على أيدي البريطانيين بعد الاستقلال كان هناك تنافس أولي بين فصيل شبه ناصري تحت قيادة الرئيس قحطان الشعبي وأولئك الذين اعتبروا اليسار "الماركسي اللينيني" وقد وصل الأخير إلى السلطة في انقلاب غير دموي في 22 يونيو/حزيران 1969م ظل الشعبي قيد الإقامة الجبرية حتى وفاته تقريباً في عام 1980م ثم بدأت الجبهة في تحويل نفسها إلى "حزب من نوع جديد" متبعة ما اعتبرته نموذجاً لينينياً واتحدت مع مجموعتين سياسيتين أصغر حجماً فصيل بعثي موالٍ لسوريا وحزب شيوعي صغير موالٍ للسوفييت وهو الاتحاد الديمقراطي الشعبي وكان هذا الاندماج مشابهاً إلى حدٍ ما للاندماج بين حركة فيدل كاسترو والحزب الاشتراكي الشعبي في كوبا ولكن الحزب الاشتراكي التقدمي الكوبي كان قوة سياسية أكبر كثيراً من الاتحاد الديمقراطي الشعبي وفي عام 1978م وقبل انعقاد المؤتمر الأول للحزب الاشتراكي اليمني مباشرة اندلع صراع فصائلي كبير آخر ففي السادس والعشرين من يونيو/ حزيران 1978م حاول الرئيس سالم ربيع علي الاستيلاء على السلطة ضد الأغلبية في اللجنة المركزية ورغم أنه لم يكن ماوياً بالمعنى الدقيق للكلمة فقد كان علي يعارض الحزب التقليدي ويؤيد العفوية وكان يؤمن بتعيين الأشخاص على أساس المبادئ السياسية وليس الكفاءة الوظيفية وفي أوائل سبعينيات القرن العشرين حاول مع عواقب كارثية تقليد الثورة الثقافية الصينية في جنوباليمن ولكنه ظل زعيماً شعبياً وكان عدد أتباعه أكبر من عدد أتباع زعماء الحزب الذين هزموه في عام 1978م.