لا يزال الحديث مُتشعبًا ومُتعاظم الإسهاب والشجون، ويأخذ هُنا أكثر من حيِز وبُعد ومُعطى وهو يدور حول ذات الدولة الشريرة المارقة التي جرعت العالم ودوله وشعوبه الأمرين، ولا زالت تأتي بما لا يُحمد عُقباه ولا يمكن تبريره والسكوت عليه بأي حالٍ من الأحوال، فأمريكا المُجرمة لا يمكن أن تكون حملاً وديعًا وحمامة سلام، ولا يمكن اعتبارها واحة الديمقراطية الأولى في العالم ورمز التقدم والمدنية والمثالية، وهي التي قتلت ملايين البشر بدمٍ بارد ابتداءً من الهنود الحمر التي نهبت أرضهم وسرقت بلادهم وأبادتهم عن بكرة أبيهم، مروراً بقيامها بعد ذلك بنهب ثروات عدداً من الشعوب، وارتكابها لأبشع الجرائم والفظائع، إلى جانب مُمارستها للإرهاب المُنظم الذي برعت فيه على المستوى الدولي بشكل جعلها رمز الشر والإرهاب بلا مُنافس، وصولاً إلى تميزها بكونها العدو رقم واحد للإسلام والمسلمين في العالم وإصرارها على مناصبتهم العداء والتآمر على قضاياهم العادلة والتدخل الفج في شؤونهم وفرض الوصاية عليهم بكل صلف وعنجهية واستكبار، ومع ما عُرفت به أمريكا وامتازت به من قسوة ونزعة إجرامية شريرة، فلا يمكن أن تكون، رمزاً للمُثِل والقيم الإنسانية السامية كما يتوهم البعض ويحلو لهم ذلك، أو يمكن تخيلها وتصورها يومًا شيئًا جميلاً على الإطلاق في التاريخ الإنساني . إن تاريخ أمريكا المظلم كما سبق وذكرنا ذلك غير مرة، منذ قيامها وحتى اليوم عبارة عن سلسلة مُتصلة من الجرائم البشعة الموغلة في التوحش والهمجية بحق الأمة والإنسانية جمعاء، ولن تنتهي هذه الجرائم المُستمرة هذه عند حدٍ معقول ومعين، وحتى لو سلمنا بما يُسمِيه البعض أمراً واقعًا ملموسًا ومُعاشًا، وافترضنا جَدَلاً إن في تاريخ أمريكا الأكثر سوادية وقتامة وعتمة، ما يدل عن حضارة ومدنية وتقدم وتطور علمي وتقني رهيب ومهول في كل المجالات، وأنها انجزت وحققت بذلك مالم يُدركه غيرها ويصل إليه على ظهر البسيطة، فإن كل هذا يبقى ضئيلاً وصغيراً ومحدوداً جداً أمام ما تعنيه المجموعة الكلية للقيم والمُثل والمبادئ الدينية والروحية والإنسانية الأكثر سمواً التي انسلخت عنها أمريكا والغرب انسلاخًا تامًا وعجيبًا، ولا تعني لها في الواقع شيئًا يُذكر . وأمام سجلها ورصيدها التاريخي الطويل الحافل بالجرائم والفظائع والتجاوزات وإنتهاكات حقوق الإنسان في كل مكان وزمان، تبدو الولاياتالمتحدة صغيرة في كل الأحوال برغم عظمة شأنها كدولة عظمى تتحكم اليوم بمصير العالم ودوله وشعوبه على نطاق واسع، والأهم والأخطر من كل ذلك أن تعرف أن أمريكا هذه لا تقيم لأحدٍ حسابًا ولا وزنا، فمنذ قيامها وحتى اليوم لم تحترم أمريكا أي معاهدة أبرمتها مع الغير، أو تلتزم حتى ببعض ما جاء فيها، وهكذا هي طبيعة البيض- الأنكلو- ساكسون- البروتستانت، الذين قدموا من أوروبا واحتلوا بلاداً زعموا أنهم أكتشفوها وقضوا على سكانها الأصليين . ولو رجعنا إلى الوثائق التاريخية الأمريكية التي جمعها البروفيسور السوري منير العكش في كتابه (أمريكا والإبادات الثقافية)، لوجدنا فيها مايُؤكد رعونة الأمريكان وخيانتهم وغدرهم ونقضهم للعهود والمواثيق، وتقديمهم لمصالحهم وخدمتها وحمايتها على ما عداها، ففي البند السادس من أول معاهدة أبرمها الأمريكان مع الهنود الحُمر، يوجد نص صريح ودعوة وإلتزام أمريكي بإنشاء دولة هندية مُستقلة يكون لها ممثلون في الكونغرس إذا شاءت، إلا أن ذلك لم يتحقق في الواقع ولم يتم أساسًا، فجورج واشنطن وهو أول رئيس للولايات المتحدة دعا الهنود الحُمر إلى توقيع المعاهدة مع الأمريكيين، لكنه سرعان ما نقضها وتراجع عنها، وهو نفسه الذي قام بتدمير دولة الهنود الحُمر قبل قيامها فوق رؤوسهم، وسمم زعيم الهنود الذي وقع معه المعاهدة، وذشن بذلك سلسلة جرائم إبادة جماعية للهنود الحمر طالت الملايين منهم، وبحسب عدد من المؤرخين فنادرة هي المعاهدات الأمريكية التي لا تنص على إنشاء دولة، أو على إحترام حدود وسيادة، واستقلال هذا الشعب أو ذاك، وكأن دعوة الهنود الحُمر إلى إنشاء دولة في الوطن الذي سُرق منهم، كانت كلمة السر اللازمة لإفتراس وإلتهام ما تبقى من بلادهم وأشلائهم على أيدي قطيع المستعمرين البيض الذين قذفت بهم أوروبا إلى تلك البقعة من العالم ليستوطنوها ويدعون كذبًا أنهم اكتشفوها!. وأبلغ رد على فريتهم وكذبتهم تلك خطاب صادق كهذا، يقول : "أمريكا ليست بلدكم لقد استوليتم عليها، سرقتموها من الهنود الحمر، اعلم أنكم تقولون أننا اكتشفناها، تستعملون كلمات مُضللة لإخفاء الحقيقة، كيف تكتشف مكاناً يعيش فيه الناس أصلاً؟ باستخدام هذا المنطق سأكتشف سيارة أحدهم، وإذا سألتني الشرطة فسأرد: لم أسرقها لقد اكتشفتها فقط" ! . ( إيدي غريفن) ...... يتبع .....